strong>أسعد أبو خليل *‏
هذا هو الموسم. يمشي الليبراليون العرب على خطى مرشديهم ممّن يقلّدون في ‏الغرب من المحافظين. تستطيع أن ‏تتابع وأن تتتبّع الآثار المقبلة لليبراليين العرب ‏عبر متابعة المسارين الماضي والحالي للخطاب اليميني في الغرب. ‏يتلمّسون لمساتهم ‏وآثارهم لاقتفائها والسير عليها، لكنّ المنتج الغربي يأتي دائماً مشوّهاً إلى بلادنا: ‏تجد نسقه أكثر ‏صفاقة وأكثر وحشية وأكثر ابتذالاً. فالليبرالية تتحوّل عندنا الى ‏يمين واليمين الى فاشية واليسار يتحوّل الى ليبرالية ‏ممجوجة متحالفة مع آل ‏الحريري. وحدها الكتائب والقوات اللبنانية حافظت على المنتج الغربي مثلما هو. ‏‏تلقّفت فاشية غربية فحافظت عليها. ‏
خذ مثلاً النمط الرأسمالي الذي طبّقه رفيق الحريري قبل اغتياله. لا تجد مثيلاً له ‏ولا حتى في برامج أعتى الاحزاب اليمينية في الغرب. فكّر مرة بأن يلغي ‏الضرائب كلها من أساسها وليتدبر الفقراء أمرهم. ألم يقترح ‏على الفقراء إصلاح ‏نعلهم بدل شراء أحذية جديدة لا يستحقها إلا الأثرياء ممّن «أنعم الله عليهم بالثروة»، ‏مثلما كان ‏يقول؟ كان يتعامل مع الفقراء على أنهم عالة على المجتمع وعلى الدولة. ‏وهو كان رحّلهم لو استمر شهر عسله مع ‏المخابرات السورية التي أتت به ‏ونصّبته رئيساً للحكومة لأكثر من عقد (وهو كان مغلوباً على أمره طيلة هذه ‏السنوات ‏على ما يريد لنا بكّائو الحريري المحترفون أن نصدق). ‏

«كليشيهات» مستهلكة

يظن الليبراليون العرب أنهم خلّاقون ورواد عندما يجترّون «كليشيهات» ‏الطروحات العنصرية من كتاب «العقل العربي» لرفائيل باتاي (والذي وصفه ‏سيمور هيرش بأنه ‏كان «انجيل» المحافظين الجدد في سياق الحروب الأميركية). ‏حتى معذبو «ابو غريب» وجلاّدوه، استقوا ‏فرضياتهم من هذا الكتاب الذي نُبذ ‏اكاديمياً فور صدوره، لكنه لقي رواجاً شعبياً وإعلامياً وسياسياً في هذه البلاد. ‏‏حتى بعض الاكاديميين غير المتخصصين في الشؤون الشرق اوسطية يستعينون ‏به لـ«فهم» (أو عدم فهم) العرب. ‏كانت جين كيرباتريك (ممثلة رونالد ريغان في ‏الأمم المتحدة) مثلاً تستعمل الكتاب في مادة الأمن القومي التي درستها ‏في جامعة ‏جورجتاون لأنه يتماشى مع عقيدتها، وهي صاحبة نظرية التمييز بين الانظمة ‏التوتاليتارية والأنظمة ‏التسلطية (والتمييز لتسويغ الدعم الاميركي للديكتاتوريات ‏الموالية لأميركا ـــــ لاحظوا ترقّي مرتبة النظام الليبي ‏بمجرد تحول سياساته ‏الخارجية). تقرأ اليوم الليبراليين العرب ـــــ والأصحّ وصمهم بالمحافظين العرب ‏حتى لو ‏تدثّروا برداءات اليسار الديموقراطي (والديموقراطية هنا شبيهة بنموذج ‏كيم جونغ ايل في الديموقراطية، وإن كان الياس ‏عطاالله ذا ماضٍ(؟) أكثر ستالينية ‏من «الزعيم الأقصى») المتحالف مع وكلاء البنك الدولي في لبنان ـــــ تقرأهم وترى ‏‏ترديداً رتيباً لما تكون قد قرأته قبل سنوات في كتابات اليمين الاميركي. ترى ‏التعميمات النمطية عن العرب