عبد اللّه رزق *
تحت عنوان «من ينقذ الشيعة (غير سعد الحريري)»، كتب الأستاذ أسعد أبو خليل مقالة يكيل فيها الاتهامات والتوصيفات للّذين التقوا تحت عنوان «اللقاء الوطني» (الأخبار، عدد الثلاثاء 3/7/2007).
بدءاً نردّ على العنوان «من ينقذ الشيعة غير سعد الحريري»، فنرفضه لما فيه من تهكّم وسخرية، أوّلاً لأنّ سعد الحريري يسعى لإنقاذ لبنان من براثن التمزّق والفتنة، وثانياً لأنّ الشيعة ليسوا في مأزق، وليسوا بحاجة إلى منقذ، أيّ منقذ، فلديهم الفكر الخلاق، والجرأة والحكمة، وينبوع ثوري لا ينضب، وقد أضيئت شعلته منذ ثورة الإمام الحسين (ع) حتى يومنا هذا، والى يوم الدين. وثانياً: نحن في «اللقاء الوطني» لسنا فريقاً شيعياً أو طائفياً، فمطلبنا لبناني بامتياز هو دعم الجيش والدولة اللبنانية المدنية التي تشمل برعايتها كلّ أبناء لبنان من كل أنحاء لبنان. وندين الاغتيال السياسي من أيّ جهة أتى، ونرفض نهج «المناطحة» ونسعى دائماً الى حوار بنّاء وفق المنهج الديموقراطي السليم.
... ما أريد التوقف عنده والمساجلة فيه مع الأستاذ أبو خليل، هو تجنّيه على عقيدة «اللقاء الوطني» موضوع مقالته، وموضعته في خانة ما يسميه بالتوابع (الحريرية) وضمن خطوات (الاختراق) الحريري للشيعة. فالأستاذ أبو خليل لم يتعب نفسه في محاولة مناقشة المضمون السياسي لبيان «اللقاء الوطني»، ولم ندرِ إذا كان يختلف مع التوجّه أو يوافق عليه، وفي الحالتين كنا نرحّب بوجهة النظر السياسية. أما تجاوزه المضمون السياسي وإسقاط توصيفات مذهبية عليه، نحن منها براء، ونعتبرها افتئاتاً وتعدّياً على حق أي فرد أو جماعة في التعبير عن نفسها كما تريد.
فالذي لجأ إليه أبو خليل هو توصيفات جاهزة وفق شعار تقليدي: إما أن تكون معنا وأنت منضبط داخل الحظيرة المذهبية، وإما أن تكون مختلفاً عنا، فأنت مذموم وموضوع في الخانة النقيض... فكل خروج على سلطة «الأمير» أو «الوالي» عند الاستبداديين والضيّقي الأفق الفكري هو خيانة، والمطلوب من صاحب الشأن والسطوة في افتراء أبي خليل، أن يكفّ عن سياسة (التسامح) مع الخونة، أي أصحاب الرأي الآخر المكرّس ديموقراطياً، فمن العيب أن يعبّروا عن رأيهم، و(خروجهم عن الطاعة) يشكل قلقاً، من الملحّ وضع حدّ له بالترهيب والتوصيف والعزل إن لم نقل بهدر الدم. هذا على الرغم من أن كاتب المقال وهو منزعج من هذه الحالة، يطمئن الى أن هذا (الخروج) غير مهم، ولن يؤثر على الطائفة الأكثر انسجاماً وتماسكاً في الرأي السياسي. لاحظوا تعبير (الطائفة الأكثر انسجاماً) ولنمعن النظر في هذا المعنى على المستويين: الاجتماعي والسياسي وحتى الأخلاقي.
على رغم ذلك سأحاول أن أقدّم قراءة للإجابة عن سؤال لماذا «اللقاء»؟ ولماذا كنت وآخرين منضوين في إطاره؟
... نحن نحاول أن نطلق صرخة مطالبة بالحد الأدنى من مقومات الحياة: «الأمن والاستقرار، والحلم بالدولة الجامعة للمواطنين كلهم ولا تكون مرتعاً للأتباع، فالدولة المدنية هدفنا الأساس والنهائي، أما الذي يتغير ويمكن الدخول إليه أو الخروج عليه فهو السلطة. وللأسف فإن المطروح اليوم ليس اعتراضاً على (سلطة)، بل تهديد لكيان الوطن ولمقومات الدولة بحدها الأدنى.
