زاهر الخطيب *
المقاومة خياره، في معركة التحرير. اللاطائفية والوحدة الوطنية مساره، في معركة التغيير..
أما في العقيدة والإيمان فالإنسان هو الغاية، وهو مبرر وجود الإسلام وسائر الأديان. وللإيمان بعدان على حد قول الإمام: بعد إلهي، وبعد إنساني.
في البعد الإلهي، لا شأن لأحد أن يكون ديّاناً على أحد في علاقة الإنسان مع ربه، وفي البعد الإنساني المعيار هو معانقة الحقيقة الاجتماعية، والموقف من الإنسان المستضعف والمحروم.
ــــ في التحرير:
انتصر خيار الإمام القائد فكراً وممارسة بانتصار المقاومة، وانهزام خيارات الخنوع والاستسلام والتسليم بالأمر الواقع، وللإمام في ساح المعركة مع العدو الصهيوني، وعي ثوري مبكر جسده بتأسيس أفواج المقاومة اللبنانية «أمل» حيث «السلاح زينة الرجال» لمقاتلة «إسرائيل» وهي «الشر المطلق» لا تنهزم سوى بقوة الخير المطلق، بالحق، بالدم، وبالشهادة، بقوة الكفاح الشعبي المسلح..
انتصر خيار المقاومة بعد أكثر من خمسين عاماً على اغتصاب أرض فلسطين، وتألقت الحقيقة التاريخية في ظلمة المقولات الاستسلامية، وفي زحمة التنظيرات الانهزامية التي سادت الساحة لسنوات وسنوات...
ـــــ لقد انهزمت المقولات التي روّجت ونظّرت للاستسلام والخنوع والخيانة. وحين طرق الإمام القائد في جنوب لبنان باب الأمل لمجابهة المستحيل، أو ما كان يبدو مستحيلاً، بطرح خيار المقاومة المسلحة، تمكّن شعبنا المقاوم من المحرومين والمستضعفين الراسخ إيمانهم، وعزيمتهم، وثباتهم، واستبسالهم، من قهر القوة التي لا تقهر. وللمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وبعد صمود لبنان المقاومة أمام مجازر الإبادة والتدمير، وتصدّيه لعدواني الـ93 والـ96 المعروفين بتصفية الحساب وعناقيد الغضب، تمكنت المقاومة عام 2000 من تحرير الجزء الأكبر من تراب جنوبنا الغالي بالقوة، وإلزام إسرائيل بالانسحاب بلا قيد ولا شرط ومن دون أي ثمن ندفعه من كرامتنا وسيادتنا.. وفي عدوان تموز الهمجي والعالمي على لبنان عام 2006 كان الانتصار التاريخي والاستراتيجي للمقاومة على العدو الصهيوني وحلفائه، انتصاراً أسطورياً، غير مسبوق، في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وما زالت تداعياته وآثاره ومفاعيله تتفجّر زلزالاً داخل الكيان الصهيوني، وفي البيئة الإقليمية والعالمية، ولا سيما داخل المعسكر الإمبريالي وحلفائه وأدواته، وما زال هذا النصر العظيم يفعل فعله الإيجابي في ترسيخ ثقافة المقاومة وبناء المجتمع المقاوم على صعيد الأمة، وعلى مستوى أحرار العالم وشرفائه..
ــــ لم يعد لبنان، اليوم، قوياً في ضعفه.. بات لبنان قوياً بمقاومته، خياراً، ونهجاً، وسلوكاً، وقيماً، وثقافةً، وبشعبه، وجيشه الوطني، وبنصرة حركات شعوب الأرض، الناصرة للمقاومات، وبدعم دول الممانعة في العالم التي تحترم حريتها واستقلالها وسيادة قرارتها على ترابها.
إن الوفاء للإمام القائد في معركة التحرير لا يكون، اليوم، سوى بالمزيد من الالتفاف حول المقاومة ودعمها وتعزيزها شعباً ودولةً حتى تحرير كامل تراب الوطن بلا قيود ولا شروط...
ــــ أما في التغيير، فلقد انتصر خيار الإمام القائد نظرياً بمنظومة المبادئ الوطنية، وبقيم النزاهة والكفاءة لبناء دولة القانون والمؤسسات، فلا خلاص للبنان إلا بتعاليم الإمام.
لقد أمسك الإمام القائد بناصية آفة الآفات، وعلة العلل في لبنان، ألا وهي الطائفية البغيضة، ورأى بديلها في الديموقراطية، وفي الوحدة الوطنية، وترجمها ممارسةً عبر التزامه اجتماعياً خندق المحرومين من كل الطوائف، ومن كل المذاهب، والشيع..
