strong> فاروق حجي مصطفى *
عاد الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الساحة السياسية الإيرانية بعد انتخابه رئيساً لمجلس الخبراء ثانية، ولعل لهذه العودة دلالات كبيرة:
أولاها: إنّ بإمكان إيران أن تصنع المفاجآت، وهي كانت كذلك من قبل مرّات عدّة.
وثانيتها: إنّ زمن الاعتدال لم يفت إيران بعد.
ثالثتها: إنّ إيران ستكون مختلفة في الأيام المقبلة، خصوصاً أنّ الدور الذي سيؤديه رفسنجاني سيكون كبيراً، وهو لن يسلك طريق القرصنة الوظيفية، بل إنّ المكان الذي صار فيه له اعتبار اكبر من مكان رئيس الجمهورية وبإمكانه عزل الرئيس إذا اقتضت المصلحة الإيرانية ذلك، لكون هذا العزل من ضمن صلاحياته رئيساً لمجلس الخبراء. كذلك فإن رفسنجاني قد أتى بالأساس ليفعّل هذه المؤسسة ويعيد لها اعتبارها، بعدما قال الكثيرون بأنّها متوقفة عن العمل فعلياً. ومثلما فاجأ رفسنجاني الجميع بعودته ثانية الى موقع مهم في دولة بعدما ظن الكثيرون أيضاً أن زمنه بصفته مسؤولاً كبيراً وصاحب نفوذ قوي قد ولّى بعد فوز الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في عام 2005، يبدو أنّه سيفاجئ الجميع بأنّ إيران قابلة للتفاعل، وأنها ستكون دولة ذكية في المنطقة وبإمكانها التعايش والتفاعل تبعاً لمصالحها ومراعاة لمصالح الآخرين أيضاً.
والحق أن عودة رفسنجاني إلى هرم السلطة في إيران تثير التفاؤل. فهذا الرجل محل الرهان منذ عشرات السنين، وقد عمل الكثير لوطنه ولدولته. وإذا كنا نتحدث عن التيار الإصلاحي في إيران، ولعل هذا التيار ووجوده كان من فضله إذ كان هو من هيّأ المناخ لبلورة هذا التيار، فإنّ حكمه لمدة ثماني سنوات رئيساً للجمهورية أوجد حراكاً شبابياً ونسائياً ومؤسساتياً لم ترَ إيران مثله من قبل. ومن هنا يمكن القول إن فترة حكم الرئيس خاتمي كانت بمعنى ما امتداداً لما بدأه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. ولعلّ الأرشيف الإيراني يؤكد ما أسّسه رفسنجاني للحراك الديموقراطي في إيران في الأيام المقبلة.
رفسنجاني رئيس الدولة السابق، ورئيس مجلس الخبراء الطموح، عاد ليعطي لإيران رونق سياسة أخرى، من خلال ما أكده في وقت سابق بأنه في حال انتخابه رئيساً سيسهم في تفعيل دور مجلس الخبراء، ويدفعه لكي يشارك المجلس في القرارات المهمة والمصيرية بالنسبة لإيران.
ثمة من يرى أن إيران دخلت في مرحلة أخرى، وأنها ستكون منفتحة وقوية مع وجود رفسنجاني في هذا المنصب المؤثّر. ولعلّ طلبه الحوار مع الغرب، وتأكيده أنّ السلاح النووي الإيراني هو سلاح مدني، إنّما يدلان على أن إيران ستدخل في زمنه في إطار الدبلوماسية الجديدة المنفتحة والمتفاعلة مع الآخر.
بيد أنّ إيران (كما قلنا في السابق)، مع وصول هذا الرجل، قد دخلت في سكة أخرى من الحراك الداخلي. وبحسب المعطيات، فإنّ الحراك سيكون أكثر فاعليةً وإنتاجاً، ونبرة المحافظين في إيران ستكون أكثر تشنّجاً من قبل. لكنّه (الحراك) سيكون حافظاً قوياً لعدم تشظّي هذا الحراك، وهو، على عكس ذلك، سيؤسّس لمرحلة جديدة بين المكونات الإيرانية، وبين التيارات الإيرانية المختلفة.
ولا نستغرب أنّ رفسنجاني يختلف في طريقة تعامله حتى مع ألدّ أعداء إيران، مثل الولايات المتحدة، عن بقية الساسة. فهو ليس من أنصار الشعارات، ولا يتجنّب الحوار إذا كان مبنياً على مراعاة المصالح...
رفسنجاني انتُقِد أكثر من مرّة من الصحف الإيرانية الرسمية بسبب مواقفه هذه، وربما كان سبب فشله في اكتساب معركة الرئاسة مواقفه التي أصبحت معروفة للجميع. فبلوغه لهذا المنصب يعني بلوغ الحراك الجدي الهادئ نحو مرحلة جديدة.
والحال أن عودة رفسنجاني الذي يتصف بالبراغماتي، تعني أن لإيران دبلوماسية جديدة في علاقاتها مع المحيط. كذلك تعني عودته أنّ إيران ستتّجه نحو انفتاح مع الجوار ومع العالم. وبكل تأكيد، فإنّ نظرة العالم ستتغير أيضاً تجاهها، لأنه سبق أن نبهت التحليلات السياسية الغربية نخبتها إلى أخطائها في تعاملها مع إيران خاتمي، وأبدى محللون في الولايات المتحدة الأميركية أيضاً ندمهم على عدم انتهاز الولايات المتحدة الفرصة الخاتمية.
بقي القول إنّ ما حدث (ويحدث) في إيران يذكّر بما ذكره برنارد لويس عن إيران في كتابه «تنبؤات برنارد لويس: مستقبل الشرق الأوسط»، وهو يتحدث عن الحروب المقبلة. يقول لويس: «ليس الخطر الذي تواجهه إيران كبيراً كذلك الذي يتهدد العراق... أو السعودية. فعلى عكس هذه الدول، ليست إيران دولة حديثة العهد أو من صنع الدول الغربية. إنّها دولة قديمة، تتمتع منذ قرون... بوجود سيادي وشعور قوي بالهوية الثقافية، وقد وازن هذان العاملان القوى المناطقية والفئوية النابذة في الماضي ورجحا عليها في التحليل النهائي. وهذا ما حصل في عام 1926عندما أنقذ وحدة البلاد ضابط شاب يملك التصميم والطموح، فاستولى على السلطة وأسس لسلالة حاكمة جديدة، بعدما كانت بلاده على وشك التفكك تحت حكم شاه غير كفوء. ويمكن أن يتكرّر الأمر».
والحق أنّه مهما كانت الأوضاع في إيران، فإنّ عودة رفسنجاني الى هذه المؤسسة القوية ستكون لمصلحة إيران ومستقبلها، ولمصلحة الحراك السياسي والشبابي والنسائي المتوازن والهادئ، فإيران أصبحت على سكة أخرى في كل الأحوال!
* كاتب سوري