علي السوداني
يوميّات الحرب وأشياء أخرى


إن جئت اليوم إلى حديث المقاومة والتحرير والانعتاق، فقد تواجهك كثرة كاثرة من معَولمين ومتأمركين، وتدمغك بالبطر والمبالغة والجهل ربما، حتى لو كانت جزمات المحتل فوق رأسك ورؤوسهم بالضرورة! تطوّر مفهوم الاحتلال عبر الزمن، وزحف إلى مقاربات وتجاورات عسكرية مربوطة بإغراءات اقتصادية وجغرافية أوّلاً، وفكرية وثقافية وفنيّة تالياً، ساندة للهدف الرئيس، موصلة الآخر إلى اليأس الذي سيفتش معه عن صيغ أقل إيلاماً وأشح كلفة من مثل العقلانية والوسطية، وتهيئة الخد الأيمن لصفعة كان قد تلقاها قبل قليل الخد الأيسر، أو بمقاطعة ملح الأكل الأميركي أو البريطاني. وكل ذلك ليس كما كانت عليه روح الفعل التسامحي والجهادي زمن عيسى بن مريم أو غاندي زاهد الهند.
هذا مفتتح أراه إجبارياً لقراءة قد تشبه إعلاناً لبضاعة تكاد تموت، في كتاب مقاوم عنوانه الرئيس «المقاومة اللبنانية تقرع أبواب التاريخ»، صحبه عنونة ثانوية أريد لها إضاءة متن الكتاب وتبرير مستعجلاته أو تقريبه من بيت الصحافة كي لا تفترسه لاحقاً أعين النخبة، وتعافه حدقات الرعية والعوام من القوم القارئين.
الكتاب مشترك بين كاتبين، هما عبد الأمير الركابي، ولغته المركبة بين اليومي والأدبي، وناهض حتر الذي بدت معالجاته الأقرب إلى روح الصحافة الخبرية منها إلى الفكرية، متخلياً عن تعقيدات لغوية وبلاغية وصورية لا يحتملها هكذا كتاب هدفه التحريض والتحميس والتذكير. وقد نفع إلى حد بعيد في تلك الخصلة التي وصفها الشريك الثالث حقاً في هذا النتاج المقاوم، د. خالد حدادة قائلاً: «رغم أنه كتاب ينتمي إلى تجربة المواكبة لحدث كبير، لا بد من التأكيد أن عبد الأمير الركابي وناهض حتر وبقرصنة محترفة، استطاعا احتكار السبق في إثارة قضايا أساسية لمستقبل شعوبنا وأوطاننا، ولمستقبل عملية المواجهة العربية للمشروع الأميركي».
خضعت جلّ معالجات الركابي في هذا الكتاب إلى مزاوجة حتمية بين أشهر حركات المقاومة العربية الفاعلة الآن في العراق المحتل، ولبنان الذي يراد احتلاله بالمحاصصة والطائفية، وفلسطين المحتلة كلها. وفي هذا ربما أراد القول، وتحديداً في المشهد العراقي المقاوم، أن البلاد لا تنام على احتلال أميركي غربي أوحد، بل ثمة إيران ووكلاؤها ودول أخرى ربما، كان من بينها من انتمى إلى جغرافيا العروبة، لكنها رأت في قتل وتمزيق وتفكيك أرض ما بين النهرين خلاصاً لها من دور عراقي قوي مفترض، قد يسبّب لها حرجاً أو عاراً معلناً قدّام شعوبها، وتلك واحدة من مفارقات هذا المرأى المؤلم. المحاصصة والطائفية والقداسة غير المبررة والمرجعيات المنتقدة، سياسية كانت أم دينية، كانت حاضرة ومؤثرة في ما كتب عبد الأمير الركابي، في الشقين العراقي واللبناني، وهو بهذا قد فتح النار على أزيد من جهة، وأيضاً فتح باب النصح بأسانيد مكتنزة وبحجج لا تستدعي كبير جدل، بل إن إعجابه وحماسته في هذه البوابة قد تصل أحياناً إلى أقصى الجرأة. وإليك ما يراه الركابي في مجتزأ خصّ به السيد حسن نصر الله: « ليس من المقدّر حتماً لمرجعية نصر الله أن تكتمل، وثمة من الأسباب المعيقة التي ستظل تحدّ من انتقالها إلى مرجعية مقاومة في ظروف وحقبة ما بعد الدولة الحديثة، الكثير المتعلق بالوعي المتراكم، وبالقدرات الذاتية للأفراد، وبالظروف المحيطة».
أما الجزء الآخر والأكبر من الكتاب فكان من مقاربات الكاتب ناهض حتر، والتي أسماها جديدة، ربما لأنه رأى فيها إفرازات وتداعيات معيوشة لم تكن قائمة أو شديدة الوضوح قبل معارك تموز، فوصلت به النشوة إلى طرق سؤال حاد ومدهش، إذ قال معنوناً واحداً من مكاتيب العلاج: «أصبح لهم تموزهم فهل ينتهي حزيراننا؟». وكذلك المقارنة الأخرى بين معركة الكرامة على أرض الأردن وأختها في مارون الراس.
* كاتب عراقي




العنوان الأصلي
المقاومة اللبنانية
تقرع أبواب التاريخ: يوميّات الحرب
الكاتب:
عبد الأمير الركابي وناهض حتّر
الناشر
دار ورد