وللتغيير في رأي الإمام ثلاثة أبعاد:
ــــ البعد الوطني، ويكمن في اللاطائفية والوحدة الوطنية.
ــــ البعد الاجتماعي، ويكمن في التزام مصالح الفقراء والمستضعفين والمحرومين.
ــــ البعد السياسي، ويكمن في بناء دولة القانون والمؤسسات.
ــــ وإذا كان عماد التحرير هو المقاومة المسلحة خياراً، ونهجاً، وسلوكاً، وقيماً، وثقافةً، فإن عماد التغيير عند الإمام هو:
اللاطائفية، والوحدة الوطنية، والقضية الاجتماعية والإنمائية، لبناء دولة القانون والمؤسسات، دولة الرعاية والعناية بالإنسان، الدولة النزيهة والعادلة بين المناطق، وبين أبناء الشعب الواحد، الدولة العزيزة القوية على العدو، وعلى الفساد والفاسدين، القادرة على حماية سيادتها وحريتها واستقلالها.
ـــ وإذا كانت القوى المضادة للإصلاح والتغيير اليوم، المتمثلة بخط فريق السلطة التدويلي، وبنهجه الذي يفرّط بالسيادة والاستقلال، ويستجلب الوصاية الغربية على لبنان، ويتواطأ وينصاع لأوامر سيده الأميركي ضد عروبة لبنان ومقاومته، إذا كان فريق السلطة يمثل اليوم بامتياز مصالح الطبقة الحاكمة والمالكة، ويستمد قوته من تاريخ تجذرها، ودورها الاقتصادي في المنطقة، فلقد ولّى هذا الدور الى غير رجعة، ولم يعد في وسع الطبقة الحاكمة استعادته. ورهانها على المشروع الأميركي الغربي ساقط بسقوطه، ولن يجديها التحالف مع القوى المشبوهة المذهبية والطائفية لإثارة الفتن، ولا الإمساك بعنق وسائل الإعلام لتضليل الناس، وبثّ السمّ في كلمات حق يُراد بها باطل. إن قوى الإصلاح والتغيير مطالبة بعدم تبديد الفرصة التاريخية التي توفرها الظروف الموضوعية الناضجة للتغيير، ولا ينقصها سوى توفير العامل الذاتي، والفاعلية الواعية، التي تفعل فعلها الموضوعي لإنجاز التغيير.
ــــ الوفاء للإمام القائد، في ذكرى غيابه، يكون باستحضار مفاهيمه وقيمه وتعاليمه ومبادئه، بالعمل على تطبيقها في إطار جبهة وطنية، وباعتماد برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي إنتاجي إنمائي، وبالعمل على بلورة موازين قوى قادرة على إنجاز الإصلاح والتغيير، وبسن قانون للانتخاب يعيد تكوين السلطة، ويحقق التمثيل الشعبي الصحيح على قاعدة النسبية، ويشرك الشباب من سن 18 عاماً في القرار السياسي بإعطائهم حق الانتخاب، ويحرر إرادة الشعب من تأثير سلطان المال، والإقطاع، والطائفية، لتأتي سلطة تشريعية تكون أساساً لقوة دفع في التحرير والتغيير، تنهض بالوطن محرراً نقياً من رجس الاحتلال الصهيوني، ومحرراً من الارتهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلامية وسائر أشكال الارتهانات..
إذا كان غياب الإمام لا يولّد سوى الألم العميق والأسى في القلوب والعقول، فإن التزام المفاهيم والقيم والمهمات الوطنية والقومية والإنسانية التي خلّفها لنا الإمام القائد، حق علينا، والوفاء لها يكون بالنضال من أجل تجسيدها فعلاً لا قولاً على أرض الواقع..
ولقد كان الأخ الرئيس نبيه بري، كرئيس لحركة أمل، الأمين والوفي لنهج الإمام القائد موسى الصدر في معارك التحرير، ولنا في ما يشغله من منصب لرئاسة مجلس النواب، خير ضمانة بأن يكون أيضاً الحصن الحصين في مسار الإصلاح والتغيير.
ويتجدد الرجاء بأن ينهض لبنان على صورة أحلام شهدائنا والمقاومين، وعلى صورة الأمل الذي بعثه في نفوسنا الإمام القائد السيد موسى الصدر من خلال مبادئه وقيمه وتعاليمه، وفي سياق مسيرته الجهادية.
* الأمين العام لرابطة الشغيلة ونائب ووزير سابق.