دياب أبو جهجه*
منذ اندلاع المعارك في نهر البارد كثرت التكهنات حول من يقف خلف منظمة فتح الإسلام ويحرّكها. ‏فبينما حسم فريق السلطة موقفه المعروف سلفاً من أن فتح الإسلام تركيبة استخبارية سورية، وهو ‏موقف مبتذل بتنا نتوقعه من هذا الفريق حتى في مواجهة كوارث طبيعية قد تحل علينا ويعلن أن المخابرات السورية تقف وراءها، تفاوتت التحليلات الجدية بين ربط حالة فتح الإسلام ‏بالقاعدة إلى اعتبارها مشروع جيش فاشل لتيار المستقبل انقلب على أسياده السابقين. ‏
‏بدل إضافة سيناريو جديد على التكهنات والنظريات التي باتت معروفة، نريد أن نطرح سؤالاً مختلفاً ‏قد يضيء بعض الشيء على جانب من الحقيقة حول هذه الحالة الغامضة. والسؤال هو: لماذا تجاهل ‏أيمن الظواهري ما يجري في نهر البارد تجاهلاً كلياً في رسائله وخطبه الأخيرة؟ ‏
‏فالظواهري لم يتطرق من قريب ولا من بعيد إلى معارك نهر البارد في ثلاث رسائل له بعد ‏اندلاع المعارك، واكتفى بالتنويه بالعملية ضد القوات الدولية في الجنوب ومباركتها من منطلق ‏اعتباره أن دور القوات الدولية هو دور حماية لإسرائيل ودور متآمر على سلاح أهل الجهاد في لبنان ‏بحسب تعبيره. ‏
فلنفترض أن فتح الإسلام مرتبطة بالقاعدة، فهل يعقل عندها هذا التجاهل لها من الرجل الثاني فيها ‏ومنظّرها والناطق الأول باسمها بعد غياب بن لادن المطوّل؟ ألم تكن ضراوة المعركة تفترض موقفاً ‏من الظواهري يشد على أيدي مقاتليه المفترضين في البارد ويدين ويكفّر الجيش اللبناني بحسب ‏منطقه المعروف؟ ‏
الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم القاعدة، ومنذ معارك الفلوجة إلى اليوم، لم تفوّت فرصة لتبنّي معركة ‏أو مباركة أخرى. وفي اللغة المستعملة في خطاب القاعدة، يتم التبنّي عند وجود علاقة مباشرة وصلة ‏تراتبية بين مجموعة ما والتنظيم. أما المباركة فتتم عندما تقوم مجموعة غير مرتبطة بالقاعدة أو ‏مجهولة لديها بعمل ما يصب في خدمة ما تراه القاعدة مشروعها الجهادي فتباركه.‏
وإذا كان هذا ما حصل بالنسبة إلى الهجوم على اليونيفيل، وتمّت المباركة المنطقية للهجوم من قبل ‏الظواهري وخاصة بعد دعوته المباشرة لضرب هذه القوات، إلا أن غياب التبني والمباركة لما يجري ‏في نهر البارد لا يشير فقط إلى أن فتح الإسلام لا ارتباط مباشر لها بالقاعدة بل أيضاً إلى عدم ‏وضوح موقف القاعدة مما يجري أصلاً.‏
مما لا شك فيه أن الحالة السلفية الجهادية حالة متشعبة جداً وليست كلها قاعدية. بل إن بعضها معاد ‏للقاعدة واصطدم معها في معارك طاحنة مثل الجيش الإسلامي في العراق مثلاً. وفتح الإسلام حالة ‏من حالات سلفية جهادية عديدة لكل منها تاريخها وظروف نشأتها الخاصة. فلذلك لا تستطيع القاعدة ‏أن تبني منها وقفاً واضحاً بمجرد اتخاذها للخطاب السلفي الجهادي ومنظومته الفكرية منطلقاً لها. إلا ‏أن فتح الإسلام، مثل غيرها من التنظيمات السلفية الجهادية، تُعَدُّ ممرّاً وواسطة لعشرات الجهاديين ‏العرب المتّجهين إلى العراق والذين يطمحون للانضمام إلى التنظيمات الجهادية فيه، ومنها القاعدة. ‏لذلك، فإنّ وجودها ممرّاً ومستقرّاً ومركز تدريب لهؤلاء كان أمراً إيجابياً جداً للقاعدة. إلا أن أداء ‏هذا الدور يتناقض كلياً مع أمرين: أوّلاً، الاصطدام مع حزب الله في لبنان، وهو ما قد تكون سعت ‏إليه أطراف محلية لبنانية بالتعاون مع المخابرات الأميركية من خلال تسهيل مرور الرجال والأموال ‏إلى فتح الإسلام و«جند الشام». وثانياً، تتناقض مصلحة القاعدة في فتح الإسلام مع فتح هذه الأخيرة ‏لمعركة شاملة مع الجيش اللبناني تطيح دورها إطاحة كلية وتقضي عليها، إضافة لتأليب الرأي العام ‏عند السنّة في لبنان ضدها.‏
‏إنّ تقديرنا أن القاعدة استخدمت فتح الإسلام كحالة استقطابية وكمسهّل لوجيستي لمعركتها العراقية، ‏ولم تكن لديها نية السقوط في اللعبة الداخلية اللبنانية على الأقل في وقت لا تزال فيه قوتها في لبنان ‏محدودة. كما أن القاعدة لم تكن في وارد أن تساق خلف تيار المستقبل وأجندته المرتبطة بالأجندة ‏الأميركية. إلا أن فتح الإسلام وقلّة خبرتها وحنكتها السياسيّتين، إضافة إلى تجاذبات الوضع الداخلي ‏اللبناني وبعض الاختراقات الاستخبارية في صفوفها التي أثّرت عليها وأفقدتها توازنها، جعلت من ‏نفسها عالة على القاعدة بدل أن تكون سنداً لها. وفي هذا الإطار، بإمكاننا أن نقرأ دور عصبة ‏الأنصار التي قلّمت أظافر جند الشام في مخيم عين الحلوة منعاً لفتح جبهة جديدة مع الجيش وتكرار ‏سيناريو نهر البارد.‏
‏من الواضح جداً أن أيمن الظواهري حذر جداً في تعاطيه مع الوضع اللبناني. فبينما يُعَدُّ موقفه من ‏القوات الدولية في إطار رؤية القاعدة العامة للصراع في المنطقة موقفاً منسجماً مع ذاته، إلا أن هذا ‏الموقف هو الوحيد الواضح، وكلّ ما عداه يبقى معلّقاً إلى حين، ومرتبطاً بحسابات الصراع الأكبر مع ‏الأميركيين تحديداً. بناء على هذا، نرى أنّ التجلّي الأكثر قرباً للقاعدة في لبنان من حيث الموقف ‏السياسي والتعاطي مع الظرف وحساسيته هو عصبة الأنصار، لا فتح الإسلام. ‏
‏* كاتب لبناني