علي شهاب *
لا حصر لمؤشّرات الحرب في المنطقة. يضع ديك تشيني، كاتب السيناريو، المشاهد تحت سطوة المتابعة الحثيثة لأدق التفاصيل:
في لحظة جنون قد يقرر جورج «أبو النار» الهجوم على «الحارة» الإيرانية. وكالعادة يؤدي إيهود «أبو غالب» دور «الفتنجي» بحرفية عالية.
في تموز 2006 كان القرار أميركياً والتنفيذ إسرائيلياً. آنذاك كانت تل أبيب بحاجة إلى تعزيز قدرة الردع الضائعة في ساحة النصر في بنت جبيل.
هذه المرة هناك ردع أميركي «تمزّقه» العبوات «الشيعية» الخارقة للدروع «عند شط الفرات»، ألم يزعم الأميركيون أن علي موسى دقدوق قد سافر من قريته في جنوب لبنان، عبر طهران، إلى جنوب العراق لـ«يقتل جنوداً أميركيين»؟
في المقابل، تفاجئك سياسة «اللين» الأميركية وراء الكواليس: تحريك قنوات اتصال وسيطة مع إيران، عبر الأوروبيين، من أجل التنسيق في العراق. كلام المسؤولين الإيرانيين حول استعداد طهران لإنقاذ واشنطن من المستنقع العراقي يعزّز هذا الأمر.
وعلى خط موازٍ، لا يحظى مؤتمر دول الجوار العراقي المقرّر انعقاده مطلع تشرين الثاني في تركيا بمشاركة إيرانية وأميركية بالتغطية الإعلامية اللازمة في الغرب. هل تندرج الأساطيل في الخليج في سياق الحرب النفسية إذاً؟
بالمناسبة، ليس سايمور هيرش هو وحده من يشير إلى التبدّل في الخطّة العسكرية لضرب إيران: لقد قالها رجال حزب الله في حرب «تغيير الاتجاه»، عندما أثبتوا فشل استراتيجية «الصدمة والرعب» لدى سلاح الجو. يمكن متابعة الأنباء القليلة الواردة من مؤتمرات واشنطن المتتالية لقادة أركان سلاح الجو في العالم لإدراك معاني «النصر الإلهي».
في ظروف مماثلة، عندما تتساوى مؤشرات الحرب والتسوية تتجه الأنظار إلى «صنّاع القرار» الحقيقيين:
في واشنطن، يُنظّر الباحث في معهد «المشروع الأميركي» فريديرك كاغان، «الرجل الذي استولى على أذني بوش»، بحسب الإعلام الأميركي، لحتمية توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
في موسكو، يرى أحد أشهر خبراء روسيا العسكريّين ألكسندر خرامتشيخين، من مركز «التنبؤات العسكرية الاستراتيجية»، أن الولايات المتحدة بصدد تهيئة بيئة إعلامية مناسبة لتوجيه ضربة إلى... سوريا «الحلقة الأضعف»، ذلك أن أي هجوم على إيران «سيكون مكلفاً في الوقت الراهنبعيداً من سيناريوهات الحرب المفترضة، تبرز جملة من المؤشرات:
ـــــ حركة الأسطول الأميركي في الخليج، والمناورات الأميركية المشتركة مع بريطانيا وروسيا وبعض دول الخليج.
لقد دخلت 3 حاملات طائرات تعمل بالطاقة النووية، هي «يو إس إس نيميتز» و«يو إس إس جون ستينيس» و«يو إس إس إنتربرايز»، مياه الخليج، وعلى متنها ما يزيد على 24 ألف بحّار، فضلاً عن مجموعة من القطع الحربية، من بينها غواصتان نوويتان هما «أوكلاهوما سيتي»، التي عبرت في حزيران الماضي في اتجاه البحر الأبيض المتوسط ترافقها حاملة الطائرات «باتان»، والغواصة «فيلادلفيا»، التي وصلت برفقة «يو إس إس إنتربرايز» مطلع شهر آب الماضي ومعها أربع مدمرات تحمل صواريخ موجهة، فضلاً عن سفينة تحمل صواريخ من طراز «كروز».
هي المرة الأولى، منذ غزو العراق في عام 2003، التي توجد فيها حشود عسكرية بهذا الحجم في هذه المنطقة من العالم.
حول هذه النقطة تتعارض نظريتان: الأولى يتداولها الإعلام الأميركي ومراكز الدراسات وتفيد بأن حشد حاملات الطائرات بالقرب من السواحل الإيرانية يشير إلى عدم قرب الضربة، ذلك أن هذه الحاملات تكون تحت مرمى النيران الإيرانية. أما النظرية الثانية فترى أن خفض الوجود البحري في الخليج والاحتفاظ بحاملات الطائرات في موقع بعيد نسبياً عن مرمى النيران الإيرانية هو مؤشر إلى قرب وقوع الضربة.
على خط مواز، يواصل الجيش الإسرائيلي مناوراته في الجولان والنقب التي بدأها بعد أيام قليلة على انتهاء حرب تموز، في وقت تتواتر فيه الأنباء عن تدريبات أميركية ـــــ إسرائيلية مشتركة على نماذج قرى شبيهة بالقرى اللبنانية شُيّدت في صحراء النقب، حيث حاكت التمارين «إعداد القوات للقتال على أربع جبهات: غزة ولبنان والضفة الغربية وسوريا»، بحسب تقرير صحافي أميركي.
