أمين حطيط‎ *
جاء إعلان أميركا اعتقالها لقياديّ من حزب الله اتّهمته بتدريب ‏المقاومة العراقية، متأخّراً ثلاثة أشهر. وأرادت منه توجيه رسائل إلى ‏الداخل اللبناني


بعد القرار 1701 وما فيه من نص على وقف الأعمال العسكرية، ما طرح ‏سؤالاً كبيراً: لماذا لم يتضمن القرار وقف إطلاق النار؟ وبعد مرور أيّام ‏وأشهر، ألحّ السؤال نفسه على طارحيه، ثم جاء بان كي مون في تقريره ‏الأخير ليسأل إلى حدّ الاستنكار: لماذا لا يعلن وقف إطلاق النار في ‏الجنوب، وما هو المبرّر من عدمه؟
أمّا الردّ على السؤال، فقد كنّا نراه متمثّلاً بالقول بأن إسرائيل لن توقف ‏النار في حرب خرجت منها مهزومة، وأنّها ستستمرّ في وقف الأعمال، ‏المدة اللازمة لها لاستئناف الحرب نفسها، ولتسطير انتصار في معارك ‏جديدة تعتبر حلقات من حرب لبنان الثانية التي ابتدأت في 12 تموز ‏‏2007. ‏
والمدّة هذه هي الزمن اللازم لإعداد الجيش بما يناسب الميدان المستكشف ‏لديها، والذي ثبت عجزها فيه. وكان عليها بعد وقف الأعمال أن ترمّم ‏بنيتها العسكرية والسياسية ترميماً يتيح لها الانتصار. وبالفعل، فقد أجرت ‏تحقيقاً عسكرياً وسياسياً معمّقاً توصّلت فيه إلى كشف الثغرات في بنيتها ‏العسكرية والأمنية على الحدود وفي الداخل، ثم عالجت كما يبدو تلك ‏الثغرات. ونسجّل المناورات العسكرية الثلاث التي أُجريت في الأشهر ‏الستة الأخيرة، وخاصة في الجولان والجبهة الداخلية، دليلاً للمعالجة.‏
وكان يُظنّ أن إسرائيل بحاجة الى وقت إضافي لاستئناف حربها المعلقة ‏وأعمالها العسكرية، وخصوصاً أنّ التقرير النهائي للجنة فينوغراد لم ‏يصدر بعد ولم تأخذ مفاعيله أبعادها كلها.
لكن هناك أموراً ومؤشرات ‏ينبغي ملاحظتها لإعادة النظر في مسألة استئناف الأعـــــــمال العسكرية، و‏خاصة إذا تذكرنا أن الحرب تلك كانت قــراراً أمــــــــيركياً وتنفيذاً إسرائيلياً. لذلك نرى أن العودة الى الميدان لن تكون بقرار إسرائيلي فقط، ‏بل سيكون أساسها الإرادة والمصلحة الأميركيتين، وتبيُّن اقتراب تلك ‏الحرب يكون من خلال مؤشرات أميركية إسرائيلية مشتركة. وهنا ‏نتوقّف عند المؤشّرات التالية:‏
‏ــ تأخير نشر نتائج تحقيق لجنة فينوغراد الى شهر تشرين الأول. نربـــــــــــــط ‏هذا التأخير بالمخاطر التي قد تترتب على التقرير بشأن الحكومة ‏الإسرائيلية، وخصوصاً أنّ رئيس حزب العمل الجديد إيهودا باراك ــ ‏وزير الدفاع الإسرائــــــــــــيلي ــ ربـــــــــــط استمرار حزبه بالحكومة بنتائج التقرير. ‏والمتوقّع الأقوى في هذا الشأن أن يأتي في التقرير ما يحمله على ‏الاستقالة وانهيار الحكومة. لذلك نتصوّر أنّ التأخير كان بمثابة الفرصة ‏المعطاة لأولمرت لإثبات جدارةٍ ما في الميدان العسكري ليعوض إخفاق ‏‏2006، والفرصة المتاحة أمامه هي صيف 2007.‏