والإسلام ‏هي نفسها: في المطبوعات الصهيونية ‏هنا، وفي كتابات الوهابيين العرب الليبراليين ومن ماشاهم ممّن يرى في نفسه ‏‏يسارياً حضارياً لأنه استطاع أن ينبذ الفقراء ـــــ يا لفخر صحيفة «المستقبل» ‏الزاخرة بالسخرية من الخادمات ‏السريلانكيات والإثيوبيات عندما يقدمن على ‏الانتحار. تقرأ بعض الكتاب الليبرايين في الصحف العربية وتستطيع أن ‏تردّ بعض ‏الأفكار وحتى العبارات الى هذه المجلة الصهيونية، أو لذلك الموقع اليميني على ‏الانترنت الذي اكتشفه ‏صاحبنا كمن يكتشف كنزاً دفيناً.‏
يتحدّثون مثلاً عن ثقافة الحياة وكأنّ الفكرة هي من بنات أفكارهم هم أو من بنات ‏أفكار الفرع اللبناني لـ«ساتشي أند ‏ساتشي» المتفرّغ لشؤون ثورة الأرز (فرع آخر ‏يهتمّ بشؤون تحسين صورة الاحتلال الاميركي في العراق في ‏الإعلام العربي). ‏وكانت الصهيونية الغربية (في شقّيْها اليهودي والمسيحي) تستعمل العبارة ‏للانتقاص من صدقية ‏المقاومة الفلسطينية ولتحقير الإسلام ـــــ على طريقة بلدية ‏غزير التي أقامت تمثالاً لأرنست رينان (والذي يسلّم ‏الأكاديميون الغربيون ‏بعنصريته، وإن ارتدت لبوس تقسيم الشعوب على أساس سلم لغات تراتبي، لكنه ‏مهضوم في بلد ‏الارز والكستناء. ألم يتنشق نسيم بلادنا؟ ألا يكفي هذا؟). وقد تقوم ‏بلدية بيروت الممتازة بإنشاء تمثال لبرنارد لويس ‏عمّا قريب. من يدري، فقد يعود ‏فؤاد عجمي (أول ليكودي عربي، وإن لحقه كثيرون) الى لبنان فاتحاً على طريقة ‏‏أحمد شلبي وأياد علاوي (والأخير صديق لرئيس المجلس النيابي ـــــ وعلى سيرة ‏الصداقة، لماذا توقف شبلي الملاط ‏عن الحديث عن «صديقه» بول وولفويتز؟ هل ‏لأنه انصرف الى الترويج لأساليب الصراع الحضاري مع اسرائيل ‏‏(والذي يتقنه ‏هو وأحمد فتفت أيّما إتقان) أم لأن محاولاته المتكررة للحصول على رعاية أكثر ‏أعضاء الكونغرس ‏عدائية للعرب والإسلام، الانا روس ليتنن، باءت بالفشل، وإن ‏سمحت له بحضور حفل جمهوري يميني)؟ ‏
‏يتحدث الليبراليون العرب (الناطقون باسم الوهابية السعودية) عن السلام والوئام ‏بين العرب وإسرائيل بعدما كان ‏أنور السادات قد سبقهم الى ذلك بسنوات. وهم ‏ينسون أن السادات كان قد سبقهم أيضاً الى رمي كل «الأوراق» في ‏حضن اميركا، ‏حتى في عز الحرب الباردة. وقد ربت رئيس أميركي كتف أنور السادات قبل ‏سنوات من حصول ‏السنيورة على هذا الشرف الرفيع. يتحدثون عن السلام مع ‏اسرائيل مقياساً للحضارية (وهي اختصاص 14 آذار في ‏لبنان)، ويعزون أسباب ‏الأزمات العربية (التخلّف ‏كما يسمونه اليوم) الى المقاومة، مثلما فعل محمد على ‏الجعبري وغيره ممن تحالف مع الاحتلال الاسرائيلي عندما ‏كان محمد دحلان فتى ‏يافعاً. هم يبرّئون الغرب، أو الولايات المتحدة بالتحديد حتى لا نقع في التعميم ‏والتمييع على ‏طريقة مصطلح «الشرعية الدولية»، من أية مسؤولية في قضايانا ‏ومشاكلنا (حتى بوجود جيوش اجنبية عرمرمية على ‏أراضينا)، وهذا اسلوب ‏استعماري كلاسيكي.‏

