ديانا إسماعيل
استيقظ اللبناني غداة اغتيال رفيق الحريري على مرحلة جديدة من التعايش فرضتها المعادلة السياسية التي عصفت بهدنة الخمسة عشر عاماً الماضية، فأصبح التلاعب بمصير البلاد رهناً بأصحاب الكراسي العالية من جهة، وبمدى استجابة اللبنانيين لشتى أنواع الاستفزازات من جهة أخرى. فكانت النتيجة حرباً طائفية إعلامية يخوضها اللبناني بشطارة وضراوة من أجل تسجيل موقف مع أخ قريب أو حليف بعيد. هذا فضلاً عن تقاذف الاتهامات والتخوين حيث أصبح السياسيون خبراء محلّفين في ابتكار أساليب ولغات جديدة ومميزة. هذا هو الواقع الذي أصبح عليه لبنان اليوم، وهذه هي الصورة التي أنعمت علينا الطبقة السياسية بها، «لبنان التشرذم، لبنان الضياع وأخيراً لبنان التبعية المزدوجة». واللعبة لا تزال في بدايتها وخصوصاً مع حلول معركة الرئاسة المرتقبة التي من المفترض أن تحمل في جعبتها بعضاً من الرؤى للمرحلة المقبلة «لبنان ما بعد الانتخاب». كيف سيؤول الوضع بين كل الأقطاب السياسيين؟ وما هو موقع لبنان الجديد على خريطة دول القرار التي تمسك بزمام الأمور اليوم «أميركا، السعودية، فرنسا، سوريا وإيران». والمضحك المبكي في الموضوع أن الجميع ينادون بالحرية والسيادة والاستقلال ويختصرون هذه الحقبة بأنها معركة استرجاع القرار إلى قلب الساحة، في حين أنهم يزيّنون شاشات التلفزة يومياً برحلاتهم المكوكية إلى العواصم الكبرى للحصول على الضوء الأخضر لتحديد هوية الإمبراطور الجديد. هذا التهاون من قبل أصحاب السلطة بذكاء المواطنين والاستخفاف بحقهم في تحديد موقفهم السياسي يدفع بالعديد من الأسئلة التي تداعب أفكار الكثير من الغيارى على مصلحة البلد.
إلى متى سيبقى القرار في لبنان مرهوناً بمصالح الدول الأخرى تحت شعار حرية تقرير المصير؟ وإلى متى سيبقى المواطن يدفع من حقوقه ثمناً لزيادة رصيد هذا السياسي أو ذاك؟
تساؤلات كثيرة تفتح أبواباً مغلقة، ولكي نرى تبلور هذه الشعارات المنددة بكل أنواع التدخل سنعرض موقف واشنطن لجهة تعديل الدستور. ورد في أحد المواقع الإلكترونية خبر يقول «أكدت واشنطن عدم اعتراضها على تعديل الدستور اللبناني لإجراء الانتخابات الرئاسية»، وقالت مديرة شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية جينا وينستانلي إن بلادها ترفض أي مرشح على ارتباط وثيق مع حزب الله.
بعيداً من المضمون الذي من دون ريب إن دلّ على شيء فإنما يدل على حق اللبناني في التعبير والإلغاء والتعديل كاستخدام كلمة «أكدت» بحسب ما يتلاءم مع المصلحة الوطنية. بغض النظر عن رأي بعض الأصدقاء للبنان، نرى المستوى الديموقراطي الذي استطاعت الحكومة أن توفره لمواطنيها.
هذا المستوى الذي انعكس من خلال تصريحات السيدة وينستانلي باستخدامها ألفاظاً مصنفة في خانة الحرية والسيادة والاستقلال، ولعلّ أقرب مثال على ذلك استخدامها تعابير مثل: أكدت، عدم اعتراضها، ترفض.
من هنا نلاحظ تفاقم الأزمة اللبنانية ومدى استخفاف بعض الدول القريبة والبعيدة بذكاء اللبناني، حيث نراهم يومياً يبشّرون بلبنان مستقل وحر من التدخل السافر للنظام السوري المستبد، في حين أنهم لا يتوانون عن إملاء الأوامر لتلاميذهم برفض أو قبول أي اتفاق.