روز زياده
عند استعمار الدول الكبرى للدول الصغرى نتيجة المساومات، تعمد الأولى إلى نشر روح التفرقة بين الشعب الواحد، وإلى إنشاء العداوة بين أشخاص متنفّذين من أبناء البلد، بحيث تسمّي لكلّ منطقة حاكماً أو «بيكاً» أو شيخاً. وهكذا يمسكون بمقاليد أمور البلاد من خلال المناصب التي أعطوهم إيّاها. وطبعاً لكلّ صاحب لقب محازبون، فيقاطع المحازبون بعضهم بعضاً وتدبّ النميمة في المنطقة، وتعمّ الجاسوسيّة جميع البيوت التي تتغذّى من أصحاب الألقاب بآراء متضاربة، ويسود التشويش الفكري و«الإرادي» و«الإداري».
ولكن لم يحسب أحد حساب أبناء المناطق الذين يتطلّعون إلى أبعد من الألقاب والمناصب ويفتّشون عن الوطن. في كل العهود يخبرنا التاريخ عن حركات نضالية تسعى إلى تحرير بلادها من المحتل، غير آبهة بغضب المنتفعين. ولكي يصلوا إلى هدفهم الوطني، كانوا يعقدون اجتماعاتهم في المغاور، والأقبية، ويجوبون القفار. ولكن رأيهم كان يصل إلى المستعمر وإلى أزلامه ويقضّ مضاجعهم. والتاريخ أيضاً يخبرنا عن استشهاد ونفي كثيرين بسبب أيادٍ عابثة، ناقمة، حاقدة. بيد أن صوت الوطنية الآتي من القفار والمغاور في الجبال والأقبية إلى المدن هو الذي كان ينتصر لأنه رفض الإذلال والاستزلام، مرحّباً بالتضحيات لأجل تحرير الوطن من المستعمر والمتواطئين معه. وعلى رغم أن المحتلّ ترك لبنان، لا يزال هناك أزلام له يخافون الكلمة والرأي الحرّ ويستعملون ما لهم من نفوذ ليصبّوا جام غضبهم على من يعبّر عن فشلهم في مناصبهم. منذ عام حتى اليوم، ونحن أمام أمثلة كثيرة. وكلّما أسكتوا صوتاً بطريقة أو بأخرى، يرتفع ألف صوت مدعّم بالإيمان بالوطن.
إذاً فلتفتَح السجون أبوابها، وتنصب المحاكم أقواسها، ولتحفر القبور، لأنّ الفاشل سيغطّي فشله بآخر أكبر منه، والحاقد سيغريه سفك الدماء، والمتغطرس ستبعث فيه النشوةَ مذلّةُ الآخرين.