‏ــ ضغط أميركي لنشر قوات دولية على الحدود مع سوريا للوصول الى ‏تطويق سوريا من كل الجهات بقوى عسكرية خاضعة للقرار الأميركي. ‏ولكن هذا الضغط لم يؤدّ حتى الآن الى نتائج مناسبة للتنفيذ وهو بحاجة ‏الى تفعيل أكبر وجهد إضافي. ويأتي في هذا السياق الحديث عن طريق ‏برّي بديل لطريق بيروت ــ دمشق يربط لبنان بالأردن عبر الجولان ‏المحتلّ، في المنطقة الزرقاء (منطقة فضّ الاشتباك الموضوعة ‏تحت سيطرة قوات الـUNDOF‏). فإذا أغلقت سوريا حدودها بعد نشر ‏المراقبين أو القوات الدولية، وفتحت أميركا الطريق البري ذاك، يكون ‏في الأمر انتهاك لاتفاقية فض الاشتباك، وانهيار لحالة الاستقرار ‏العسكري الميداني هناك، إذ إن سوريا قادرة عندها على الطلب من قوات ‏الـUNDOF‏ المغادرة لأنّها أساءت استعمال الأرض العازلة... ‏
‏ــ الخسارة الإسرائيلية الأميركية المشتركة في سيطرة حماس على قطاع ‏غزة، وهو حدث لا يمكن تصور أبعاده وتأثيره الاستراتيجي الكبير على ‏واقع المنطقة الآن، إذ إنها المرة الأولى التي يقوم على حدود الكيان ‏الإسرائيلي، كيان لا ينصاع، أو لا يتأثر، أو لا يخشى من القرارات ‏الغربية المعتمدة لمصلحة إسرائيل، وهو متخفّف من القيود الدولية ‏وغيرها، ما يجعل وجوده مؤثراً بشكل عميق في إسرائيل أمناً ووجوداً. ‏إن الواقع الجديد غير مقبول أميركياً وإسرائيلياً، وغير قابل للعلاج ‏سياسياً. ويبقى البحث عن العلاج الآخر؟ ‏
‏ــ إعلان أميركا اعتقالها في العراق قيادياً من حزب الله اتهمته ‏بتدريب المقاومة العراقية. واللافت في الإعلان أنه جاء متأخراً ثلاثة أشهر عن تاريخ الاعتقال المزعوم. ونحن نفهم من هذا الإعلان إرادة أميركية لتوجيه رسائل ثلاث الى الداخل اللبناني، وخصوصاً حلفاء حزب ‏الله. رسالة تقول إن لحزب الله بعداً غير لبناني وميداناً أبعد من لبنان، ‏ما يشكل ضغطاً عليهم ويدفعهم إلى مراجعة علاقاتهم به، وصولاً الى عزل الحزب في ‏الداخل كما تريد أميركا. ورسالة الى أوروبا التي تتردد أو تمتنع حتى ‏الآن عن إدراج حزب الله في لائحة الإرهاب، فيقال لهم انظروا ما فعله ‏بجنودكم في العراق. ورسالة الى الأميركيين تجعلهم يقبلون بالعمل ‏العسكري الأميركي المباشر ضد الحزب، ما يعني أن الإعلان نفسه ‏يشكل تمهيداً لقرار ما. وإذا كانت القرارات السياسية على أنواعها لا ‏تؤذي حزب الله المقاوم، فإن قراراً من طبيعة أخرى يُعتقد أنه قيد ‏التحضير.‏
‏ــ ثبوت عجز الفريق المتسلّط في لبنان عن الإمساك بزمام الأمور، ‏وخشيته من قرارات تُتّخذ انطلاقاً من روح الدستور وجوهره وتؤدي إلى إفقاد هذا الفريق ‏الهيمنة التي يطمع بها واستئثاره بحكم لبنان على رغم الأقلية الشعبية التي يمثل. ‏وقد فاقمت مآزق هذه السلطة أحداثٌ كان يُراد منها أن تكون خدمةً له، فانقلبت ‏بارتداداتها عليه، وخاصة أحداث الشمال التي أدت وحدها الى فقد فريق ‏السلطة دعم 8% من الكتلة السنية التي كانت تؤيّده، وإن المسألة في ‏تزايد. وفي إحصاء يُقال إن الأميركيين قاموا به، تبين أن المعارضة باتت ‏تمتلك تأييد 61% من اللبنانيين وأن السلطة لا يدعمها أكثر من 28%، ‏والبقية في موقع الحياد. وإن عملاً عسكرياً في لبنان أو في كل ‏المنطقة بإمكانه حجب الأنظار عن نسب التأييد وإرساء نظام الأقلية ‏المدعومة بالبندقية والقرار الدولي. ‏
