إحسان عامر المصري
يمر الكثيرون في الحياة بصمت مطبق، لكن البعض يأبى إلا أن يتكلم. كان الشهيد ناجي العلي من هذه الفئة النادرة، التي نذرت نفسها للقضية، فتقاطع عبر رسومه الكاريكاتورية مع محمود درويش شعراً وغسان كنفاني روايةً وإدوارد سعيد فكراً، لبثِّ الوعي حول قضية فلسطين في شتى أنحاء العالم.
يقول الشاعر العراقي مظفر النواب في رثاء الشهيد: «قتلوك لأنك تسكنهم/ ونشرت غسيلاً/ يخبئه بعضهم خلف بعض/ فصاح من العفن المستميت الغسيل». كان هذا الغسيل، هذا النقد الجريء للأنظمة العربية، الذي تطرق للديموقراطية والحريات والأسرى السياسيين في السجون العربية، وللنفط وللأزمة اللبنانية ولنكسة حزيران ولكامب دايفيد، فضلاً عن الثورة الفلسطينية والمجلس الوطني. وقد تلاقى كل هذا مع جهده الدؤوب، لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي ومجازره وتوسعه الاستيطاني، إضافة إلى الاعتقالات، ما جعل من ناجي العلي رمزاً مستهدفاً من أعدائه الكثر.
في أحد أشد رسومه تعبيراً، يقف حنظلة بمواجهة لافتة كتب عليها: «من راقب الأنظمة مات هماً». فلربما إذا لم يمت هماً قتل بكاتم صوت. في الذكرى العشرين لرحيله نستذكر هذا المناضل العملاق الذي أسس بفنه لعملية نقدية، ما أحوجنا إلى استكمالها اليوم ثقافياً، في الرسم والشعر والأدب والفكر، بل لتوسيعها لتطال فضاءات أخرى من سياسة واقتصاد واجتماع، علها تمهد لاختراق ما، في هذا الجمود الذي يسود عالمنا العربي.