الحنين لبنانيّاً

هؤلاء اليمينيون الغربيون كانوا منذ سنوات يعبّرون عن الحنين الى عهد ‏الاستعمار والتغنّي بأمجاده، خصوصاً في ‏الشرق الأوسط، لأن التحرر الاسمي لم ‏يكن مؤاتياً لإسرائيل، مع أن الدولة الصهيونية تتعامل بسهولة مع مختلف ‏الأنظمة ‏العربية، المهادنة منها وتلك التي تدّعي ممانعة اسمية. المستشرق ايلي كدوري، ‏المولود في العراق، سبقهم ‏جميعاً في كتابه عن الديموقراطية والثقافة السياسية ‏العربية الصادر في اوائل التسعينيات. كان كدوري يكتب بشاعرية ‏عن الأيام ‏الخوالي قبل أن يتخلّص من سمّاهم صدام حسين بـ«الغوغاء» من الحكم الأجنبي. ‏وكان الكاتب الأميركي ‏تشارلز كروثهامر (الذي يأخذ على الليكود اعتداله، وهذا ‏هو موقف المحافظين الجدد المولعين بثورة الأرز ـــــ ‏‏«صاءبت»، لا ضير في تلاقي ‏المواقف عفوياً كما يقولون لنا) يجاهر بحنينه الى الاستعمار في أفريقيا وآسيا. هو ‏‏اليوم مرشد روحي لـ«ثورة الأرز». والحنين إلى الاستعمار يُعبَّر عنه في مواقف ‏الإدارة الأميركية وفي مواقف الأمم ‏المتحدة بالذات. ما معنى مثلًا أن يفتي تيري ‏رود لارسن (القريب من أو اللصيق بإدارة بوش) بمواضيع تتعلق ‏بنصاب مجلس ‏النواب؟ ثم، هل يمكن أن يجرؤ لارسن على التصريح بهمسة عن موضوع ‏الخلافة في المملكة ‏الوهابية؟ طبعا لا، لأن السعودية هي نموذج قريب من الكمال ‏في الحكم، بمقياس الأمم المتحدة في عهد لارسن ‏والأمين العام الجديد الذي لا ‏حاجة حتى لحفظ اسمه المصون. هل يستطيع أن يتدخل لارسن في مواضيع تتعلق ‏بحكم ‏حسني مبارك مثلاً؟ طبعاً لا، لأنّ التدخّل يكون سافراً أكثر في الأنظمة التي ‏لم تقع كلياً بعد تحت سيطرة ‏الامبراطورية الاميركية. ثم ما معنى وجود ممثل ‏خاص للأمم المتحدة في لبنان؟ ما هي حدود مهمته، إذا وُجدت؟ ‏ولماذا يقبل ‏مجتمع يصدح بشعارات السيادة صبحاً ومساءً أن يستضيف مندوباً من مخلّفات ‏عصر الانتداب، خصوصا ‏أن للرجل آراء في مواضيع انتخابية ومحلية وحتى ‏اختيارية. ويستقبل السياسيون اللبنانيون من 14 ومن 8 آذار ‏السيد بيدرسون ‏فرحين فخورين، ويتباحثون معه حتى في شؤون الجرّة والنبع والعرزال. يصبح ‏لبنان فعلاً مستقلاًّ ‏عندما يُطرد بيدرسون من لبنان نهائياً، وعندما ينحصر اتصال ‏السفير الاميركي بوزارة الخارجية فقط، ويُمنع من ‏التجوال المتنقل على مختلف ‏الوزارات. ولماذا تكون للسفير الاميركي في لبنان صلاحية وسلطات يفتقر لها ‏السفير ‏اللبناني في واشنطن، الذي قد ينتهي الأمر به في سجن غوانتانامو إذا ‏تدخّل في شؤون الانتخابات الرئاسية الاميركية، أو ‏إذا تجول على الوزارات ‏الاميركية في واشنطن. لكن هذا هو الاستعمار الكلاسيكي بعينه: فسلطات ممثّل ‏‏الدولة المُستعمِرة تختلف كلياً عن سلطات الدولة المستعمَرة.‏
