علي السوداني*
من علامات المشهد العراقي القائم الآن، أكان في الشتات أم في الوطن، الاستخدام المكثف للإنترنت التي حُرم منها العراقيون طوال عقد التسعينات. وقتها، كان نظام صدام حسين يفرض رقابة مشددة على تلك الوسائل وعقوبات قد تصل أحياناً حدود السجن والمصادرة. اليوم، لا تكاد تجد عشرة عراقيين من المشتغلين في باب الصحافة والأدب الا وقد أشهروا موقعاً إليكترونياً خاصاً أو عاماً، بل إن بعضهم ألصق في مفتتح الموقع ما يشير الى أنه جريدة إلكترونية، وفي ذلك اشارة واضحة إلى دخول البلد عالم تلك الصحافة. وقد نجح البعض وفشل آخرون، كما هي الحال دوماً مع مؤسسات الإعلام المكتوب والمرئي.
في ما يأتي قراءة وتعريف بمواقع عراقية مختارة قد تساعد على دراسة هذا الباب الحيويّ الذي صار ظاهرة لافتة تستدعي وقفات.
1ـــ موقع جريدة «كتابات»
يكاد يكون موقع «كتابات» أحد أقدم المواقع الإلكترونية العراقية المستمرة حتى الآن على شبكة الإنترنت. وقد اسسه صحافي عراقي مغمور اسمه اياد الزاملي في فترة الحصار على العراق، وأشهره على الشبكة قبل أقل من ستة اشهر على سقوط العاصمة بغداد تحت الاحتلال الاميركي. وفي مدة قياسية، استطاع الموقع أن يستقطب كتّاباً وأدباء ومثقّفين عراقيين أغلبهم كان من سكان المنافي. وقد تبدلت الحال تماماً بعد سقوط بغداد، إذ انضمّ الى جمع كتابه حشد من ادباء الداخل وكتابه المنبهرين بهذه النعمة الجديدة. لكن الملاحظ ان كتّاب الخارج ظلوا صامدين على لغتهم المصبوغة بأدبيات المعارضة العراقية وصيغها، فيما واصل كتاب الداخل تشبثهم بالرقيب الافتراضي الذي كان قائماً، الأمر الذي انعكس تالياً على نوعية الكتابة وأسلوبها ومرماها، في إشارة دالّة على فصام أو تمييز ما زال مزروعاً تحت الآباط.
الموقع بسيط في تصميمه، يعتمد المكتوب الحروفي مفضلاً إياه، إلا ما ندر، على اللون والصورة بمناسبة حوادث تستدعي وسائل إيضاح مؤثرة، اشهرها الصورة المرافقة للكتابة. تطالعك في مفتتح التصفح جملة مواربة تقول إن الجريدة يحررها كتّابها، وهذا صحيح الى حد بعيد، إذ ينشر الموقع جلّ ما يُرسل إليه دون حذف أو شطب، حتى وصل الأمر ببعض كتابه المشهورين إلى استخدام مفردات لاذعة من قاموس الشتائم والسب الذي لم يسلم منه أحد بما في ذلك مرجعيات سياسية كبيرة، وأيضاً مرجعيات دينية معروفة، وهو ما أدى تالياً إلى نشوب معارك كتابية بين الكتّاب، ومن ثم ضد مؤسس الجريدة المرمي بسلة تهم وشبهات لجأ الزاملي الى نشرها وتشجيع الجدل حولها بوصفها أنجع طريقة للرد وللخروج بأقل خسارة من منطقة الشبهة المفترضة.
للموقع بابان: واحد للمقال السياسي الصرف والثاني للثقافي والفني. أما بقية الأيقونات فهي لاستكمال ديكور الصفحة الرئيسة أو طمر فراغ.
لتصفح الموقع : www.kitabat.com
2 ـــ موقع كيكا
أما «كيكا» واسمها الملتبس، فهي جريدة إلكترونية أدبية ثقافية صرف، والسياسة فيها ـــــ إن وجدت ـــــ معجونة بدم الأدب والفن، مثلما يحصل مع مدونات الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف وأشعاره، وهو اشهر كتّاب الموقع. إذ درج يوسف على مهاجمة الاحتلال الاميركي ومروّجيه وسدَنته شعراً ونثراً ومقالة. أسس الجريدة وأطلقها على الشبكة الكاتب والروائي العراقي صموئيل شمعون صاحب كتاب «عراقي في باريس». وعن معنى تسمية كيكا، يقول شمعون:
«في بداية القرن الماضي، ولد طفل أصم وأبكم، نشأ يتيماً وسط حروب طاحنة بين القبائل والملل والنحل القاطنة في جبال شمال العراق وسهوله. كبر ذلك الطفل وصار ذات يوم أبي. كان الناس يسمونه «كيكا»، وعندما سألت أمي من أين جاءت هذه التسمية، قالت بكل قسوة »لأنه أخرس وأطرش». لقد أحببت أن أسمّي هذه الجريدة باسم الانسان الذي ولد يتيماً وبلا لغة، في جغرافيا هلامية، تُرسم في كل فترة بشكل مختلف، لأنني متأكد من أنه لا يمكن أن ينحاز في الاخير الا للقيم»!
