لطيفة بوسعدن *
كرّست الخريطة الانتخابية البرلمانية الجديدة في المغرب الحضور العددي نفسه للنساء في البرلمان، أي أربعاً و ثلاثين منتخبة، ثلاثون منهنّ أتينَ عبر اللوائح الوطنية الحزبية، وثلاث عبر اللوائح المحلية بعد أن وضعتهنّ أحزابهنّ على رأس تلك اللوائح، وواحدة ترشّحت ضمن قائمة مستقلة ضمّت إلى جانبها مرشّحين آخرين، بينما احتضنت التجربة البرلمانية لسنة 2002، خمساً وثلاثين امرأة، في حين ولجت برلمان 1998 امرأتان فقط من أصل ثلاث وثلاثين مرشّحة.
غير أنّ التنظيمات النسائية، ولا سيما تلك التي مارست نشاطاً ضاغطاً باتجاه الرفع من نسبة الكوتا المخصّصة للوائح الوطنية النسائية، وهي 10 في المئة، لم يرُقها ما آل إليه التمثيل السياسي للنساء، ليس فقط لأنه لم يستجب لمطلبهنّ المتعلّق برفع نسبة الكوتا في اتجاه يضمن ثلث المقاعد لهنّ، بل لأنّها رأت أنّ الأحزاب، وخصوصاً تلك المساندة للقضايا النسائية، خانتها مرّة جديدة.
فلماذا تصرّ الأحزاب السياسيّة على اختلاف مشاربها، على ممارسة فعل الخيانة ذاك تحديداً؟ ولماذا عجز ضغط الحركات النسائيّة عن التأثير في السياقات الخاصّة بالتحضير للانتخابات التشريعية المنعقدة في السابع من أيلول الماضي؟ إذ عرفت هــذه السياقات تعديل القوانين التنظيميّة للانتخابات، وصدور قانون ينظّم الأحزاب. وقد صودق على هذه القوانين دون أيّ التفات إلى مطلب الفعاليات النسائية بقوننة التمييز الإيجابي، ورفع نسبة التمثيل النسوي.
الواقع أنّ مسح الحضور النسائي في الحقل السوسيو ـ السياسي العام، يميل إلى ملاحظة اتساع رقعة هذا الحضور، منذ أن أعطى الملك محمد السادس مجموعة من الإشارات تعكس وجود إرادة لديه لتحسين وضعية المرأة المغربية، وإن كانت هذه الإرادة مرتبطة من جهة أخرى بعوامل دولية تشدّد على تأمين حضور المرأة في مراكز القرار، وبعوامل داخلية ارتهنت بتجربة التناوب السياسي التوافقي التي انطلقت مع حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، وهو المعروف بدعمه لقضايا المرأة. ورغم ترجمة هذه الإشارات عملياً (تبنّي مدوّنة أسرة جديدة، رئاسة المرأة لقطاعات حسّاسة كالقضاء مثلاً، تعديل قانون العمل لمصلحة المرأة العاملة، تولِّي أوّل امرأة منصب مستشارة الملك، وأخرى منصب أوّل محافظ على رأس إحدى محافظات الدار البيضاء، كما حصلت المغربيات أخيراً على حق منح جنسيتهنّ لأبنائهن...)، ظلّت هذه الإنجازات عاجزة عن تغيير شرط التمثيل السياسي للنساء، وكأنّ الأمر يتعلّق بحقل آخر مقاوم للتغيير. ويمكن القول إنّ التحوّلات الإيجابية التي مسّت وضعية المرأة جاءت بالدرجة الأولى لمصلحة تحسين صورة المغرب دولياً، أكثر منه من ضمن هاجس التأثير على الواقع السياسي والاجتماعي للمغربيات.