ويعود تقبّل فكرة الاستعمار الغربي في لبنان الى فكرة إنشاء هذا الكيان الذي وُلد، ‏صدفة طبعاً، في الوقت الذي كانت ‏فيه الحركة الصهيونية تسعى الى إنشاء دولة ‏يهودية على أرض فلسطين (هل يأتي يوم تقبل فيه البطريركية ‏المارونية بالإفراج ‏عن نص ووثائق الاتفاقية الموقعة بين الحركة الصهيونية والبطريركية ‏المارونية في عام ‏‏1946؟). والفكرة اللبنانية كانت منذ نشوئها قائمة على التضاد ‏مع فكرة التضامن العربي (حتى قبل فكرة الوحدة ـــــ ‏كم قبّح البعثيون هذه الكلمة، ‏وكم قسموا وتشرذموا شيعاً وفرقاً باسم الوحدة الاندماجية). وكان رسم صورة ‏لبنان بلداً ‏وكيلاً للغرب (سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً في العهد الشمعوني) في ‏أساس إنشاء الكيان، في أساس التبني ‏الغربي الاستعماري لهذا الكيان. فمن هنا ‏يستطيع لبنان أن يترجم بيانياً السيطرة الغربية (الاميركية أصلاً بالرغم من ‏محاولة ‏الاختباء خلف خرافة «المجتمع الدولي» كأنه جسم سياسي مستقلّ يعبّر عن أهواء ‏دول العالم بصدق ‏وشفافية) على انها دليل على التضامن مع لبنان، كما كان حلفاء ‏النظام السوري ينظرون الى حضانة النظام للبلد على ‏أنها ترجمة للعروبة.‏

دور الإعلام

وتظهر معالم الحنين الى الاستعمار في أكثر من بلد عربي وعلى أكثر من صعيد، ‏وهي مدفوعة من نظام السيطرة ‏الاعلامية الوهابي. فالملك فاروق سيملأ ليالي ‏السمر الرمضانية في مسلسل جديد مدفوع بأموال خليجية. والملك ‏فاروق يتحوّل ‏من أداة لبريطانيا الى زعيم أسيء فهمه. ويكفي المشاهدين فخراً أن الملك فاروق ‏لم يعاقر الخمرة ‏‏(لأنه لم يستسغ طعمها)، فالإسلام حرّم الخمر لكنه لم يحرّم خدمة ‏الاستعمار وفق السيرة المستحدثة للملك المعظّم. قد ‏يستعيدون استحداث قانون منع ‏العيب في «الذات الملكية» عما جديد. كذلك نلاحظ أن الإعلام العربي يستغلّ ‏مناسبات ‏معينة (ذكرى حروب او انقلابات) ليحاول اعادة كتابة التاريخ بصورة ‏مغايرة للذاكرة الشعبية. فنظام الاستعمار ‏البريطاني في مصر بات مدعاة للفخر ‏والتذاكر، كل ذلك عبر التدليل على ضلال الثورة المصرية. والكتّاب الليبراليون ‏‏العرب في الصحافة العربية يفعلون الشيء نفسه بالنسبة لنظام نوري السعيد حيث ‏يبدو الرجل وكأنّه أسيء فهمه هو الآخر، لا ‏أكثر. هكذا يعكس الإعلام العربي ‏حنيناً الى الاستعمار وإلى أنظمة السمنة الفاسدة في سوريا و«ماكو أوامر» في ‏‏العراق والاسلحة الفاسدة في مصر. هكذا، يحاول الاستعمار الاميركي ودعاته ‏العرب أن يقنعونا بأن الخيار هو بين ‏صدام حسين وعودة الاستعمار، كأن خيار ‏الاستقلال الحقيقي هو مجرد سراب.‏
والحنين الى الاستعمار بادٍ في كلّ ما يُنشَر في الصحافة عن تقويم التاريخ العربي ‏المعاصر. ويتماشى هذا الحنين مع ‏خطط الادارة الاميركية في منطقة الشرق ‏الاوسط. وهناك عبارة بالانكليزية عن «الاستعمار المتجدّد»، لكن حقبة بوش ‏‏أرجعتنا الى مرحلة الاستعمار الكلاسيكي. وتظهر علائم الاستعمار الكلاسيكي ‏على أكثر من صعيد، خصوصاً أن ‏الادارة الاميركية وجدت ضالّتها في ‏الحكومات العربية المتعاونة التي