فادي عبّود *
يتمتّع المجتمع اللبناني بإمكانات مميزة لابتداع «الكليشيهات»، وكان آخرها «الرئيس التوافقي». بالطبع، إنّ أكثرية اللبنانيين مقتنعون بأنّ الرئيس التوافقي في ظل الظروف الراهنة قد يكون أفضل الحلول، وقد يشكّل حلّاً خلاصياً للاصطفافات وللشرخ الحالي في المجتمع اللبناني. ولكن لا بد من إلقاء نظرة، ولو سريعة، على معنى التوافقية في الديموقراطية لأنّ فكرة الرئيس التوافقي، في الواقع، ناتجة من نظرية الديموقراطية التوافقية التي لا ترتكز على العددية. بالطبع هذه نظرية جديرة بالتمحيص لأنّها قد تكون الأفضل للسنين المقبلة بانتظار «إنتاج» أجيال تُربّى وتُعلّم وتُثقّف على أساس المواطنية اللبنانية أولاً، وتأتي الأديان والمذاهب كصفة ثانوية لا في صميم تكوين أجيالنا.
ولكن لنعد الى التوافقية: توجد عدة طرق أو إجراءات من صميم الديموقراطية لتحويلها الى ديموقراطية توافقية بالمعنى الانتخابي مع صمامات أمان للأقليات العددية، وعلى رأسها موضوع النسبية المشروطة بالتأهل في المجموعات. أي بكلام مبسّط، إذا تحوّل انتخاب رئيس الجمهورية الى الشعب، بشرط ألا يستطيع الترشّح الى هذا المنصب من لم يتأهّل من ضمن المجموعة الدينية التي ينتمي إليها. بالطبع، سيكرس ذلك النظرة الطائفية، ولكنه يبقى ربما الحل الانتقالي الأفضل.
لكنّ موضوعنا هو التوافقية الاقتصادية التي ننادي بها منذ سنين، والتي برأينا المتواضع قد تكون مفتاح الاتّفاق على اسم المرشّح التوافقي، والأهمّ أنّ نقاط الخلاف على الاقتصاد قد تكون أقلّ بكثير من نقاط الخلاف على السياسة، انطلاقاً من مبدأ أن الكلّ من دون استثناء يطالب مثلاً بمحاربة الفساد، كأنّ المستفيدين منه أشباح لا علاقة لهم بلبناننا العظيم.
من هذا المنطلق، لا بد من أن نبدأ بالشعب المغيّب عن الطبخات الرئاسية. ولا بد من أن نسأل أنفسنا عن اهتمامات الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة. أنا أسمح لنفسي بأن أقول ومن على صفحات جريدة الأخبار إن الكهرباء والمياه، الضمان والصحة والتعليم، الضرائب والرسوم، فرص العمل والإنماء المتوازن جغرافياً وقطاعياً، محاربة الفساد والانطلاق بورشة إصلاح الإجراءات المعتمدة في كل المعاملات والتي تشلّ الاقتصاد، اللامركزية الإدارية وفعالية اقتصادنا الوطني وتنافسيته، السيطرة على الاحتكارات العامة والخاصة، المستهلك وحقوقه وتحرير البلد من المحتكرين في الاقتصاد والسياسة، هذه بعض المواضيع التي قد تكون الأهم للمواطن اللبناني من كل المواضيع الأخرى وما أكثرها في السياسة.
عطفاً على كل هذا، كم كنا نتمنى من الأحزاب في الموالاة وفي المعارضة التقدّم من شعب لبنان برؤية اقتصادية واضحة من خلال عقد اقتصادي يتعهّد من خلاله المرشّح بالعمل مع حكومته ورئيسها على تنفيذ خطة اقتصادية واضحة المعالم ومربوطة برزنامة تنفيذية واضحة التوقيت. فالاجتماع الأخير في معراب نعتبره ديموقراطياً حضارياً نتج منه اتفاق على أن تتقدم الموالاة باسم أحد مرشحيها مع عهد من الجميع بدعم هذا المرشح. عظيم جداً، ولكن الأهم كان الخروج من الاجتماع بخطة سياسية اقتصادية واضحة المعالم يتعهد مرشحهم العتيد بتنفيذها. برأينا هكذا تكون الديموقراطية!! وما يصحّ بالنسبة إلى الموالاة، يصحّ طبعاً بالنسبة إلى المعارضة.
أمّا النظرية التي تقول بأنّ الرئيس التوافقي أو غير التوافقي لا يحكم، بل إن وجوده بروتوكولي ليس إلا، فهذه النظرية وإن كانت من خفايا الطائف المتسترة، فإن أكثرية اللبنانيين ترفضها لأنها قد تطال التوازن الوفاقي الذي يسعى إليه الجميع.
أسأل كما يسأل غيري من رجال الاقتصاد: أين الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية من انتخابات الرئاسة؟ في ما عدا النظريات السياسية والتحليلات الماورائية، كم كنا نتمنى من الصحافة إطلاق حملة «سؤال وجواب في الاقتصاد» يُطرح على المرشحين لرئاسة الجمهورية، لأنّ الاقتصاد علم والعلم مبني على أرقام، ومن الأسهل قياس الأرقام من قياس الكلام. لذا نطلب من كل المرشحين ونطالبهم بالكشف عن مشاريعهم ورؤيتهم الاقتصادية بوضوح وصراحة. وهذا ما لن يوصلهم ربما الى القصر الجمهوري، ولكن من المؤكد أنه سيحملهم الى عقول المواطن إذا استطاع المرشح العتيد أن يُقنع هذا المواطن بأنّه يدري ما يقول! وإذا كانت الصحافة لا تعتبر من واجبها إطلاق حملة كهذه، فنطلب من المرشحين أن يوضحوا للّبنانيين مواقفهم الواضحة بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني.
أخيراً، لا بد من الإشارة من موقعي كرجل مسؤول عن قطاع الصناعة المقهور في بلدي لبنان، إلى أنّ مجرّد التفكير في عدم الوصول الى هذا الاستحقاق بالتوافق على رغم كل ملاحظاتنا على الديموقراطية التوافقية، يجعلني أرتعش لأنّ الأثر السلبيّ على الاقتصاد الوطني بكل جوانبه وقطاعاته وعلى حياة المواطن اللبناني قد لا يتحمّله هذا البلد الصغير.
نرجوكم التوافق انطلاقاً من الاقتصاد وحياة المواطن. أمّا السياسة، فلنعاملها بواقعية وبتفهّم بانتظار الانفراجات الدولية والإقليمية.
* رئيس جمعية الصناعيّين اللبنانيّين