strong>أسعد أبو خليل *
تمرّ الذكرى السنوية الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان في جوّ سياسي ملبّد. فالأكثرية الحاكمة، بإرادة الراعي الأميركي، لا تزال تتعامل مع مقاومة الاحتلال وكأنها مخجلة ومحرجة للوطن. وعندما وقّع فؤاد السنيورة قبل شهرين أو أكثر (وأحمد فتفت ــــــ ما غيره ــــــ إلى جانبه) عريضة إماراتية لنصرة القدس، أثنى على العريضة وعلى العرائض وطالب بأساليب «حضارية» للنضال (ألم يحرّر الشعب الجزائري أرضه بالعرائض؟). وللأمانة، فإن وسائل نضال السنيورة الحضارية قد حرّرت مزارع شبعا (وهو يردّد كل أسبوع أن شيئاً ما تعدّه الأمم المتحدة بالنسبة إلى المزارع)، وقد تُحرّر فلسطين واللواء السليب في شهر أو شهرين.
أمّا المقاومة فتبدو خجولة من مقاومتها. وهي تعطي أحياناً الانطباع بأنها قد تكون مستعدة للاعتذار من اللبنانيين واللبنانيات عن دفاعها المستميت عن الوطن. وقد تدخل أصول تقديم الشاي المحلّى بالحليب في صلب عقيدة الجيش التي تعمل السلالة الحاكمة على تغييرها. والبطريرك الماروني منشغل بأمور بيع الأراضي إلى غير اللبنانيين (يثيرون قلقه فقط إذا كانوا فلسطينيين)، وهو كان أقل اهتماماً بواقع احتلال إسرائيل للأرض اللبنانية.
أما النائب وائل أبو فاعور (وهو، عليكم أن تتذكروا، تقدمي واشتراكي ومحب للحياة) فصرّح في حديث إذاعي بأن الخبر المهم (الذي يبدو أنه يقضّ مضجعه) هذه الأيام هو بيع الأراضي إلى (الضيوف؟) الشيعة في لبنان، الذين يحتاجون اليوم إلى إثبات لبنانية هويّتهم.
المطران بشارة الراعي، بدوره، يتابع ملفّ «أسلمة» لبنان، ويزهو بإنجازات المارونية السياسية في البلاد. وفي الوقت نفسه، يمسك الوزير السبع (الخبير في أمر الانشقاقات الفلسطينية) بزمام الملف الأمني بمهارة لم نشهدها منذ وعد الرئيس سليمان فرنجية في بداية عهده اللبنانيين بالنوم وأبواب بيتهم «مفتوحة».
الرئيس سليم الحص يطالب بتشديد الحصار على مخيم نهر البارد، والشعب والصحافة في لبنان شديدا الامتنان لنجاة هيفاء وهبي من حادث خطير.
أما جريدة «النهار» (المتخصصة في أخبار العبقرية اللبنانية حول العالم وفي أخبار العباقرة اللبنانيين الذين «يكتشفون» علاجاً للسرطان بصورة أسبوعية)، فقد خصصت «دراسة» لرصد من جرؤ على الحديث عن معاناة فلسطينية في نهر البارد، في الوقت الذي كان فيه ريمون جبارة يشكك (في ملحق النهار) في وجود بريء فلسطيني واحد بين المدنيين الفلسطينيين. وكارلوس إدّه (الآتي إلينا من زعامة في البرازيل) لم يتقدم في تعلّم اللغة العربية: لعلّه يستعين بخطب مكتوبة بالعامية على طريقة الطفل المعجزة، ميشال معوض. والشعب اللبناني لم ينتهِ من بعث تحياته الحارة الى «عسكر لبنان». وكلما «دعس» الجيش على رأس مدني فلسطيني، رفع اللبناني رأسه عالياً. فوطن الأرز يرحب بكم، فقط إذا كنتم حضاريين.
