نبيل فارس حرفوش
في إصدار مجموعة «حياة وعبرة» عن السفير فريد حبيب، تبرز سنوات مرّت على ذكريات وأحداث وصفحات مجيدة من تاريخ شخصية إدارية ودبلوماسية لبنانية، زخّرها الله قدرة ومعرفة ولباقة، قلّّ نظيرها في عهود قاسية من تاريخ نشوء الدولة اللبنانية أيّام الانتداب الفرنسي حتى مراحل الاستقلال وتأسيس الإدارة! ولد فريد حبيب في بيت لبناني كوراني أصيل، تربّى على حبّ لبنان والناس، ففتح قلبه للجميع كما فتح أبواب بيته للأهل والأصدقاء وأصحاب الحاجة. كان في مجالسه حجّة ومرجعية، صادقاً، ظريفاً، متحدّثاً لبقاً، تاريخاً بحدّ ذاته، إن تكلّم فريد حبيب صمت الجميع ليسمعوه، وإن تغيّب عن الحضور أقلق غيابه النفوس. كان سريع الخاطر، محبّاً وغيوراً وعطوفاً، له لبنانه المعشوق، مفرقه لبنان عند المنعطفات، لا يساوم على حقائق وثوابت لبنانية مهما كانت الظروف والأوزان والكلفة غالية. كان فريد حبيب الإداري، عنوان الجدية ورمز العطاء، وفريد حبيب الدبلوماسي عنوان الخدمة والترسّل وجوهرة الالتزام بالقضية اللبنانية، وهي الولد المدلّل عنده وهو حارسها القديم الأكثر تشدّداً. عرفته مديراً عاماً للإحصاء والأحوال الشخصية، كما عرفته سفيراً للبنان في البرازيل وفنزويلّا، كان همّه شؤون المغتربين، وأحوال الجاليات اللبنانية، وتنظيم سجلات القيود، ومتابعة معاملات اللبنانيّين في عجلة دون تأخير، ورعاية أفراد الجاليات في البرازيل وفنزويلّا، وربطهم بالوطن الأم بكل صبر وهمّة ومحبة.
إن الذين يعملون في حقل القضية اللبنانية والانتشار اللبناني وشؤون الجنسية والمغتربين، ما زالوا يستوحون تحرّكهم من تراث فريد حبيب الغني. ففريد حبيب لنا مدرسة نغرف منها لكل حدث، فنستفيد لنخدم لبنان الانتشار.
واذا استعرضنا تاريخ فريد حبيب في الوظيفة الإدارية والدبلوماسية، نختصر مثالاً صادقاً، لـ«حارس الهوية اللبنانية». وإن صارحنا أنفسنا، لكان السفير فريد حبيب بكى لمناسبة استصدار مرسوم التجنيس المشؤوم الذي عُدّ خيانة للبنان، ولم تقبل القبور مشيئة السماح والغفران للذين وقّعوا على مرسوم التجنيس ـــــ الفضيحة. لقد اهتزّ فريد حبيب في قبره عندما سمع بما ارتكب بحقّ لبنان، وهو القيّم على الجنسية اللبنانية تراثاً وتقليداً.
إنّ الانتشار اللبناني يعرف قيمة فريد حبيب، والأجيال السابقة في لبنان تعلم إنجازات هذا الرجل الكبير في الوظائف التي شغلها، فليكن لنا مشعلاً ومثالاً لنؤمّن مستقبلاً زاهراً لأولادنا إذا تمكنّا من أن نحلم بمجيء ألف فريد حبيب آخر إلى الإدارة لكي يكون لنا لبنان جديد.
اعتزّ يا تراب الكورة وأنت تضمّ رفات فريد حبيب، واعتزّ يا لبنان بابنك البار الذي خدم الوطن والقيَم، وهو في ذمّة التارخ. إنّ الشموع تذوب ولا تغيب الصورة. فالصورة في الضمير والمآثر كثيرة. رحمه الله.