strong>كان دوندار *
منذ انتخاب عبد الله غول رئيساً للجمهورية التركية، احتلّت زوجته خير النساء، صدارة التعليقات الصحافية. فمن هي هذه «السيدة الأولى» التي أثارت حياتُها، وخصوصاً الحجاب الإسلامي الذي ترتديه، جدالاً، يرجّح كثيرون ألّا ينتهي قريباً؟
على الرغم من النقاش السياسي الحامي الذي واكب دورتي انتخابات الرئاسة التركية التي جرت في شهر آب الماضي، توجّهت أنظار جميع المراقبين نحو السيدة خير النساء، التي لا تفتأ تثير تساؤلات عن الطريقة التي ستمرّ فيها على الأقلّ، السنوات السبع المقبلة التي ستمضيها أول زوجة رئيس تركي ترتدي الحجاب في القصر الرئاسي في أنقرة. ويكفي المراقب أن يتتبّع المسار الذي طبع حياة هذه المرأة، لكي يدرك أنّها لن تكون امرأة «عادية» في عهد زوجها ولا في تاريخ بلادها.
منذ سنوات دراستها الثانوية في إسطنبول، قال لها أستاذها ذات يوم إنها «فتاة مكتوب لها أن تصبح قائدة». وُلدت خير النساء أوزيورت وترعرعت في إسطنبول، لكنّ جذور عائلتها أناضولية (وسط محافظة الأناضول)، شأنها في ذلك شأن زوجها عبد الله غول.
ويمكن القول إنّ قصّة زواجها من الرئيس الحالي ذي الميول الإسلامية، تحمل بذور دخولها عالم الشهرة. فخلال حفل زفاف أحد أقارب عبد الله غول، لفتت خير النساء نظر والدة الأخير، وهي التي كانت في صدد البحث عن عروس لنجلها الذي كان يبلغ حينها الثلاثين من العمر. وكما يحصل في الأوساط الاجتماعية المحافظة، اتفقت العائلتان على تزويج الثنائي عبد الله وخير النساء. غير أنّ عبد الله تردّد بادئ الأمر في الاقتران بخير النساء، لأنها لم تكن قد بلغت سوى 14 عاماً، علماً بأنّ القانون التركي يمنع الفتاة من الزواج ما لم تكن قد أكملت 15 عاماً. وبعكس ما هو شائع لدى بعض الأوساط الإعلامية، كانت خير النساء في ذلك السنّ ترتدي الحجاب الذي كانت تخلعه عند ذهابها إلى المدرسة، بحيث إنه يُحظَّر على الإناث دخولها وهن محجّبات.
وخلال فترة الخطوبة، كان على خير النساء أن تتّخذ الحيطة والحذر لكي لا تفشي سرّ ارتباطها بعبد الله، لكي تتجنّب عقوبة تأديبية تطال الطالبات المخطوبات، علماً بأنّ عقوبة الطالبة التركية التي تتزوّج قبل تخرّجها، هي الطرد النهائي من المدرسة. وكانت خير النساء الأكثر تميّزاً على الصعيد الأكاديمي، وخصوصاً في مادة التعليم الديني، رغم أنها لم تكن كذلك في التمارين البدنية.
وفي يوم عيد ميلادها الخامس عشر بالتحديد، تزوّج الثنائي خير النساء وعبد الله، وكان ذلك في الحادي عشر من أيلول من عام 1980، واستقرّا في اسطنبول. غير أنّ «شهر العسل» لم يدم سوى ليلة واحدة بينهما، بحيث إنّ يوم 12 أيلول صادف تاريخ الانقلاب الذي نفّذته المؤسسة العسكرية على الرئيس سليمان ديميريل (حزب اليمين الوسط). وفي الساعة السادسة من صباح ذلك اليوم، طرق الانقلابيون باب المنزل الزوجي للثنائي غول، واعتقلوا عبد الله، قبل أن يُطلق سراحه لاحقاً.
ومع دخول خير النساء الحياة الزوجية، أُقفلت فرص إكمال الدراسة أمامها. وفي هذا السياق، لا تزال أسباب ذلك غير واضحة حتى اليوم، إذ إنّ آراء عديدة تحاول تفسير ذلك؛ فمنها ما يعيدها إلى أنّ المدرسة لم تغفر لخير النساء «خطيئة» الزواج قبل إنهاء مرحلة الدراسة، وأخرى تبرّر الموضوع بأنّها رفضت نزع حجابها لدخول قاعات التدريس، حتّى إنّ هناك معلومات تفيد بأنّ زوجها منعها من إكمال تحصيلها العلمي. ومهما تكن الأسباب، فقد شكّل انتهاء حلم إكمال تعلّمها، إحباطاً كبيراً لديها. لكنّ قصّتها مع العلم لم تنتهِ هنا، فقد شجّعها أحد أساتذتها السابقين على العودة إلى الدراسة عبر المراسَلة. وبالفعل، اجتهدت كثيراً في دروسها، وحين تقدّمت للامتحانات، مُنعَت من دخول القاعة، لأنّه تمّ تشديد قوانين منع المظاهر الدينية في الأماكن العامة بعد انقلاب عام 1980.
ومرّة جديدة، لم تستسلم خير النساء، وظلّ حلم العودة إلى مقاعد الدراسة موجوداً بقوة في وجدانها. وبعد أكثر من 17 عاماً على هذه الحادثة، أعادت المحاولة مجدّداً. وفي عهد رئاسة نجم الدين أربكان (رمز الحركة الإسلامية في تركيا) للحكومة، رافق عبد الله غول زوجته المحجّبة إلى المدرسة لتقدّم امتحانتها وتجتازها أخيراً بنجاح. وبعدها، رغبت بتسجيل اسمها في صفوف الجامعة لتتعلّم اللغة والأدب العربيّين، وهي سبق لها أن تعلّمت البعض من هذه اللغة في مدينة جدّة السعودية، حيث مكثت أعواماً إلى جانب زوجها الذي عمل لحساب «المصرف الإسلامي للتنمية». لكن فور العودة إلى تركيا، تزامن موعد بدء العام الدراسي الجامعي مع تاريخ 28 من شباط 1997، حين أجبر مجلس الأمن القومي حكومة أربكان على الاستقالة، في ما بات يُعرَف باسم «الانقلاب الناعم». ولا يزال كثُر يذكرون الصور التي التقطها الصحافيون لدى حضورها إلى جانب زوجها النائب والوزير حينها، إلى الكلية في أنقرة لتقديم طلب التسجيل في صفوفها، حيث رُفض الطلب مرّة أخرى.
بعد ذلك التاريخ، أدركت خير النساء أنّ أحلامها في مواصلة تحصيلها العلمي تبخّرت نهائياً، وهذا ما دفعها إلى تقديم النصح لابنتها كُبرى بألا تقدم على الزواج قبل إنهاء المراحل الدراسية. وهكذا حصل، فكُبرى التي تحمل شهادة في الهندسة المدنية من جامعة بيلكنت (في أنقرة)، تزوّجت منذ أيّام، في التاسع من أيلول الجاري.
* عن «لو كورييه أنترناسيونال» نقلاً عن صحيفة «مليات» التركية
(ترجمة أرنست خوري)