كم أخطأت المعارضة اللبنانية في تعاطيها مع الشأن اللبناني في السنة الأخيرة (وفي أكثر من مفصل). لكن الخطيئة الكبرى كانت في غياب المطالبة بالمحاسبة، لا بل غياب الإصرار عليها، جراء ما فعلته وما لم تفعله الحكومة اللبنانية أثناء العدوان (حتى لا نتحدث عن قبل وعن بعد). فبعد واحدة من أبشع الحروب التي يتعرض لها لبنان خلال تاريخ طويل من الحروب الإسرائيلية الوحشية (المدعومة دوماً من الولايات المتحدة ـــــ عفواً، أعني المجتمع الدولي إذ إن الأكثرية الحاكمة تطلق اليوم تسمية المجتمع الدولي على الحكومة الأميركية منعاً للإحراج) على لبنان، طلعت المعارضة بتحرّك باهت تحت شعار: «الثلث الضامن» (أو المعطّل أو... أو... لا همّ). «الثلث الضامن»؟ هل كان الشعار مزحة سمجة؟ البلد تعرض لعدوان أميركي ـــــ إسرائيلي مشترك (ومدعوم من سلالات الاعتدال العربية) وعبقرية المعارضة تتفتّق عن شعار «الثلث الضامن»؟ وزاد من سماجة المزحة أن المعارضة أبدت استعدادها للعودة إلى حكومة برئاسة فؤاد السنيورة إذا حصلت على هذا «الثلث الضامن».
ونجح الفريق الحاكم (بإيعاز أميركي لا شك ــــــ أجل، أنا من أنصار نظرية المؤامرة المجاهرين) في وضع المقاومة نفسها ــــــ تلك التي أخذت على عاتقها الدفاع المستميت عن أرض لبنان في مواجهة شكلت أكبر إذلال للعدو الإسرائيلي في تاريخه، أكبر بكثير من مسرحية حرب تشرين الساداتية الإخراج ـــــ في موقع الدفاع عن النفس. الدفاع عن النفس؟ أن تنجح صحف التطبيع المبطّن في «النهار» و«المستقبل» في أن تطالب بمحاسبة من شكّل مقاومة الدفاع عن الوطن؟ كيف يمكن أن يسمح شعب لبنان لتلك الصحف بأن تجعل هدف السياحة (وهي سياحة داعرة في جانب منها وذلك لجذب رجال سلالات النفط) أثمن من أرض الوطن؟ تصوروا لو أن في فرنسا من عاب على مقاومة الاحتلال النازي أنها كانت مضرّة بالسياحة في فرنسا. هذا المنطق الذي تكرر ولم يتم التصدي له لأن المعارضة كانت مشغولة بـ... «الثلث الضامن».
أما الشعب، وخصوصاً في المناطق التي طالها العدوان أكثر من غيرها، فقد طالب بالمحاسبة أثناء العدوان. ففي يوم مجزرة قانا الثانية تشكلت حشود عفوية وتوجّهت الى السرايا (قبل منعها من قبل حزب الله الذي منع أيضاً في اليوم نفسه تظاهرة كانت تتجه عفواً نحو السفارة الأميركية) حاملةً طلباً فورياً للمحاسبة، وهذا حق لشعب يعاني عدواناً وحشياً. كان يمكن عندها طلب محاسبة السنيورة قبل أن يتسنّى له في فترة لاحقة اللجوء الى أرخص وسائل التأجيج المذهبي والطائفي التي شهدها لبنان في تاريخه عندما حوّل السرايا الحكومية الى مصلّى تنطلق منه صيحات كان يمكن الزرقاوي أن يطلقها معه لو كان حيّاً (إذا كان صمويل جونسون يقول إن الوطنية هي الملاذ الأخير للرعاع، فإن هذا الملاذ هو الطائفية في لبنان).