ثانياً، اللقاء دعوة مدنية لرفع تحية الإكبار والاعتزاز بالجيش والقوى الأمنية ودورها في صيانة الأمن وضمان حقوق المواطنين... وبعيداً عن افتراضات وادعاءات (زجّ) الجيش، أو وضع خطوط حمر أمامه. فلا نفهم كيف يكون تصدّي الجيش لمعتدين على سلامته وسلامة الوطن من جانب عصابة تخريبية استخبارية (زجّاً) في غير زمانه ومكانه؟... وهل هذا التأييد والدعم للجيش، وهو موضوع بيان «اللقاء»، هو محل تباين أو اختلاف بين الطوائف، حتى يُتّهم من يلتقي لتحيته (بالخروج) على الطائفة و(بالذيلية) لآل الحريري؟
ثالثاً، الملتقون وكثير مثلهم، انحازوا في بيانهم الى الدولة المدنية، وانتصروا لدولة الحقوق والواجبات، دولة القانون والمؤسسات، وعبّروا عن شوقهم لرؤية شرطي سير واحد في كل المفارق والطرق مهما (بعدت) عن العاصمة أو (قربت)، وعن أنهم راغبون في احترام الاختلاف والاعتراض والموافقة من دون تهويل أو تهديد، ويدعون من أجل عدم التمييز على أساس (المذاهب) أو (الطائفة)، ويسعون الى الاطمئنان الى أنه مهما اشتدت الرياح الإقليمية والدولية لا يجب أن يعوق هذا الأمر تداول السلطة في لبنان، ولا يجب أن يعدل الدستور لمآرب وأهداف بعيدة عن المصلحة الوطنية العليا...
رابعاً، دان «اللقاء» الاغتيال السياسي، ودعا الى التوحد في مواجهته... هل في هذا الموقف اعتداء على حق الطائفة، حتى يوصم من يطلقه بأنه يخدم طرفاً ما، ويعادي طرفاً آخر؟...
إن الموقّعين وغيرهم ممن لم تسنح لهم الفرصة شرف التوقيع على نص بيان «اللقاء الوطني» وهم من مشارب ومواقع إيديولوجية مختلفة، اتفقوا على شعارات الحد الأدنى هذه. ولا يضيرهم إذا كان غالبهم من الطائفة الشيعية بالوراثة. أمّا لماذا معظمهم شيعة؟ فلأنّ تراث الطائفة الشيعية من الغنى بحيث يجافي كل اختصار أو تجميع أو تنميط، والتاريخ القريب شاهد على ذلك، فكيف بالبعض يدعو اليوم الى أن يُختصر بثنائية أو وحدانية...
أمّا القول بأن أصحاب البيان ومن وراءهم (رغبوا) في تشكيل المشروعية السياسية على قاعدة تعدد الطوائف، فما هو وجه الإدانة في هذا؟ ألم يعلن السيد حسن نصر الله في أكثر من خطاب أن الانقسام في البلد انقسام سياسي وليس مذهبياً، وهل هذه الحقيقة محط احترام في صف 8 آذار، حيث الهيمنة الطائفية، وهي موضع عدم تقدير في المواقع والمواقف الأخرى...
لا ندري، لماذا (شبهة) الاعتراض أو التباين توصف بالذيلية (للآخر)، هل لأن كل الطائفة يجب أن تكون من (أشرف) الناس، ومن يخرج عنها، أو عن أسوارها فهو صعلوك، مسموح له أن يبقى منفرداً، أما أن يجتمع مع صعاليك آخرين ويشكلون رأياً، فهذا أمر لا بد من وضع حدّ له، حتى لا يتعاظم ويتكاثر.
إن سلسلة الاتهامات (بالعمالة) لسعد الحريري أو الاستغراب من التوافق في الموقف السياسي مع السيد جعجع لبعض (مدّعي) الديموقراطية والليبرالية، إن هذا وذاك لا يستقيم مع الحد الأدنى من الإقرار بحرية الرأي والالتقاء مع الآخرين على نقطة ما أو مرحلة ما. والغريب أن هذا الأمر تم القيام به في الحلف الرباعي، أما أن يحدث بعيداً عن حصرية تمثيل الطائفة فهو مروق، و(مطعون) بليبرالية من يقوم به، ولا أدري متى كان الديموقراطيون والليبراليون محترمين في هذا (الصف).
ومن الأمور المساقة، مع سبق الإدانة، هي شبهة «اللقاء» مع ورثة الإقطاع السياسي والإقطاع الديني، وكلاهما محرم اللقاء معه بعد النضالات السياسية العتيدة السابقة لتهميشهما، (اللهم إلا إذا خضعا لموازين القوى الجديدة في الطائفة) فأهلاً بهما حتى لو دخلوا في كتاب غينيس للأرقام القياسية لدخولهما الندوة النيابة تحت جبّة اللوائح الميمونة...
أما وقد قرأنا هذا الردح من الاعتراض في «اللقاء الوطني دعماً للجيش وانتصاراً للدولة المدنية وإدانة للاغتيال السياسي» فقد آن لأبي حنيفة أن يمد رجله.
* عضو في اللقاء الوطني