حسن شقراني
ستيغليتز يسوّق لـ«عقد» بين الاشتراكيّة والليبراليّة


«الاقتصاد الجديد» الذي نشأ بعد انتهاء الحرب الباردة، ليس من خارج مدار النظريّة الاقتصاديّة الكلاسيكيّة. فرغم أنّ تعميم مبادئ فتح الأسواق والخصخصة كان النتيجة الحتميّة لسقوط نظريّة الاقتصاد الموجَّه (المركزي)، إلّا أنّ الليبراليّة الجديدة لم تسلم من فكّ دورة الانتعاش ـــــ الركود. فما كان نموّاً (كمياً ونوعياً) خلال «التسعينيات الهادرة»، تحوّل بفعل حتميّة استكمال دورته وبذور التراجع التي بذرت تلقائياً ومن منظور التدابير المتقنة (من جانب السلطات الرسميّة في الحدّ الأدنى)، تحوّل مع بداية الألفيّة الجديدة إلى فقاعة عظيمة، في الأسواق الماليّة للولايات المتحدة الأميركيّة.
وللبحث منحيان. الأوّل يتركّز على نشر النظم الأميركيّة في عالم العولمة، وفرض التدابير على الاقتصاديّات المتعثّرة والنامية. ولم يسلم مَن سلّم بحتمية تلك النظم، من تأثير المشتقّات الماليّة ورأس المال المضارب. فكانت الأزمة الماليّة الكبرى لعامي 1997 و1998. غير أنّ الأمر لم يكن خياراً لأنّ «وول ستريت» أرادت ذلك، وما كانت تريده «وول ستريت» كانت تناله». ورغم أنّ ما كان يوصَف للخارج، كان الطاغي نقيضه في مساحة المراوغة بين القطاع الخاص والحكومة في الاقتصاد الأميركي.
المنحى الآخر، هو البحث في أوليّات تطوّر اقتصاد الولايات المتحدة. و«المبالغة اللاعقلانيّة»، التي تحدّث عنها الرئيس السابق لمجلس إدراة «الاحتياطي الفدرالي»، ألان غرينسبان، تبرز لتحديد إطار التباحث في حركيّة أسواق المال. كذلك، فإنّ التوجّهات التي أبدتها إدارة بيل كلينتون انطلاقاً من شعار «وظائف وظائف... وظائف!»، الشعار الذي تحقّقت معظم وعوده خلال رئاسة الديموقراطي المحنّك (كان ستيغليتز عضواً في مجلس مستشاريه الاقتصاديّين)، وصلت، في نهاية فترة تطبيقها، مع نهاية الولاية الثانية لكلينتون، عند الرمق الأخير. ومن هنا منطلق آخر للبحث.
فللأزمة الماليّة التي عصفت بـ«وول ستريت» بعد تسلّم جورج بوش الابن ولايته الأولى، شرارات أطلقها عهد سلفه. إلّا أنّ تشديد المحافظين على إعادة الاعتبار لمفهوم «اليد الخفيّة» (اندلعت معارك صراع على كيفيّة التوجيه بين مختلف مكامن النفوذ الاقتصاديّة للإدارة)، مترافقاً مع فضائح المحاسبة على الطريقة الأميركيّة (إنرون في قطاع الطاقة، و «وورلدكوم» في قطاع الاتصالات، التي حقّق إفلاسها رقماً قياسياً) أمّن سهولة أكبر في توصيف إحداثيات الأزمة.
الانهيار الذي أصاب الأسواق الماليّة الأميركيّة، والذي توضّحت معالمه مع بداية عام 2002، تركّر أساساً على قطاع الاتّصالات، الدرّة النفيسة في النهضة الاقتصايّة الحديثة، والمثال الأجمل للترويج لنماذج التحرير. والأزمة الاقتصاديّة التي عصفت بـ«وول ستريت» في آب الماضي، تعطي لأطروحة ستيغليتز عن «فقاعة التسعينيّات» وانفجارها (أو في أحسن الأحوال تنفيسها)، ضرورة إضافيّة لفهم كيفيّة إدارة العولمة في مراكز النظام وفي أطرافه. ولعلّ الرؤية من منظور تلك الأطروحة، وخصوصاً في موضوع كيفيّة تحديد عقد جديد ينمّي الهامش بين الاشتراكيّة والدولة الليبراليّة (الترويج لنموذج الدولة الرعاية الأوروبيّة)، دليل جيّد في المحاججة حول ما هو الأفضل للبشريّة على عتبة نهاية العقد الأوّل من الألفيّة التي تبعت العقد الأكثر صخباً في التاريخ الحديث، عقد التسعينيات الهادرة.
* من أسرة الأخبار


العنوان الأصلي
التسعينيات الهادرة
الكاتب
جوزف ستيغليتز
الناشر
دار الفارابي