على العكس من ذلك، كانت المقاومة تبدي تردّداً (والمقاومة تستولي على السلطة في كل بلاد العالم، إلا في لبنان لأنّ المنطق الطائفي يفرض أن يتساوى المقاوم مع قدامى المتعاملين مع إسرائيل. والذين لوّحوا أخيراً بعلم الأرزة جنباً الى جنب مع العلم الاسرائيلي في تظاهرة نظّمها مصري إيطالي معروف بكتابته رسائل حب وهيام الى الدولة العبرية)، لا بل عبّرت المقاومة عن قبولها بالمحاسبة. محاسبة؟ هل كان يمكن شارل ديغول أن يُطالب بالمحاسبة لمعارضته النازية؟ ومن يُحاسب مَن في لبنان؟ المقاومة هي التي تُحاسب، وماذا عن الذين (واللواتي، حتى لا ننسى نايلة معوض التي ظنت أنها ستسارع الى قطف ثمار الحرب الاسرائيلية على لبنان في جلسة معروفة لمجلس الوزراء أثناء الحرب، عبر المطالبة بنزع سلاح المقاومة، لعل ذلك يعزز من إمكانية صعود ابنها النجيب الذي تحبه «الماما» كثيراً) تقاعسوا أو تواطأوا أو تآمروا (والكلمة الأخيرة مرفوضة في قاموس 14 آذار إلا إذا ما اقترنت بعبارة «السوري»)؟
ولنبدأ بالسنيورة. لا يحتاج المرء إلى وثائق أو أدلّة لمساءلته في هذا الصدد. يمكن القول إن فؤاد السنيورة يتحمّل مسؤولية (غير مباشرة على أقل تعديل، ولكن أكيدة، وبالنيابة عن راعيه الأميركي) في تطويل الحرب الاسرائيلية على لبنان وفي منع وقف النار. وكانت الأسرة الحاكمة في لبنان تأمل وتتمنى أن تقوم إسرائيل بتدمير حزب الله. وكانت الحكومة الأميركية واضحة في سياستها تجاه العدوان الإسرائيلي على لبنان: فالصحافة الاسرائيلية ذكرت أن إدارة بوش بلّغت الحكومة الإسرائيلية رسمياً أن سقوط حكومة السنيورة (من جراء العدوان) يُعدّ خطّاً أحمر، وأن كل ما عدا ذلك مباح لها. هذا أبلغ دليل على مسؤولية السنيورة السياسية والأخلاقية. فهو كان يستطيع أن يوقف العدوان متى شاء لو أنه لوّح ــــــ فقط لوّح ــــــ بالاستقالة. لكن حساباته كانت متوافقة مع الحسابات الأميركية والإسرائيلية.
كان القرار أن يُترك أمر تدمير حزب الله لإسرائيل لأن «ميليشيا» آل الحريري (المتسربلة برداء المسميات الرسمية الأمنية في لبنان) غير قادرة على التعامل العنفي مع هذا الأمر الملحّ. طبعاً، هناك من يذكر كيف أن السنيورة قرر عدم لقاء كوندوليزا رايس إثر مجزرة قانا، لكنهم يتناسون أنه ما فعل ذلك إلا بطلب مباشر وملحّ من نبيه بري (وما لبث السنيورة أن أخلف وعداً قطعه أمام الرأي العام في لبنان بأنه لن يتباحث مع الأميركيين في شيء قبل التوصل الى وقف إطلاق النار).
لكن السنيورة آثر أن يبقى على كرسيه مشاهداً أفعال اسرائيل لعلها تخلّص آل الحريري من سلاح حزب الله ليتسنّى لهم الولوج في عصر «ربيع» التطبيع مع إسرائيل (الذي كان رفيق الحريري واضحاً جداً في التصريح به في مقابلات لم يضمّنها عمر أميرالاي في فيلمه التبخيري عن رفيق الحريري، وإن بُثّت بعد ذلك على تلفزيون «المستقبل» بعد اغتيال الحريري). لكن فؤاد السنيورة كان قومياً عربياً عندما كان فتى. وهذا في معيار 14 آذار كاف لتسويغ كل ما فعل وسيفعل. (وقد يأتي يوم يزعم فيه أهل 14 آذار أن سمير جعجع كان ناشطاً مع وديع حداد في شبابه).
ثم هناك وليد جنبلاط، الذي تمتع بكامل قواه النظرية أثناء العدوان لأنه كان قد تخلّص لتوه من تلك الغشاوة اللعينة التي سمحت له بالتحالف الذيلي مع نظام الأسد في سوريا على امتداد نحو ثلاثين عاماً (تلك الغشاوة. كم فعلت فعلها على التقدمي الاشتراكي الذي لا يذكر اسم تقدمي اشتراكي آخر هو ملك السعودية، إلا ويلحقها بعبارة «الرجل الرجل». إنها تقدمية الاشتراكية الدولية التي تعتبر رفيق الحريري «شهيداً» أعزّ من كارل ماركس نفسه).
هذه الغشاوة منعته من ملاحظة ــــــ فقط ملاحظة ــــــ مجزرة حماه التي عزاها صاحبنا آنذاك إلى مؤامرة من «الانعزاليين والصهاينة». لكن جنبلاط معذور لأن من عوارض الغشاوة المثبتة طبياً استسهال استعمال اللغة الخشبية في صيغتها البعثية. وقد منعته أيضاً من ملاحظة خرق حقوق الإنسان في سوريا على امتداد العقود. صاحبنا لم يكن يعلم بوجود رياض الترك إلا بعدما زالت الغشاوة عن عينيه وإلا كان طالب في اجتماعاته الطويلة مع قادة الاستخبارات في أجهزة النظام عبر السنوات بإطلاقه طبعاً. والغشاوة أدت بصاحبنا في الثمانينيات الى اتهام رفيق الحريري بأقظع النعوت، بما فيها تهم العمالة لأميركا واسرائيل، لكن حدث ذلك في «زنقة» خانقة. واللذيذ في تقلّبات زعماء الإقطاع أن تقلباتهم تُغفر لهم، فهم ـــــ طالت أعماركم ـــــ ليسوا كالعامّة أبداً. هؤلاء يولدون زعماء مثلما يولد أولادهم زعماء بالفطرة.
