مصطفى عجم *
رغم ما يحيط بالوطن من أخطار تطال الكيان والوجود، فإنّ الواجب الديني والوطني يدعونا إلى رفع الصوت لتصويب الأخطاء التي تضعف المسلمين وقياداتهم، وخصوصاً أنّ المسلمين في لبنان جزء أساسي من التركيبة الوطنية، وقوّتهم تنعكس قوّة ووحدة على المستوى الوطني.
تعلمون يا صاحب السماحة أن المرسوم 18/55 هو في نظر الكثيرين الدستور الناظم للمؤسّسات الدينية والجهاز الديني للمسلمين، وتالياً لمصالحهم في لبنان.
لقد تابعتم يا صاحب السماحة التحرّكات الشعبية والنقابية ولجان المتابعة التي شُكّلت في مدن الساحل اللبناني صيف عام 2005 والتي طالبتكم بإجراء سلّة تعديلات على هذا المرسوم الاشتراعي الصادر منذ أكثر من نصف قرن من الزمن. وبيّنّا حينها، سواء من خلال المؤتمرات التي عُقدت في طرابلس وبيروت أو عبر المذكّرات التي أرسلناها لسماحتكم ولرؤساء الحكومات السابقين، أبرز مقترحات التعديل التي يجب أن تطال المادة 29 لجهة توسيعها، وكذلك المواد التي تتعلّق بصلاحيات مفتي الجمهورية ومفتي المناطق وتفعيل المجلس الاستشاري وعمل المجلس الشرعي الأعلى والمجالس الإدارية الأخرى.
وقد قطعتم عشيّة انتخابات المجلس الشرعي الأعلى، وتحديداً بتاريخ 20/12/2005، «عهداً أمام الله عزّ وجلّ بأنكم سوف تطرحون في أقرب فرصة ممكنة موضوع التعديل للمرسوم 18/55 أمام المجلس الجديد».
ومعلوم لدى سماحتكم أن هذا المرسوم يحتوي على 86 مادّة، وهناك مواد عديدة تحتاج إلى التعديل. ومنذ 25/12/2005، تاريخ انتخاب المجلس الشرعي الجديد، وحتى 8/7/2007 (أي خلال عشرين شهراً) جرى تعديل المادة 29 فقط ونشر التعديل مرّتين متتاليتين في عددي الجريدة الرسمية 54 و 56.
ولم يكن التعديل بمستوى طموح وعدكم لنا منذ نحو عامين الذي كان يقضي بإجراء سلّة تعديلات على المرسوم 18/55 الذي يرعى مصالح المسلمين في لبنان.
وانحصر التعديل الأخير، بعد طول انتظار بالمادة 29 فقط، بل أستطيع القول أكثر من ذلك؛ فبعد اطلاعي على جدول مقارنة بين المادة 29 القديمة واقتراحات التعديلات عليها،
نقرأ في مقترح التعديل: البند (13) العبارة التالية «يعمل بهذا التعديل لمرة واحدة في انتخاب المفتي المحلي لمدينة طرابلس ويعاد النظر فيه خلال عام من تاريخه من ضمن إعادة نظر شاملة في المرسوم الاشتراعي رقم 18/55 كله».
ورغم أن البند (13) المشار إليه أعلاه لم يصدر في الجريدة الرسمية، لكنه يُعَدُّ من ضمن الأعمال التحضيرية لتعديل المادة 29، ووفقاً لهذه الأعمال يمكننا أن نفهم غاية هذا التعديل. ولم يكتفِ المجلس الشرعي بتقصيره في عدم التصدي للمواد العديدة المطلوب تعديلها في المرسوم 18/55، بل قام بتعديل مادة وحيدة هي المادة (29)، على أهميتها، خلافاً للأسس التي يتم التشريع وفقها (أي العمومية والتجرد).
بالإضافة ـــــ يا صاحب السماحة ـــــ إلى استبعاد ممثلي غرف التجارة والصناعة ونقابات المهن الحرة والأئمة والقضاء المتقاعدين وأعضاء المجلس البلدي لمدينة الميناء عن الهيئة الناخبة، علماً بأن اللجنة التشريعية في المجلس التشريعي في المجلس الشرعي بقرارها رقم (12) الصادر بتاريخ 1/11/2006 قد اقترحت بناءً على مقتضيات المصلحة الإسلامية العليا، وتحديداً في البندين (11 و 12) من القرار المذكور وجوب أن تتضمن الهيئة الناخبة المنصوص عليها في المادة (29) مندوبين ثلاثة عن غرفة التجارة والصناعة وثلاثة مندوبين عن كل من نقابات المحامين والمهندسين والأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة، وكذلك «أعضاء مجلس بلدية الميناء السنيون».
فلماذا تمّ العدول عن هذا المقترح من جهة صاحبة اختصاص ومكلفة من سماحتكم بإعداد الاقتراح؟ علماً بأن هناك اقتراحات لا تطالب فقط بإدراج مندوبين عن كل من مؤسسات المجتمع المدني المذكور، بل بإدراج عدد أكبر من هؤلاء، نظراً لما يتمتعون به من جرأة في قول كلمة الحق ولبعدهم عن السلك الوظيفي الذي يحتم عليهم مسايرة رؤسائهم كحال أغلبية الفئات التي نص عليها التعديل الجديد.
والمسألة الأخطر يا صاحب السماحة هي ما جرى عند نشر هذا التعديل، ففي العدد رقم 54 من الجريدة الرسمية الصادر 6/9/2007 وتحديداً في الصفحة رقم (5553) البند السابع من المادة المعدلة ينص على فئة يمكنها الانتخاب وأفرادها هم «أعضاء مجالس الأوقاف المنتخبون».
ثم طالعتنا الجريدة الرسمية في عددها الرقم 56 الصادر في 13/9/2007 بنشر القرار ذاته المعدل للمادة (29) مرة ثانية وبالحيثيات نفسها مع زيادة لها دلالات كبيرة وخطيرة ومخالفات لأبسط قواعد النشر في الجريدة الرسمية.
فقد ورد في البند (7) إضافة لما ورد فيه في العدد 54 الزيادة التالية: «أو اللجنة القائمة بمهام المجلس الإداري وفقاً للمادة رقم 63 من المرسوم الاشتراعي رقم 18/55».
وإذا كنتم تريدون أن تستدركوا خطأ وقعتم به، فإن مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة نقابات المهن الحرة فيها الكثير من الرجالات الذين يستحقون أن يكونوا في تلك الهيئة الناخبة لتنتخب مفتياً محلياً يعبر عن تطلعات المسلمين الذين يمثلهم يقوون به ويقوى بهم.
هذا غيض من فيض يا صاحب السماحة، ولقد كتبت لسماحتكم الكثير من رسائل سابقة ووعدتمونا بانتخاب مفتٍ لمدينة طرابلس، كما وعدتمونا بتشكيل المجلس الاستشاري لسماحتكم، ونحن في انتظار تحقيق ذلك الوعد والعهد.
أذكر نفسي وسماحتكم بقول رسول الله: (إن الله يريد من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه).
ختاماً في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، أقول: اللهم اشهد، إني قد بلغت.
طرابلس في 24/9/2007.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* محامٍ