انحازت كيكا منذ انطلاقها في ربيع عام 2003 ـــــ مفارقة، فهو عام الاحتلال ـــــ إلى الشعار العريض الذي تبنّته: نشر الثقافة الحرة وقيم التسامح، الأمر الذي جعلها ملاذاً آمناً لنصوص قد يبدو في قراءة أولية أنها تنحو منحىً صداميّاً متضاداً، إلا أنها في خواتيم القراءة ستفصح عن ثقافة عالية توافقت وانسجمت الى حد بعيد مع شعارها المرفوع.
من الاسئلة الشائعة والملحة التي أجابت عنها كيكا، عدا أسئلة الثقافة والأدب، سؤال التمويل الملتبس هو الآخر، خاصة أن كيكا على العكس من زميلتها كتابات، تمتاز بجمال التصميم والإخراج وفخامته والخدمات الأخرى، اذ تنشر القصائد والقصص والنقد والروايات والتراجم، غالباً مع صور شخصية للمؤلفين أو لوحات فنية شديدة الوضوح. واللافت في كل هذا أن الجريدة لا تنشر مادة، أياً كان مرسلها، الا إذا كانت مذيلة بجملة: «خاص بكيكا». وقد تواصل عليها زخم الاسماء العراقية والعربية والاجنبية المؤثرة على الرغم من أنها لا تدفع مكافآت مادية مقابل النصوص!
لقراءة الجريدة: www.kikah.com
3 ـــ موقع ألف ياء
وهو موقع ثقافي أيضاً لا يختلف كثيراً عن موقع كيكا سالف الذكر لجهة التصميم الفخم والإخراج المريح والصور الملونة المصاحبة للنصوص. يحتفي الموقع الذي انطلق من لندن بالنصوص العراقية عموماً، ويتابع أخبار الادباء العراقيين وإصداراتهم، وهو بمثابة الملحق الثقافي اليومي لجريدة «الزمان» العراقية الدولية، الأمر الذي أتاح لمحرّره والمشرف عليه الصحافي العراقي كرم نعمة حرية الحركة واختيار النصوص التي تصل جريدة «الزمان» أولاً، وتالياً يتم رفعها ونشرها على الموقع الذي سيكون في حل من أي التزام مادي تجاه الكتّاب على فرض أن النصوص كانت قد ارسلت أولاً الى جريدة «الزمان» الورقية ومن ثم اخذت طريقها الى النشر في الف ياء.
يتبع الموقع محتوى وإدارة وتمويلاً، مؤسسة إعلامية أكبر هي «مؤسسة الزمان للدراسات والنشر» التي تضم جريدة «الزمان» ومجلد الف ياء وموقع الف ياء وتالياً فضائية الشرقية، ويدير هذه المؤسسة الإعلامي العراقي المعروف سعد البزاز.
الموقع منوّع ثقافياً وأدبياً، ويصلح مرجعاً لقياس فاعلية الثقافة العراقية ومدى انتشارها والتحولات التي رافقتها بين زمنين من خلال الأرشيف الضخم والمنوع الذي سيكون بين يدي المتصفح القارئ من دون عناء حيث الدخول السهل والسريع، وهو ما يميز هذا الموقع.
في الموقع أيضاً زاوية لاستطلاع الرأي بطريقة التصويت، وهي مخصصة للسؤال عن الشأن الثقافي المرتبط أحياناً بالشأن السياسي باعتبار المشهدين يكمل أحدهما الآخر.
لقراءة موقع أو ملحق ألف ياء: www.alefyaa.com
4 ـــ موقع البديل العراقي
وهو موقع منوّع يتصدّى للموضوعات السياسية والأدبية والتاريخية والفنية، أطلقه من جنيف الكاتب والروائي العراقي علاء اللامي، وفيه زاويته المشهورة «في الصميم»، وهي زاوية سياسية يستبدلها أحياناً بزاوية تعليمية تخص اللغة العربية وقواعدها وصرفها ونحوها. ويبدو أن اللامي في تأويله الكتابي هذا قد مل من اخطاء الادباء والمتأدبين، فأقام مقعداً دراسياً مجانياً على صورة زاوية ثابتة!
يحتوي الموقع على شريط إخباري لإيصال الخبر الجديد، وكذلك ثمة خدمة «خبر عاجل»، الأمر الذي يدل على أن للموقع مراسلين وكتاباً في بغداد وبعض العواصم العربية والعالمية المرتبطة بالشأن العراقي. الموقع مرّ منذ انشائه قبل نحو عام بمراحل تحديث وتطوير حتى استقر على حاله وشكله النهائي.
لتصفّح هذا الموقع المنوّع: www.albadeeliraq.com
* كاتب عراقي
العراق عبر نافذة الإنترنت
- رأي
- علي السوداني
- الخميس 5 تموز 2007