كانت معالم نصر حزب الله بادية طوال فترة المعارك على الوجوه الكالحة لقادة 14 آذار، وخصوصاً عندما استدعتهم كوندوليزا رايس الى ذلك اللقاء الشهير في عوكر، وأتوا صاغرين، كما كان معظم زعماء 14 آذار يذهبون صاغرين عندما كان يستدعيهم النظام السوري طوال حقبة «الغشاوة» اللعينة. وهناك من قال إن وليد جنبلاط كان أول من اعترف للمقاومة بالنصر. هذا غير صحيح. أفلا تذكرون أماراته عندما تساءل «منقّراً» ومستفزاً عن إهداء نصر حزب الله؟ لم يفعل ذلك من باب الإطراء، وإنما من باب الإحراج والإساءة، لا بل إن دور وليد جنبلاط أثناء العدوان، وذلك بالصدفة طبعاً («صائبت»)، كان مكملاً دعائياً للحملة العسكرية على حزب الله، إذ إنه كان لا يفوّت فرصة لتقويض هالة حزب الله الشعبية من خلال اللغة «الكودية» المعروفة في مجتمع الوعي الطائفي في لبنان.
ارتأى جنبلاط بعد ذلك أن يميّع نصر المقاومة عبر الإشارة الى «كل من ساهم» في المقاومة عبر السنوات (هل شارك هو أو حزبه من دون علمنا؟). فاستوى فيها وفقاً لذلك سمير جعجع وجورج حاوي (أو دوري شمعون وهاشم علي محسن، ذلك العراقي الماركسي الذي أطلق جبهة المقاومة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال والفاشية عام 1978، ولم يطلب أجراً أو تعظيماً، فلتذكره مراجع التاريخ ـــــ وتسمية «جبهة المقاومة» تعود له). ولا ينفك جنبلاط عن الإشارة الى كل من ساهم في المقاومة (وفي صيغة 14 آذار المبتكرة، فكل اللبنانيين مقاومون بمن فيهم عملاء جيش لحد). وتكمن أهمية دور جنبلاط في كونه يبدو مولجاً بالتصدي الدعائي لكل تصريحات ومقابلات حسن نصر الله (وهو يكتب ردوده عليه نقطة نقطة، ولا يمكن ربط هذا الدور بلقاء العشرين دقيقة الذي حظيه صاحبنا مع جورج بوش، ملهم «ثورة الأرز» مثلما ألهم لينين الثورة الروسية). فمن الواضح أن الدور الرسمي في 14 آذار لجنبلاط هو التصدي الدعائي لحزب الله وذلك بهدف إضعافه. ويلاحظ المرء أن جنبلاط في إشاراته المتكررة الى سمعة حسن نصر الله وشعبيته في العالمين العربي والإسلامي ينمّ لاشعورياً عن شيء ما يحتاج إلى علم النفس لتحليله. فزعامة نصر الله الواسعة الانتشار تبدو مزعجة لزعيم طائفي ورث عن كمال جنبلاط زعامة عربية وعالمية رحبة، فضيّقها وجعلها فئوية وضيعاوية صغيرة.
