هنري شديد *
في خضمّ هذا اللغط الدائر حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والغليان الذي تُذكيه الطموحات من هنا وهناك، رأيت لزاماً عليَّ وطنياً أن أُطلّ بمصباح ديوجان، علّني أنير بعضاً من ظلمة، وأبدد قسطاً من صخب، آملاً من الجميع التعاون والتكاتف سعياًَ في البحث عن رئيس لا يشبه الرؤساء، ولا هو في عداد المسترئسين.
يكاد معظم العازفين، على اختلاف أبعادهم ونياتهم، أن يُجمعوا على ملمح يفصِّلون على قياسه صورة الرئيس العتيد، ذاهبين إلى إعلان وجوب اجتذاب رئيس لا لون له ولا طعم ولا رائحة، الأمر الذي يدفعني بإلحاح ودون حرج مستغرباً هذا الطلب المشروط، واجداً في عميق أغواره السؤال والجواب والعرض والرد.
* لا أريد رئيساً لا لون له، وماذا يضير برئيس شفاف لم تلوثه الألوان المختلفة والأدوار والمواقع المتقلبة؟ أوليس فخراً له أن يكون براءً من التلون وفق المواقف الخافتة والانتماءات المشبوهة متى أصبح ذا ألوان لا صاحب لون واحد يبدّلها ويتحلى بها وفق ما تمليه عليه المصالح الذاتية الضيقة والرعايات الإقليمية والدولية العابثة؟
* أريد رئيساً لا طعم له، لأن الطعم يختلف باختلاف الأذواق، وأي رئيس فالح هو ذلك الذي تربطه بفعاليات الأمة مذاقات وهمية تصخب وتهدأ وفق المكاسب والمصالح. أوليس فخراً للرئيس أن يكون بلا طعم، فلا يمجه هذا ولا يبتلعه ذاك؟
* أريد رئيساً لا رائحة له علقت من فوح الفضائح وتضوع الصفقات حتى تلبّسها واشتبه بها. أوليس فخراً للرئيس أن لا تجرر أذياله وراءها وحولها روائح الفساد والإفساد المالي فالإداري والسياسي؟
أوليس فخراً للرئيس أن يكون منزهاً عن روائح التلوث والعفن النائمة في ملفاتها وأدراج أوليائه؟
بعد كل هذا، ألا يكون من لا لون له ولا طعم ولا رائحة مطلباً وطنياً وحاجة قومية تستلزمها مسيرة بناء الوطن وإعادة إعماره وفق رؤية مستقبلية واضحة البينات صافية النيات والمقاصد... رؤية تعتمد اللامركزية الإدارية الموسعة، وتصغير سن التقاعد توفيراً لجريان الدم في جسم الوطن وتأميناً لفرص العمل حفاظاً على الطاقات الشبابية من الهجرة والاغتراب.
رؤية تؤسس على قانون للانتخاب حديث يضمن حسن التمثيل وحقوق الشرائح الوطنية كافة، ويراعي المستلزمات العلمية والحضارية حاضراً ومستقبلاً... رؤية تتلمس أعباء الحكم وتشرف على توزيع مهامها وتنشئ إلى جانب مجلس النواب ومجلس الوزراء مجلساً للشيوخ يحفظ توازنهما ويطلع بالقضايا الوطنية الكبرى.
رؤية لا تسقط من حسابها وضع الشيخوخة والسهر على رعايتها ولا تتجاهل أهمية المؤسسات الأهلية ودورها في بناء مجتمع متوازن سليم.
إن كان هذا شأن الرئيس الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة، أفلا يجعله هذا بمثابة الدواء لداء عضال لا يبرأ إلا به؟
أفلا يحميه من الضغوط والمؤثرات التي تشعره بفضلها وجميلها وتخرجه عن أهداف رسالته وأبعادها؟!!
أفلا يكون الرئيس أقوى وأمنع وأسمى إذا لم يكن ذا لون ولا رائحة يتحلى بها وطعم يمضغ ويهضم وماذا يتقى من الرئيس. ذاك هو الرئيس المطلوب، وهو مائل في الكثير من الوجوه اللبنانية التي تحاول الثورة السياسية والإعلامية إخفاءها وإبعادها عن الأضواء.
هذا هو الرئيس، فليبحث كل مسترئس عنه في داخله فمن وجده تقدم شعبه مستشعراً إياه آماله وآلامه، حاجاته وتطلعاته، تعبه وجزأه من الواقع السياسي الذي أثقل ضميره وكاهله طوال عقود من الزمن، وليقرأه، ولو مرة، عله بذلك يريح ويستريح.
* نائب سابق