ومثّل تخصيص لوائح وطنيّة حزبيّة للنساء تجربة جديدة، أعطت لهنّ، خلال الاستحقاقات البرلمانية السابقة، فرصة الحضور المكثّف داخل البرلمان، وهي الصورة الجديدة التي لم يكن المغاربة قد ألفوها من قبل. غير أنّ معطى اللائحة الوطنية لم يرقَ إلى مستوى المأسسة، ما دام يفتقد إلى إطار قانوني يجعله ملزماً للأحزاب، وليس مرتبطاً فقط بالأهواء في غياب الرادع القانوني.
ومن جهة أخرى، شجّعت هذه التجربة الجنينيّة العديد من الحركات النسائية على رفع سقف مطالبها في أفق العملية الانتخابية لعام 2007، فاجتمعت في إطار «الحركة من أجل ثلث المقاعد المنتخبة للنساء... في أفق المناصفة»، من أجل تقنين اللائحة الوطنية لمصلحة النساء، ورفع نسبة الكوتا. غير أنّ نداءات الحركة ذهبت أدراج الرياح، واحتفظت الأحزاب بالنسبة نفسها التي أوصلت ثلاثين امرأة إلى البرلمان، وانتصرت مرة أخرى «الثقافة الذكورية»، كما أكّدت ذلك العديد من الفعاليات النسائيّة، وخصوصاً تلك التي عملت في البرلمان.
إنّ الآلية الحزبيّة المغربيّة، ورغم التطوّرات التي عرفها المجتمع المغربي، ورغم وجود إرادة ملكيّة تهدف إلى دمج النساء في مراكز القرار، تظلّ منغلقة على التحديث أو التطوير عندما يتعلّق الأمر بالمرأة، بل إنّ البرلمانيات اشتكَين أيضاً من الذكورية الحزبية التي انتقلت إلى مجال العمل التشريعي لتعوق تحركاتهنّ
وتقلّص من إبداعهنّ.
يعجّ حقل العمل النسائي داخل المجتمع المدني بالعديد من الفعاليّات والمطالب التي ما فتئت تُكسب هذا المجتمع حيويّته، لكنّ الحركات النسائية ظلّت نخبويّة، بعيدة عن تطلّعات الفئات المجتمعية المختلفة والعريضة من النساء، ونسيت التنظيمات النسائية الحزبية والمدنية في ذروة نشاطاتها واتصالاتها بالأحزاب وبالوزارات أن تتوقّف قليلاً لتطرح السؤال: ما القيمة المضافة التي جاءت بها تجربة الكوتا أو اللائحة الوطنية؟. أي ما الذي أضافته البرلمانيّات إلى العمل السياسي المغربي؟ وهل استطعن أن يردمن الهوّة بينهنّ وبين الصورة النمطيّة التقليدية التي ما زال المجتمع يستبطنها تجاه علاقة المرأة بالسياسة؟ وكيف، وبفضل أي مقاربة وأية شروط، يمكن إقناع الكتلة الناخبة من النساء بالتصويت لمصلحة المرأة ؟
فإذا كانت الدولة لا تملك تصوّراً استراتيجيّاً تجاه المسألة النسائيّة، ويرتبط استحضارها بمصالحها العليا وباستمراريتها أيضاً، فإن الأحزاب السياسية، السند المفترض للمطالب النسائيّة، ظلّت رغم الانتقادات الموجّهة إليها، تتعامل مع القضايا النسائية كموضوع للخطابات وللمناسبات الانتخابية، الشيء الذي يعكس عدم توفّرها بدورها على رؤية واضحة. بل تقف جرأتها السياسية دون ما تحتاجه النساء منها، وقد سُجِّل خلال الانتخابات الأخيرة تراجع أحزاب تقدمية عمّا سبق أن وعدت به نساءها ونساء الحركات، بجعل مسألة تمثيل المرأة في عمق نقاشاتها الانتخابية وضمن رهاناتها للتغيير السياسي والثقافي والاجتماعي. وهو ما لم يحدث قط، أو حدث بطريقة لم ترضِ طموحات
النساء.
* صحافيّة مغربيّة