ثم هناك بقية أطراف جوقة 14 آذار. من دوري شمعون الذي ظهر في عزّ الحرب على شاشة الـ«إل. بي. سي.» ليسخر من فكرة، حتى فكرة، النصر العربي على اسرائيل. وقال إن بحوزة إسرائيل أسلحة لم تستعملها بعد (وهو ظهر توّاقاً إلى أن تستعملها اسرائيل. خانته الكاميرا، زعيم الحزب الذي رعى ولادة ظاهرة سعد حداد وأنطوان لحد. لجنة التحقيق الإسرائيلية كان يجب أن تقابل شمعون لعلمه بنصر إسرائيلي فات على الإسرائيليين أن يلاحظوه). وكارلوس إده: ماذا تقول عن الرجل (العميد، تحبّباً) الذي ينطق بلغة بلاده الرسمية بقدرة طفل في الرابعة. يأتي ورثة الزعامات من أقاصي الأرض ليُنصّبوا زعامات على بلد لا يعرفون منه وعنه غير الأساطير المُؤسِّسة المستقاة من تخيّلات سعيد عقل. (طبعاً، ليس من العدل في شيء أن يُلام المرء على أفعال من سبقه في زعامة العائلة، لكن هل تصدّى هذا الحزب الصغير (بازدياد) لمسألة لم تعد سراً إلا في الصحافة اللبنانية: مسألة علاقة إميل إده (ومبعوثه بيار إدة) بالصهيونية؟) أما ميشال معوض، فهو يستطيع الآن، ومن دون إشراف مباشر من والدته الحنون، أن يقرأ على الملأ نصّاً كاملاً بالعامية. فإذا كان هذا العمل العظيم لا يؤهّل للزعامة الطائفية، فلا شيء يؤهّل.
البطريرك الماروني عاد في أثناء العدوان الى لبنان على متن طوافة عسكرية أميركية، وهو الذي يرفض حتى مبدأ الزيارة لسوريا (البلد) لشدة تعلّقه بسيادة بلده. وهو قام بزيارة «رسمية» للولايات المتحدة في حمأة العدوان الأميركي ـــــ الاسرائيلي على لبنان، وصرّح فيها بأن نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، يسعى جاهداً للوصول الى حلّ في لبنان. نتساءل: هل قدّم البطريرك شكراً وامتناناً بالنيابة عن الشعب اللبناني الى نائب الرئيس الأميركي لخدماته الجلّى للشعب العربي على امتداد السنوات؟
أما النائب سعد الحريري فهو في منأى عن النقد، إذ تسنّى له أثناء العدوان أن يختبر بالملموس مدى صوابية السياسة الدفاعية لآل الحريري وكم كانت ناجحة وناجعة. فالنائب المثقل بالهموم (بالإضافة الى همّ تلقّي التحليلات السياسية العميقة لباسم السبع على مدار الساعة) جال في بلاد الأرض (وإن كنا لاحظنا أن الغلبة في الجولات كانت للبلدان ذات الشواطئ الخلابة، مثل قبرص)، وذلك بهدف طلب وقف إطلاق النار في لبنان. وقد ساعد الرئيس القبرصي سعد الحريري في مسعاه. (صحيح أنه فشل فشلاً ذريعاً، وأثبت أنه عزيز على الإدارة الأميركية مثل معزّة محمد دحلان، أو أكثر قليلاً)، لكن الرئيس السنيورة أوضح الأمر في مقابلة مع جريدة الـ«لوموند». فعندما سُئل عن جدوى تحالفه مع أميركا في الوقت الذي لا تقوم فيه أميركا بمساعدة لبنان أثناء العدوان، قال إن أميركا تحب لبنان لكنها تحب إسرائيل أكثر. هؤلاء هم حكام لبنان في عصر ثورة الأرز.
تمرّ ذكرى العدوان الاسرائيلي والحكومة في لبنان لا تزال تتعامل مع الحدث وكأنه سوء تفاهم بين لبنان واسرائيل. والمقاوم يُلام، والمُعتدي يُعامل وكأنه وقع ضحية أفعال خصوم السنيورة اللبنانيين ــــــ هؤلاء الذين أحرجوا رئيس الحكومة أمام الصديق الأميركي لإشهارهم السلاح بوجه إسرائيل بهدف الدفاع عن النفس. الضحية أصبحت متهمة في لبنان. ومسار الأكثرية يتقدم القهقرى متلازماً مع مسار عقيدة بوش الخلاقة التي لم يبقَ لها إلا السنيورة ومحمد دحلان وكرزاي. أعمدة الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط يترنّحون، والحكم السعودي يجيّر سيطرته الإعلامية الهائلة في العالم العربي من أجل تحسين صورة أميركا. لكن إمكانيات العطّار محدودة. وقرى الجنوب تنتظر المساعدة وإعادة البناء. يريد فؤاد السنيورة أن يعلّمها درساً قاسياً. كيف جرؤت على مقارعة اسرائيل؟ كيف رفضت أن تستسلم؟ ألم تتأثر بمشهد جورج بوش مربّتاً على كتف رئيس حكومة لبنان؟ ألم تسمع بوسائل النضال الحضاري التي أتقنها رئيس حكومة لبنان؟ هل يحتاج أهل الجنوب إلى دروس خصوصية في إعداد الشاي؟
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)