ــــــ التحركات البحرية الأطلسية: تتبع قيادة القوات الدولية في لبنان لأربع دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ألمانيا، ايطاليا، فرنسا، اسبانيا)، ولئن كانت مهمة هذه القوات (وخصوصاً في الممرات البحرية قبالة الساحل اللبناني) منع وصول إمدادات الأسلحة إلى حزب الله، فإن تقريراً صادراً عن مركز «غلوبال ريسيرش» الكندي، الذي يديره البروفسور مايكل شوسودوفسكي، أشار إلى أن الناتو يعمل «على قطع طريق الإمدادات بين روسيا وسوريا من خلال إحكام السيطرة على البحر الأسود ومضيق جيبرالتار، السبيل الوحيد للسفر من سوريا إلى روسيا من دون الحاجة إلى عبور أراض غير حليفة».
ــــــ التعيينات في الجيش الأميركي: شهد الجيش الأميركي سلسلة تعيينات في مناصب حساسة في الآونة الأخيرة، ومن الملاحظ أن معظم القادة المعينين خدموا في سلاح البحر، إذ عُيِّن الأميرال فالون بدلاً من جون أبي زيد في القيادة الوسطى التي تقع إيران ضمن نطاق مهماتها، علماً أن فالون مقرّب من نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وعُيِّن الأميرال مايكل مولن، الذي كان مكلفاً بتنسيق العمليات الحربية قبالة السواحل الإيرانية، في رئاسة هيئة الأركان المشتركة بدلاً من الجنرال بيتر باييس، الذي عارض، أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد إيران ونفى علاقة طهران بتسليح الشيعة في العراق.
ـــــ تزايد الاتهامات الأميركية لطهران بدعم جماعات شيعية وسنية مسلحة في العراق وأفغانستان، متّخذةً منحىً تصاعدياً وصل إلى حد اتهام إيران وحزب الله بالتورط بشكل مباشر في مقتل جنود أميركيين وبالمسؤولية عن فشل الاستراتيجية الأميركية في العراق.
ـــــ إصدار بوش أمراً تنفيذياً، نُشر على موقع البيت الأبيض على شبكة الإنترنت، يمنح الحق للولايات المتحدة بـ«معاقبة كل من يهدد جهود الاستقرار في العراق».
واللافت أن الأمر التنفيذي الجديد يختلف عن الأوامر التنفيذية السابقة من حيث اتساع نطاقه، وقابلية نصوصه للتأويل والاستخدامات المزدوجة الأغراض. وقد لاقى الأمر الرئاسي التنفيذي معارضة شديدة في أوساط الصحافة الأميركية، فاعتبرت صحيفة «واشنطن بوست»، على سبيل المثال، أن «إدارة بوش قامت بإضفاء قدر كبير من السيولة على المفردات والمصطلحات القانونية التي وردت في صياغة الأمر التنفيذي على نحو جعل من القانون واسع النطاق، بما يسمح لها باستهداف إيران وسوريا بحجة أنهما يقوضان عمل الحكومة العراقية».
وفي هذا السياق، يرجّح المحلّل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والمستشار الرئاسي الأميركي راي ماك غوفرن «وقوع هجمات في أوروبا والولايات المتحدة تكون مبرراً لضربة ضدّ إيران موعدها في تشرين الأول 2007»، مشيراً إلى أن الاستعدادات العسكرية الأميركية قد اكتملت، إذ ستنطلق قاذفات من بريطانيا، وستشارك إسرائيل في الضربة.
ـــــ الجولات المكوكية لطواقم الخارجية الأميركية إلى قيرغيزستان وأذربيجان المتاخمة لإيران من الشمال الغربي.
ـــــ الحركة الدبلوماسية والعسكرية البريطانية إلى البحرين والكويت والإمارات تحديداً.
ـــــ ارتفاع أسعار البترول لأسباب لا علاقة لها بالعرض والطلب.
ـــــ الموازنة غير المسبوقة التي طلبتها وزارة الدفاع الأميركية للعام 2008، والتي تناهز 700 مليار دولار، والتي عزاها البنتاغون إلى «مواجهة تشكيلة متنوعة من التهديدات التقليدية وغير المعتادة في الخارج».
ــــ قد يكون الحزب الديموقراطي معارضاً، أقلّه على المستوى الإعلامي، للخيار العسكري ضد إيران، باعتبار هذا الملف ورقة سياسية يتقاذفها الطرفان للتأثير في الداخل الأميركي، لكن من المؤكد أن الديموقراطيين يرغبون في تسلّم السلطة بعد انتهاء ولاية بوش من دون الوقوع في المأزق نفسه، ولعلّ هذا ما يفسر التصريحات «المتطرفة» لرموز في الحزب الديموقراطي، أمثال هيلاري كلينتون، السيناتور جوزف ليبرمان، في ما يخص التعامل مع الملف الإيراني.
تتوالى المؤشّرات، ويختلف تصنيفها، ولكن هناك أمراً واحداً أكيداً: يحتاج الحزب الجمهوري إلى «معجزة» كي يرفع من نسبة تأييده بين الناخبين قبل موعد الانتخابات الرئاسية في 4 تشرين الثاني 2008.
فهل يرسل بوش قاذفاته إلى طهران؟
بانتظار اللحظة الأخيرة من ولايته، دعونا نتابع المسلسل الأميركي الطويل.
* صحافي لبناني