مصطفى الهواري *
انطلق مع بداية شهر تشرين الأول 2007 «مركز قيادة الولايات المتحدة لأفريقيا» أو الأفريكوم في العمل تحت قيادة الجنرال الآفرو ـ أميركي وليام وارد. وستصبح الأفريكوم القيادة الوحيدة المسؤولة عن العلاقات بين الدول الأفريقية باستثناء مصر بعدما كانت هذه المهمات تتوزّع على ثلاث قيادات عسكرية. ونتيجةً لتحفظات قوية من طرف الرأي العام في كثير من البلدان الأفريقية، لم تترشّح بلدان كثيرة لاستقبال هذا الضيف الثقيل، واكتفت القيادة الأفريقية بمباشرة عملها من مركز القيادة العسكرية لأوروبا في شتوتغارت في ألمانيا. الريبة الأفريقية من «الإنزال» الأميركي في أفريقيا تتغذى من الخوف من الانجرار وراء ما اصطُلح على تسميته «الحرب العالمية على الإرهاب»، والقناعة بأن أفريقيا لها ما يكفيها من المشاكل، وليست بحاجة إلى إعصار أميركي قد يأتي على دول هشّة تحاول أن تحافظ على تماسك وجودها ضمن المبدأ المتبنَّى أفريقياً بعدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار. كما أقنعت التجربة العراقية كثيراً الأفارقة بأن مصالح الإمبراطورية لا تكترث للقانون الدولي ولا التاريخ، ويُستحسَن أن تبقى القارة بعيدة عن الإيثار الأميركي الذي يقدّم إنشاء الأفريكوم على أنها أداة «للمساعدة الإنسانية والعمل المدني وحرفية القوات المسلّحة وتأمين الحدود والطرق البحرية والتدخّل خلال الكوارث».
وإذا كانت العديد من الدول لا تجرؤ على الإعلان عن رفضها للمشروع الأميركي، فإن العديد من الكتابات في الصحف الأفريقية تسجّل معارضتها الشديدة لفكرة الزج بالبلدان الأفريقية في الحرب الأميركية على «الإرهاب». وهي تسجّل من التجربة القريبة، أن الإرهاب لا يسبق الوجود العسكري الأميركي بل يتبعه، وفي أحسن الأحوال يرافقه. وهذا ما يفسّر مثلاً الإصرار الرسمي الجزائري على التأكيد بأن الأعمال الإرهابية التي تحصل في الجزائر هي من فعل «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، وأن «القاعدة لبلاد المغرب الإسلامي» هي مجرد فبركة إعلامية. وهذا الحرص هو وليد قناعة بأن تغيير عنوان الجماعة وتضخيمه إعلامياً يسوَّق كتبرير للمشاريع الأميركية في المنطقة. كما أن الجرأة التي تميّز بها الكونغرس الأميركي بتصويته لمصلحة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات رسّخ الانطباع بأن لا شيء، لا قانون ولا تاريخ الشعوب، يحدّ من سلوكيات الإمبراطورية إذا كانت ترى لها مصلحة في أمر ما.
وبالنسبة إلى النخب الأفريقية، الحاكمة منها والمعارضة، فالقارة الأفريقية تتوافر على ظروف مؤاتية لمثل هذه الاحتمالات، بسبب ضعف مستوى الاندماج الوطني في كثير من الدول. وهو ما يجعل تلك النخب ترى أنه ليس هناك من مبرّر لإنزال أميركي في أفريقيا، وترى أنه قد يكون بمثابة دخول فيل في دكّان خزف.
ويرى السيد عبد الحميد مهري، وهو أحد الوجوه الوطنية في المغرب العربي، أن «الحرب على الإرهاب المزعوم قد أعطت نتائج مريرة في مجال حقوق الإنسان والشعوب. فماذا ستكون عليها الحال غداً إن قامت الدول الأفريقية بإعطاء غطاء لهذه الحرب الصليبية؟».
وما يزيد الريبة أن المشروع الأميركي يجيز لهيئة الأفريكوم العسكرية التدخل في أمور شتى كالمساعدات الاقتصادية والإنسانية، وهذا ما جعل الكثير من المحلّلين يتكلمون عن «عسكرة» السياسة الأميركية اتجاه أفريقيا. وعاد الرئيس الأميركي فأكّد هذه المخاوف بطريقة واضحة، حيث رأى أن الأفريكوم ستساهم في تعزيز الأمن في أفريقيا، وأيضاً في ترقية التنمية والصحة والديموقراطية والتعليم والتنمية الاقتصادية! وهذا يعني أن المنطق العسكري هو الذي يتحكّم في المجالات المدنية، وأن المساعدات الاقتصادية سيكون لها ثمن سياسي.
ولا تفوت المحلّلين الأفارقة الإشارة إلى أن إعلان الرئيس الأميركي إنشاء الأفريكوم في شباط 2007، تزامن تماماً مع نهاية جولة أفريقية طويلة وناجحة للرئيس الصيني هو جينتاو. وهو ما فُسّر على أنه رسالة للصين التي أصبحت دينامكيتها الاقتصادية في القارة الأفريقية تُقلق الغرب، حيث تخصّص الجرائد الأوروبية والأميركية حيّزاً مهماً «للزحف الصيني» أو «الخطر الأصفر» في أفريقيا. وقد أطلق السيد بول وولفوفيتز، الذي انتقل من وزارة الحرب الأميركية إلى البنك الدولي، قبل أن يسقط نتيجة فضيحة «رواتب الخليلة»، انتقادات نارية ضدّ الصين بسبب نشاط مصارفها في أفريقيا. فالصين تستثمر كثيراً في القارة السمراء وهي تنافس بشدة الشركات الغربية التي كانت ترى في السوق الأفريقية احتكاراً أبدياً لها.
وممّا يزيد في التوجّهات الأميركية نحو عسكرة علاقاتها مع أفريقيا كون 15 في المئة من واردات أميركا البترولية تأتي من أفريقيا، وستصل النسبة إلى 25 في المئة خلال العقد القادم. فهل ينسى أحد ما قاله رئيس البنك الفدرالي الأميركي الأسبق ألان غريسبان في مذكّراته: «يحزنني أن يكون من غير اللائق سياسياً الاعتراف بما يعلمه كل واحد: الحرب في العراق هي بصفة واسعة مسألة بترول». ويؤشّر مشروع الأفريكوم إلى أن أفريقيا قد تكون مسرحاً للحروب البترولية القادمة.
* صحافي جزائري