الشيخ محمد قانصو
رحل الدكتور كاظم حطيط... رجل الفكر والقلم...
أغمض عينيه بصمت وتسليم... وهوت تلك العكاز الواثقة من يده... والجريدة الناطقة بالفرنسية الأنيقة تناثرت صفحاتها لتخبر أهل العلم برحيل عالم! وتنبئ أهل الجهل بخسارة معلم!
هو رجل من بلدي قادني إليه حبي للمعرفة ورجالاتها، وإيماني بأن المجتمع معرفة والمعرفة قوة، وأن مشاورة الرجال شراكة في عقولهم، لذا كنت أستوقفه دائماً حيثما قدّر لنا اللقاء، فأقف في حضرته تلميذاً ينهل من أستاذه ويتمنى لو يسعفه الوقت ليعتصر علماً ويستزيد فهماً... وكان الدكتور كاظم، بتواضعه المعهود، لا يسأم من سؤال أو يكلّ من إجابة، بل يقف ويفصح عن سيل مخزون يغني السائل ويشبع نهمه للمعرفة!
وهكذا استمرت علاقتي به وتطورت إلى اللقاء في عدد من الندوات والمحاضرات والمحطات الفكرية والأدبية. وكان يخبرني عن جديد أنشطته وكتاباته باستمرار، ولطالما شجّعني بأبوّة على الاستمرار في مسيرة الحوار واللقاء والاعتراف بالآخر، انطلاقاً من كون رجل الدين داعية إلى الله، والله للجميع! وكان لتشجيعه الصدى الكبير في نفسي، والانعكاس على حركتي ومسيرتي.
اليوم أقف لأعزّي القلم والكتاب والنظارة! أعزّي الحقل وشجرة الزيتون التي كان يتفيّأ ظلّها المفكر المزارع كاظم حطيط، الذي أثمر عطاؤه في الحقول كما في العقول، وهو ابن الأرض الطيّبة التي رواها بحبيبات عرق تندّى بها جبين لوّحته شمس الجرأة على زمن البكاوات والإقطاع واسترقاق العقول!
اليوم أقف لأعزّي نفسي بفقد أستاذ تنكّر لعلمه الرعاع الجهلة، الذين أجزم بأنهم ما عرفوه يوماً، أو ما قرأوا كلمة واحدة من كتاب له بالعربية الفصحى! ولا ضير في ذلك، وهو الذي عرفته المنابر والمؤتمرات والندوات، مفكّراً وأديباً عربياً مؤمناً بقضايا وطنه وأمّته، ومدافعاً عن الحرية والكرامة الإنسانية!
أقل الوفاء يا دكتور كاظم مني، تحية حب وتقدير وعرفان، وستبقى ذكراك حيّة ما بقي الفكر وبقيت الكلمة...