‏ــ يضاف الى هذه المؤشرات ما يروّجه الإعلام الغربي عن استعدادات ‏حثيثة تقوم بها إيران لنشر صواريخ شهاب 3 وزلزال 1 في سوريا. و‏كذلك القول بأن إيران قطعت خط الرجعة في مجال التخصيب، وأن أي ‏مفاوضات سياسية لن تؤدي الى نتيجة. ونذكّر بما يتردد في أميركا ‏‏(وخاصة ما جاء على لسان جون بولتون) عن أن القرار 1701 يُعتبر فشلاً ‏سياسياً، وهو بحاجة الى عمل ما لينقذه من هذا الواقع... ولا نخفي أن ‏الأعمال الإرهابية التي استهدفت بريطانيا أو إسبانيا، كلها من شأنها ‏الحض على الانخراط في عملٍ عسكريٍّ ما تحت ذريعة محاربة ‏الإرهاب... ‏
كل هذه المؤشرات تقود الباحــــــــث العسكري أو الاستراتيجي الى التفكير ‏في أن أميركا وإسرائيل بصدد تحضير لحرب ما. وهنا يطرح السؤال هل الحرب تلك ستكون ممكنة، وستحقق الأهداف، ثم أين ستخوض ‏أميركا هذه الحرب؟
في إطار المعطيات القائمة، ما زلنا عند تحليلنا السابق بأن حرباً شاملة ضد إيران أو سوريا تؤدي إلى احتلالٍ ما فيهما، تبقى حرباً مستبعدة لا ‏تعففاً من أميركا بل عجزاً عن مسك الأرض، وما مثل العراق ببعيد. ‏وكذلك لا يبدو عمل عسكري جذري ضد إيران ممكناً لأن إيران قادرة ‏على الرد، في أكثر من مكان ومن اتجاه، لهذا نقلّل من احتمال اعتبار ‏إيران هي الهدف الأساسي لحرب أو عمل عسكري جسيم. يبقى الهدفان: ‏سوريا وحزب الله. ونذكّر هنا بأن الحرب ضد حزب الله لن تكون في ‏أفضل النتائج إسرائيلياً بأحسن مما انتهت إليه عام 2006، إذ لن ‏تستطيع تجريد حزب الله من السلاح. وإن حرباً ضد سوريا قد تؤدي ‏الى إقحام إيران وتطور الحرب واتساعها الى أبعد مما تستطيع أميركا ‏استيعابه، وخاصة أن الوقت يضيق عليها في أكثر من اتجاه وأن بوش ‏وضع سقفاً لعمله وتقديم الحساب الى حزبه في أيلول المقبل.‏
انطلاقاً من هذه المعطــــــــيـــــــات أصبحنــــــــــا نميل الى فكرة إقدام أميركــــــــــا وإســـــــــرائيـــــــــــل ‏على عمل عسكـــــــــــري. لكن يبقى هذا العمل مقيّــــــــداً بعوامل الوقت والمكــــــان. ‏وهنا نطرح السؤال: هل ستلجأ أميركا في شهريْ تموز الحالي أو آب ‏المقبل الى إلزام إسرائيــــــــل بعمل عسكري ضد حــــــــــــزب الله مباشـــــــرة، وضد ‏سوريا بشكل غير مباشر، وتتخذ من البقاع الغربي وصولاً الى الحدود الدولية ‏قرب المصنع ميداناً لمعركتـــــــــــها وتتوصل بعد ذلك الى استقدام قوات دوليــــــــة ‏الى البقــــــــــاع لتسلمها الأرض المحتلة، فتنتشر القوات الدولية على الحدود ‏مع سوريا من هذا المدخل؟ لننتظر... لكن يجب الاستعداد أيضاً. ‏
‏* عميد ركن‎ ‎متقاعد