فتحت اراضيها للجيوش والاستخبارات ‏‏الاميركية. وبدأ نزع الأقنعة عن طبيعة الأنظمة العربية بعد اجتياح الكويت ‏‏(يصوّر الإعلام الكويتي والغربي معاناة ‏الشعب الكويتي في ظل احتلال صدام ‏بأنها تفوق معاناة الشعب الفلسطيني عبر العقود). كانت الادارات الاميركية ‏‏المتعاقبة تبدي امتعاضها من تمنّع حكومات النفط الخليجية عن استضافة قوات ‏اميركية على أراضيها. كل ذلك تغير ‏بعد الاجتياح. ويظهر كتاب سيرة ديك ‏تشيني للكاتب ستيفن هيز الذي صدر حديثاً، أن الإدارة الاميركية كانت عازمة ‏على ‏نشر قواتها في المنطقة بعد اجتياح الكويت، جاءتها الدعوات الرسمية أو لم تأتها. ‏والحنين الى الاستعمار دخل ‏في طور التحقيق بعد 11 أيلول. رأت الإدارة ‏الاميركية أن لا مناص من تدبير امر المنطقة الا مباشرة، ومن ‏دون تلزيم ‏أمر الحروب الى انظمة موالية. والأنظمة كنت أكثر من صاغرة. فعبد الناصر ‏الذي أخافهم ‏مات، والثورة الفلسطينية باتت في أيدي محمد دحلان، بينما شغلت ‏حركة حماس في تدبير أمر وهم
السلطة.‏

من رام الله إلى المغرب

أما لبنان فهو مرشح دوماً لدور الريادة في خدمة الاستعمار. وهو يشعر بفخر ‏كبير عندما يستضيف على أراضيه ‏جيوشاً أجنبية غير عربية. لا ندري لماذا ‏يزهو رفيق على أحمد بجيوش اليونيفيل مثلا؟ هل هناك من يعتقد أنها اتت ‏للدفاع ‏عن أرض لبنان؟ هل من يتّعظ من تاريخ هذه القوات؟ هل صدّت عدواناً اسرائيلياً ‏واحداً على لبنان منذ أن ‏شرّفت إليه؟ يقولون إنها تشهد على عدوانية اسرائيل، مع ‏ان تقارير الامم المتحدة تخضع لتحرير سياسي في ‏واشنطن (ألم يقرأوا مذكرات ‏بطرس غالي عن تجربته في الامم المتحدة؟) شهود؟ هم من قال عنهم علي بن ابي ‏‏طالب انهم «الشهود الغياب». ألم يكفِ تصريح أنجيلا مركيل (وإن كان فؤاد ‏السنيورة قد فسّر التصريح المذكور بأنها ‏كانت تمزح)؟ وقوات المارينز التي شرفت ‏أرض الوطن مرتين في تاريخ لبنان المعاصر استُقبلت بالترحاب في أكثر ‏من ‏منطقة من لبنان، ونحن لا ننسى أن هناك (من السنة والشيعة والدروز ‏والمسيحيين) من استقبل قوات الاحتلال ‏الاسرائيلي في 1982 بنثر الأرز.‏
عاد الاستعمار الى بلادنا. هلّلت له سلالات حاكمة. ظنّ زعماء بعض الطوائف ‏أن الاستعمار يستطيع أن يخلّصهم ‏من خصومهم. أخطأوا. ألم يكن محمد دحلان ‏مُنَصّباً حاكماً في غزة؟ ألم يستعن أمين الجميل بجيشيْن أجنبيّيْن لحكم ‏البلاد ‏والعباد؟ والنضال من أجل التحرير الثاني من الاستعمار المتجدد في منطقتنا ‏سيكون أصعب من التحرير ‏الاول، لا بسبب انتهاء الحرب الباردة والتسليم ‏العالمي بالسيادة الاميركية الكونية المطلقة وحسب، ولا بسبب جبروت ‏‏الامبراطورية الاميركية، بل لأنّ الاستعمار الثاني يأتي مستعيناً بفريق حكم منتشر ‏من رام الله الى المغرب، مروراً ‏طبعاً بالسرايا الحكومية.‏
‏* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
‏(موقعه على الإنترنت: ‏angryarab.blogspot.com‏ )‏