strong>علي السوداني *
البارحة فعلتها بعد تمنّع وتدلع، فقمت من صبحية نوم العوافي ويمّمت وجهي شطر مبنى ومأوى مفوضية شؤون وشجون اللاجئين الواقع بمنطقة راقية من أطراف رابية عمان يسمونها دير غبار. لم أر ديراً، لكنني وجدت مقترح غبار إذ تنفتح الضاحية على خلاء وتلال من غير زرع ولا ضرع. حججت الى هناك طلباً للعون، بعدما انرسم اسمي واضحاً معلناً منتصفاً قائمة إرهابيين مفترضين، هم خلطة من رجال دين وسياسة وتجارة ووجهاء عشائر وكتّاب وامرأتين، واحدة اسمها رغد صدام حسين والثانية هي مجد الجادرجي!!
من الربع من قال إنها شائعة، وصحب قالوا إنها قرصة أذن، وثلة قالت إنها صفقة، وشلة زادت أن عمّان مضيف لن يسلم داخليه، وردّ شكّاكون محترفون أن الدول أقوى من الأفراد ولهم في الفتوى حجج وأسانيد وواقعات، ومنهم من قال بالاحتراز والحرز والتدبر والتحسب... ففعلتها طائعاً!!
بعد انشتال بباب المفوضية طال ساعات ثلاث، خرجت بهذه النصائح لمن أراد ونوى:
  • ارحل الى المكان بوساطة تاكسي يقوده رجل شائب له خدمة سواقة لا تنقص شعرة عن عشر سنوات، وبعكسه فإن الشاب الوسيم الذي سيقلّك الى هناك ربما أنزلك قدام ناد ليلي يأكل من دوار عبدون ربعه وتركك وحيداً بمواجهة قدرك!

  • احمل معك ما تيسر في الدار مما خفّ من طعام وطاب من شراب، فقد يسرق الطابور منك نصف يوم تعطش فيه وتجوع، والجوع كافر. وزد على متاعك وزادك ديوان شعر منثور أهداه إياك خلّك وخليلك، وها قد سنحت السانحة لقراءته وفحصه!

  • لا تبتسم أبداً بوجه ناطر في مسبحة الطابور، ولا تعط واحدة فرصة منتظرة كي تقص عليك فجيعتها وصبرها الجميل أمام تلك البوابة منذ سنوات أربع، ساعتها ستخسر أي أمل بوطن حر سعيد على رأي الحزب الشيوعي فرع الكادر!

  • لا تصطحب معك في ترحالك هذا زوجتك والعيال، فقد يشاهدونك على منظر فيه من المهانة والمذلة والضيم، ما يشجع الزوجة تالياً على تطليقك بالثلاث وما يؤدي بالأولاد الى هجر المدرسة وبيع باكيتات الكلينكس عند إشارة المرور الحمراء، وبهذا تكون قد خسرت العائلة كما كنت ضيّعت البلد من قبل!

  • شل بعبك كل مظلومياتك وحججك والعشيرة حتى سابع ظهر، وبأثر رجعي، ربما ضم أيام شغلك في صف المعارضة البائدة، وصورة مشوشة بصحبة مظفر النواب بمقدورك إخبارهم أنها كانت التقطت في محبس نقرة السلمان قبل توريط إلياس خضر بمعمعة «شلون أوصفك، وانت كهرب»!

  • إن أدخلوك غرفة المقابلة والمساءلة وجهاً قدام وجه، فيفضل أن تدس في فمك حبة هال أو قطعة نعناع كي لا يكتشفوا غرامك بنبتة الثوم فيحيلونك على منطقة الجاجيك، ويدمغونك بالعربدة وبالسكر، فلن تقبلك بعدها بلاد وما تعاطفت معك إثرها عباد!

  • أظهر لهم ما استطعت واستمكنت من رثاثة الهندام وانكسار الظهر وركة النظر وانخلاع ضرسين أماميين وانحراف خلْقي في مؤخرة الأنف، ما سيضاعف عطفهم عليك واحترامهم وتبجيلهم لجنابك المتدهور!

  • قل لهم الحقيقة ولا تكذب، فإن لهم في باب كشف الكذب الأسود ما لك في خان صنع الكذب الأبيض!

  • إذا ما توافق بعض زمن المقابلة مع آذان الظهر أو ناقوس العصر، فافرش أمامهم سجادتك وارفع بوجههم صليبك وتديّن على كل ملّة كنتها، ففي ذلك منجاة ولفتة آدمية في مواصلة حوار الحضارات!

  • إن أشعرك سائلك أو سائلتك باستفزاز أو تشكيك أو تنغيص، اطلب وقتاً مستقطعاً بذريعة حاجتك الملحاحة الى زيارة مرحاض طوارىء عش به خمس دقائق تكون خلالها قد رممت إجابتك وزدت فوقها مستلهماً ما علق من جو الخلوة الطارئة!

  • ستنتهي المواجهة بجملة: اترك هاتفك فنهاتفك. تظاهر بأنك لم تنصت جيداً الى القول الأخير وحاول أن ترسم على وجهك ربع امتعاضة، عندها سيمنحونك هاتف الشكوى والاستعلام. دوّنه على يدك إن شحّ الورق، لكن إياك أن تصدق بسحره، فهو على حالين ينام، فإما حال رنين متصل وإما حال مصوتة إلكترونية رائعة ترحب بك فتقول «شكراً لاستخدامكم شبكة فاست لنك: الهاتف المتنقل المطلوب مغلق حالياً. يرجى الاتصال في ما بعد. طبعاً ستكرر العبارة المهذبة تلك بالإنكليزية طمعاً وتقرباً وجبراً للخاطر!

  • إن سألوك عن شكل الخطر الذي سيواجهك في حال عدت الى البلد، اطلب وقتاً مستقطعاً ثانياً وعند رجوعك بعد دقائق خمس يكون الرجل الذي أمامك قد انشغل بحديث ودّي مع زوجته التي تلحّ عليه أن يصل الدار في تمام النار فالأكل طيب واللمة حلوة!

  • إن ضيّفوك وخيّروك بين الشاي والبيبسي وعصير البرتقال والقهوة المرّة، اطلب فنجان قهوة مرة حنظل طعمها يسد مسد الزقنبوت، وفي هذه الواقعة فائدة عظمى لبناء الثقة وتفريخ الرحمة!

  • إن تعثّر حظك وطاح، وواجهوك بسؤال عن مطربك المفضل فلا تتردد أبداً في القول إنه سلمان المنكوب، وخاصة في المقطع الذي ينوح فيه على أرواح لينين وتروتسكي وهيغل ولوركا ودريدا!!

  • * كاتب عراقي