دينا حشمت
موجّه إلى القارئ الأميركي ويستعيد نقاش إدوارد سعيد


فتح كتاب «الاستشراق»، الذي نشره إدوارد سعيد منذ نحو ثلاثين عاماً، المجال واسعاً أمام العديد من الكتّاب والباحثين لدراسة نظرة الغرب إلى الشرق. أمّا في كتاب «تاريخ الاستشراق وسياساته، الصراع على تفسير الشرق الأوسط»، فيقدّم فيه زكاري لوكمان، أستاذ التاريخ الحديث للشرق الأوسط في جامعة نيويورك، ومؤلف كتاب «العمال والحركة السياسية في مصر»، نقداً لما يسمّيه «سياسات المعرفة» في حقل دراسة الإسلام والشرق الأوسط في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية.
تتناول الأجزاء الأولى من هذا المؤلَّف أصل الاستقطاب ما بين الشرق والغرب في الفكر الغربي. ويبحث فيه لوكمان عن هذه الأصول في التاريخ القديم، وبالذات في بلاد اليونان الذين وصفوا جميع الشعوب التي لا تنطق باليونانية بـ«البرابرة» (ص47).
أما عن فترة «العصور الوسطى»، فيقدّم لوكمان العديد من الأمثلة والقصص الطريفة عن الطريقة التي أسهمت فيها الحملات الصليبية في نشر رؤية غير واقعية عن غير المسيحيّين، الذين كانوا يصوَّرون على أنهم «عصابة من النهّابين الوثنيين»، جعل منهم الشعراء ورواة القصص حكّاماً مستبدّين ودمويّين، وسلاطين كسالى لا يُشغلهم في الدنيا سوى حريمهم.
ويتناول الجزء الأهم من الكتاب، تطوّر دراسات الإسلام والشرق الأوسط في النظام الأكاديمي الأميركي. فيحلّل المؤلّف العلاقات الملتبسة بين السلطة والحقل الأكاديمي الذي تموّله مؤسّسات مثل «روكفللر» أو «فورد»، ولكن أيضاً، ومباشرة أحياناً، وزارة الدفاع، ووكالة الاستخبارات المركزية (ص240). كما يشرح الكاتب تفصيلاً، كيف أسهم التقسيم الأكاديمي لمجالات البحث في استفادة السلطة من العمل البحثي، فأُنشئت «دراسات المناطق» التي جمعت باحثين من مجالات تخصّصية عدّة يهتمّون بمنطقة جغرافية معيّنة، «لكي يعملوا معاً لإنتاج معرفة مفيدة ـــــ أي متّصلة بالسياسة» (ص209).
ويبقى كتاب إدوارد سعيد صاحب التأثير الأعمق في حقل دراسات «الشرق أوسطية»، وهو ما جعل لوكمان يكرّس جزءاً كاملاً لتحليل هذا التأثير، فيقدّم عرضاً لردود الفعل التي استقبلت «الاستشراق» عند نشره عام 1978، ما بين رد فعل غاضب للمستشرق الأميركي برنارد لويس، وملاحظات نقدية للمؤرّخ ألبرت حوراني والكاتب الماركسي الفرنسي ماكسيم رودنسون، الذين أشادوا بالكتاب رغم ملاحظاتهم.
ولا ينسى الكاتب أن يصف «أفعال العنف الإرهابية في العالم العربي»، على أنها «لا أخلاقية وتستحق الإدانة بوضوح» (ص357)، قبل أن ينطلق في نقد دراسة هذه الظاهرة. ويهمّ الكاتب أن يشير إلى أنّ مؤلّفه موجّه في الأساس إلى القارئ الأميركي، وخصوصاً بعد هجمات 11 أيلول 2001، «ليكتسب هذا لقارئ فهماً أكثر نقدية وتاريخية لأنواع المعرفة في الشرق الأوسط والإسلام» (ص29).
وتكمن فائدة الكتاب بالنسبة إلى القارئ العربي، كما يرى مترجمه المؤرخ شريف يونس، في علاج نوع آخر من الأفكار المسبقة المكوّنة في العالم العربي عن الغرب، وهي تلك التي تنظر إلى الغرب ككتلة واحدة صمّاء خاضعة بأكملها لسياسات الإدارة الأميركية «التخريبية». كما تكمن تلك الأهمية في تعريف القارئ العربي على التعدّدية الأميركية، وفي تقديمه لنقد واضح المعالم، مبني على وقائع ملموسة، لمكامن «سياسات المعرفة» الأميركية في حقل دراسة الإسلام والشرق الأوسط. وأوضح لوكمان في هذا السياق، أن المعرفة لا يمكن أن تكون حيادية، وخصوصاً عندما ترتبط بالظاهرة الاستعمارية التي عرفها عالمنا في القرنين الماضيين.
* صحافية مصرية



العنوان الأصلي
تاريخ الاستشراق وسياساته:
الصراع على تفسير الشرق الأوسط

الكاتب:
زكاري لوكمان
الناشر
دار الشروق