لعلّ مشروع أنبوب الغاز، بين ايران وباكستان، من أقدم مشاريع الطاقة المعلّقة والمؤجّلة في العالم؛ فقد ولد المشروع منذ أكثر من عقدين، في أواسط التسعينيات، حين بدأت ايران بتوسيع انتاجها للغاز، ولم ينفّذ برغم توقيع أكثر من اتفاقية، وتحديد أكثر من موعد لبناء الأنبوب.
الأنبوب هو حاجةٌ بديهية للبلدين، فباكستان هي البوابة الشرقية لتصدير الغاز الايراني؛ أوّلاً للسوق الباكستانية الضخمة (والبلد يعتمد اعتمادا كبيرا على الغاز الطبيعي، لا لانتاج الكهرباء فحسب، بل لتسيير المركبات والسيارات ايضاً)، ومن ثمّ لأسواق الهند والصين القريبة.
الباكستان، ايضاً، بحاجة ماسة الى الغاز الايراني؛ وذلك ليس بالمعنى المستقبلي والنّظري، بل بمعنى أن البلد يرزح تحت أزمة طاقة وكهرباء مستعصية، ولديه عجز بآلاف الميغاواتات، وانقطاعات مستمرّة للامداد الكهربائي. والنخب والصحف الباكستانية ترى أنّ غاز ايران هو الحلّ المنطقي والوحيد للحصول على طاقة رخيصة وغزيرة.
حين منعت الولايات المتحدة اسلام آباد من تنفيذ اتفاقها الأخير لنقل الغاز الايراني (ايران أنهت بالفعل قسمها من الأنبوب وأوصلته الى الحدود الباكستانية)، وهددتها بالعقوبات، حاولت في المقابل اقتراح بدائل لباكستان، منها استيراد الغاز القطري المسال، أو المساهمة في تمويل سدودٍ لانتاج الكهرباء، ولكنها كانت كلها حلولا غير اقتصادية أو طويلة الأمد ولا تناسب حجم الأزمة في باكستان.
اخيراً، تقرّر هذا الأسبوع بناء الجزء الباكستاني من الأنبوب، كأوّل نتيجة ملموسة لاتفاق الاطار النووي بين طهران والمجموعة الدولية. سيكون الأنبوب بتنفيذ وتمويل (وغطاء) صينيّ، اذ سيوقّع الاتفاق رسمياً خلال زيارة الرئيس الصيني للباكستان في الثلث الأخير من الشهر الحالي، وستموّل الصين القسم الأكبر (85%) من كلفة المشروع التي تقارب الملياري دولار على شكل قرضٍ للحكومة الباكستانية، فيما تتولى شركة النفط الصينية الوطنية ــ المملوكة من الحكومة ــ التنفيذ.
سيُبنى الأنبوب وفقاً لخطّة مدروسة لتلافي خرق العقوبات، اذ ستمدّه الصين كأنّه انبوب باكستاني «داخلي»، من مرفأ جوادار قرب الحدود الايرانية الى مدينة نواب شاه في قلب باكستان، حيث يتّصل بشبكة التوزيع الوطنية للغاز ويغذّي كراتشي وحيدر آباد والمدن الكبرى. امّا وصل الأنبوب من جوادار الى الحدود الايرانية، فهو مسؤولية باكستان.
الصحافة العالمية تناقش الموضوع، أساساً، كجزء من خطط الصين لبناء ممرات تجارة ومواصلات وطاقة مع جيرانها ومحيطها؛ الا أن في ما يجري ايضاً أمثولة للكثير من العرب الذين صدّقوا الخطاب الخليجي عن حرب اليمن، ورأوا انّهم في قلب «هبّة» للعالم الاسلامي، وأن جيوش باكستان والمغرب واندونيسيا ستصطف معهم لتقاتل. أن يشتري الخليجيون نخب باكستان شيء، امّا اقناع البلد بأن يزجّ بأبنائه في حربٍ غير مأمونة، فهو أمرٌ آخر تماماً. الحلف الخليجي بدأ يفهم أنّ العالم لا يهتمّ لأحقاده، ولا يشاركه معتقداته القروسطية ونظرته الى العالم. هو في اليمن وحده، وسيدفع، وحده، ثمن المغامرة بالكامل.