خورشيد دلي *
بعد نحو أسبوعين على اختراق الطائرات الحربية الإسرائيلية للأجواء السوريّة، اتّخذت التسريبات الإعلامية التي تنشرها وسائل الاعلام الإسرائيلية والأميركية والغربية عموماً، منحىً خطيراً أشبه بهجوم إعلامي دبلوماسي غير مسبوق.
ويتلخّص فحوى الهجوم على النظام السوري بمحاولة الاستفادة من الخرق الإسرائيلي لممارسة ضغط مكثّف على دمشق، من خلال ربط وضعها السياسي بملفّ الأسلحة النوويّة، عبر خلق روايات وتقارير عن تجهيزها لمفاعل نووي بمساعدة كوريا الشمالية.
إنّ الأسئلة التي تطرح نفسها هنا كثيرة، منها: لمصلحة من يجري تضخيم القوّة السوريّة إلى حدّ الزعم بأنها تتجهّز نوويّاً؟ وما هي الأهداف من وراء هذه التسريبات؟
بداية، إنّ ما يجري الآن يذكّرنا بحديث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون للمحطّة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، عشيّة غزو العراق عندما قال «إن معلومات وصلتنا تقول إن العراق هرّب أسلحة دمار شامل إلى سوريا»، وهو الأمر الذي دفع آنذاك بصقور الإدارة الأميركية إلى إطلاق جملة من التهديدات العسكرية ضد سوريا، وإلى الحديث عن احتمال غزوها بعد العراق مباشرة.
إنّ اللافت في ما يجري اليوم أنّ الحديث لا يتناول إدانة الانتهاك الإسرائيلي للأجواء السورية، كما ينبغي ويجب أن يحصل بحسب القوانين الدولية وشرعة الأمم المتحدة، بل يجري في المقابل تركيز على «الملف النووي السوري»، بوصفه يمثّل تهديداً للأمن والاستقرار. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التبريرات التي تُساق تقول إنّ العملية الإسرائيلية الأخيرة كانت «ضرورية نظراً لأنّها جاءت في إطار ضرب منابع الخطر مُسبَقاً»، بناءً على تقارير أميركية ـــــ إسرائيلية تفيد بأنّ سوريا مُدرَجة في لائحة الدول المراقََبة نووياً، ووسط معلومات نُشرت، مغزاها أنها اتّفقت مع كوريا الشمالية وبمساعدة إيرانية، على امتلاك مفاعل نوويّ جرى الإعداد له في المنطقة الشرقية.
من جهة أولى، إنّ دفع الحديث في هذا الاتجاه، يعني ممارسة المزيد من الضغط السياسي المباشر على النظام السوري، تمهيداً لاتّخاذ إجراءات عملية ضدّه؛ وبناءً عليه، بدأنا نسمع مطالبات بإضافة سوريا إلى لائحة الدول التي تؤلّف «محور الشر» إلى جانب كوريا الشمالية وإيران والعراق (قبل احتلاله). وإذا استمرت الأمور في مسارها التصعيدي، فمن غير المستبعد أن نسمع قريباً دعوات إلى إرسال مفتّشين دوليّين إلى الأراضي السورية، بحجّة «البحث عن أسلحة نووية»، حيث تجتهد الأوساط الإسرائيلية في خلق روايات بهذا الخصوص، كذلك ما نُشر أخيراً، والذي تحدّث عن رصد إسرائيلي لباخرة كورية شمالية قامت بنقل معدّات نووية إلى ميناء طرطوس، ومن ثمّ نقلتها حافلات إلى المكان الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية.
من الواضح أنّ هناك فريقاً في الإدارة الأميركية، على رأسه جون بولتون، ونائب الرئيس ديك تشيني، بدأ يتولّى تسويق الخطر السوري النوويّ في المحافل الدوليّة، وذلك بغية إدراج «رواية» الملف النووي السوري، على غرار الملف النووي الإيراني الذي بات يحتلّ صدارة النقاشات الجارية، وهو يذكّر بما جرى مع العراق عندما أصبح الحديث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية البند الأول في المحافل الدولية قبل غزوه.
وفي هذا الإطار، على المتابع للأحداث عدم نسيان ما كشف به وزير الخارجية الأميركي السابق، كولن باول، عندما اعترف بعد ثلاث سنوات من احتلال بلاد الرافدين، بأنه كان «مخدوعاً» بالتقارير التي قدّمتها الأجهزة الاستخبارية بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي لم يظهر لها أيّ أثر حتّى اليوم.
من جهّة ثالثة، من بين اللافت فيما يجري على الصعيد الدولي، هو ربط «النووي السوري» بكلّ من كوريا الشمالية وإيران معاً، وذلك في تعبير عن حملة أميركية ـــــ إسرائيلية مدروسة محدّدة الأهداف.
وتكمن الأهداف الإسرائيلية في الحملة المذكورة في دفع الأمور نحو التركيز على تفكيك العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران، وإبطال مفاعيلها على القضايا الساخنشة في الشرق الأوسط، ولا سيما لبنان والأراضي الفلسطينيّة، لا لإضعاف هذا المحور فقط، بل للانفراد بكلّ من دمشق وطهران على حدة وفي الوقت المناسب.
أمّا أميركياً، فالأولويّة هي إضافة المزيد من الضغط على الجمهورية الإسلامية لفرض عقوبات مشدّدة عليها، وربّما تمهيد الرأي العام الأميركي والأوروبي لضربة عسكرية على ضوء الموقف الفرنسي التصعيدي. كذلك يهمّ واشنطن دفع بيونغ يانغ إلى الإسراع في تفكيك برنامجها النووي، وفقاً للاتفاقية التي وُقِّعَت في شباط الماضي في بكين، وإفهامها أن لا مجال لنقل تجربتها النووية إلى دول أخرى، ووضع آليات دقيقة وشاملة لمنع انتشار هذه الأسلحة إلى خارج كوريا.
لا يخفى على أحد أنّ الهدف من دفع الأمور في هذا الاتجاه المتأزّم، هو إرغام دمشق إلى الدفاع عن نفسها «من داخل أسوارها»، وعدم السماح لها بالقيام بدور إقليمي تجاه ما يجري في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية... ولعلّ الأهم في كل هذا، هو عزل سوريا ودفعها إلى استجداء السلام مع إسرائيل، بأيّ شكل، وتحت أيّة شرط وأثمان. يؤكّد ما سبق ذكره أعلاه، أنّ ربط الاعتداء الإسرائيلي بـ«النووي السوري»، ليس كما يرى البعض، مجرّد حديث ساذج وتسطيحي، بل هو جهد مدروس ومخطّط يتجاوز العنوان ليطال الأهداف الاستراتيجية.
* كاتب سوري