عباس المعلم *
لا شك في أن الأزمة الراهنة بدأت تتصاعد اليوم أكثر بسبب اقتراب الاستحقاق، وانتهاء معارك البارد، ما يوجّه الأنظار حصراً الى انتخابات الرئاسة، التي يمكن أن يقول البعض عنها إنها أضحت عقدة إقليمية وعربية، والبعض الآخر إنها دخلت في بازار الانقسام السياسي الدائر في البلاد. قد تكون كذلك لكن من المؤكد أن الافتراضين يشكلان الشكل لا المضمون الحقيقي غير المعلن لخفايا استحقاق الرئاسة.
ولم تعد أيضاً الأزمة محصورة بقضية الحكومة وتوسيعها لناحية القبول أو الرفض أو الذرائع في عدم الحاجة إليها، بل أصبح جلياً ان الصراع القائم هو لتحديد الخيارات ليس إلا، وما الاستحقاق الرئاسي والتوسيع الحكومي إلا المدخل لتثبيت هذه الخيارات، وكي لا نغوص في التفاصيل حول شكل هذه الخيارات، نجد أنها منحصرة بخيارين: إما الخيار الأميركي بكل مفرداته من الأمن الصهيوني الى الأوسط الكبير وصولاً الى حذف كلمة مقاومة من التداول، وإما الخيار الثاني وهو المقاومة المتجسدة في حزب الله وحلفائه، أي أن الصراع الحالي المرتبط بالإقليمي يحطّ رحاله بين طرفين اثنين هما أميركا وحزب الله، أما الصراع الأميركي ــــــ الإيراني ـــــ السوري فهو مختلف وإن تقاطع مع الشأن اللبناني، فمن المعروف ان الولايات المتحدة حشدت بعد انتصار المقاومة في الصيف الماضي كل قواها وحلفائها في المنطقة من أجل إنهاء ما يسمى ظاهرة حزب الله، وإلا فالخطر لن يدهم اسرائيل فحسب بل أنظمتهم أيضاً. ربما يختلف اثنان على من افتتح المعركة الاستباقية: حزب الله أم أميركا؟ لكن في نهاية المطاف ما هو مؤكد أن الأخيرة لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تسجل أي خرق في مرمى الحزب، وعلى أدنى تقدير فإن فريق المقاومة سدد أكثر من هدف في المرمى الأميركي الذي وضع هدفاً لم تستطع الآلة العسكرية الاسرائيلية حلّه بل انقلب عليها.
اليوم يدرك السيد حسن نصر الله أكثر من غيره عقم التعامل مع الفريق الآخر، ليس لأن هذا الفريق متعنّتاً ولا يريد الشراكة، بل لأنه يعلم أنه باع نفسه للشيطان، أي رهن قراره للأميركي حصراً، وما يحكى عن عنصر سعودي ومصري وفرنسي وما شاكل لا يعدو أن يكون تدعيماً للعنصر الأساس، أي أميركا، وربما يعلم أبو هادي أن مبادرة الرئيس بري جيدة وإنقاذية بالنسبة إلى وضع البلد ككل، أما من ناحية الفريق الآخر فإنه متيقّن من أنه إن لم يقبل المبادرة مباشرة فإنه سيمارس سياسة التمييع وتقطيع الوقت. وعليه يبدو ان الأمين العام لحزب الله بدأت تنفد لديه فترة السماح التي استمرت ما يقارب عاماً ونصف عام، وخصوصاً الستة أشهر الأخيرة، وهذه الفرصة بدأ نفادها ليس لأن الحزب يستعجل المشاركة في القرار والعودة الى الحكم، بل لأنه بدأ يشعر بأن هناك عملاً فعلياً محلياً وخارجياً يستهدف المقاومة وأمنها السياسي والعسكري أيضاً.
وهذا هو الخط الأحمر الأول، أي المقاومة التي كتبت أحرفها الأبجدية بالدم، كما يقول السيد حسن، ومن هنا ننتقل الى المقلب الآخر الذي أخذ من الخطوط الحمر التي وضعها سيد المقاومة مع بدء الاعتصام في وسط بيروت حجة ضعف يستخدمها بوجه حزب الله للاستمرار بالاستئثار من دون خوف أو وجل، وهذا الأمر لم يكن يشكل لدى قادة المقاومة أي حرج لأنهم لا يسعون للحكم من أجل الحكم، بل كل همّهم أن يكون في لبنان قرار سياسي لا يضرب المقاومة في خاصرتها.
أما اليوم، فعلى الفريق الشباطي أن يتوقف عند هذه الحدود، وأن يعلم أن لا خط أحمر عند المقاومة غير المقاومة ومجاهديها وشهدائها، لأنهم يشكلون درع الوطن وهم من حموا نظام الدولة ومؤسساتها الى هذا اليوم، وهذا يؤكد الاعتبار القائل «مقاومة تحمي وطناً، وطن يحمي مقاومة». وهذا التزاوج واضح لا لبس فيه ولا يمكن فصله، وواجب المقاومة الحفاظ عليه، وخصوصاً أن الكلام الأميركي المؤكد والرسمي حتى الآن حول الاستحقاق الرئاسي هو ضرورة وصول رئيس من أولوياته نزع سلاح المقاومة، وغير ذلك لا يعني الإدارة الأميركية شيئاً، إن كان في ما يتعلق بلبنان أم دستوره أم شعبه أم طقسه الجميل أم ديموقراطيته، وهذا ما حاول أن يعبّر عنه الرئيس بري في قوله «لولا المقاومة لما كان لبنان على خريطة العالم»، وما لم يقله أبو مصطفى هو «لولا المقاومة لما كان يذكر الرئيس السنيورة على شفاه بوش ورايس وغيرهم صباحاً ومساءً»، والدليل على ذلك حقبة الإدارة السورية للبنان حيث لم نسمع أيّاً من الإدارات الأميركية المتعاقبة تذكر لبنان إلا في التقارير السنوية التي تصدرها الخارجية كل نهاية عام.
وليس من باب بثّ التشاؤم والخوف في نفوس اللبنانيين، ولكن على الفريق الشباطي أن يعلم أنه إذا استمر في سياسة التعنّت ورفض المبادرات، فسيأتي يوم ليس ببعيد ستحقق فيه المقاومة والمعارضة نصراً سياسياً سيخرج الفريق الآخر نهائياً من المعادلة السياسية، وسيخسر الفريق الحاكم فيه كل شيء حيث لا ينفع الندم، وإن الأيام العشرة التي تنذر بالشر المستطير ليست للتهويل والتخويف، بل هي تأكيد لمن يهمه الأمر أن مدة الخطوط الحمر لدى المعارضة والمقاومة ستنتهي صلاحيتها وإن شكلت إحراجاً لها، لكنها لن تلحق الضرر بها كما لو استمرت هذه السلطة في الحكم.
* إعلامي