محمّد مصطفى علّوش *‏
أحجم كلّ من الجماعة الإسلامية وتمّام سلام عن خوض الانتخابات ‏النيابية أو ترشيح أحد عن المقعد السنّي الشاغر في الدائرة الثانية من ‏بيروت بعد اغتيال النائب وليد عيدو، ما يسلّط الضوء على دور ‏تيّار «المستقبل» في محاولة استقطاب الطائفة واحتكارها سياسياً منذ ‏مجيئه للسلطة حتى اليوم.‏
‏ما هو معلوم أنّ المؤثّرين في الطائفة والممثّلين لها تاريخياً يمكن ‏حصرهم في ثلاث فئات: الأولى، دار الفتوى، وقد استطاع ‏‏«المستقبل» بعد خروج الجيش السوري من لبنان «تنظيفها» تماماً من ‏كلّ من يختلف مع توجّهاته. وتضمّ الفئة الثانية الأحزاب والجمعيّات ‏الدينية المستقلّة مثل الجماعة الإسلامية والتيّارات السلفيّة. وقد ‏استطاع التيّار التعامل مع التيارات السلفية بشكل جيّد، إذ استقطب ‏الكثير منها ونال رضاها، في حين أنّه تعامل مع الجماعة الإسلامية ‏بالتجاهل تارة، وبالاسترضاء تارة أخرى. أمّا الفئة الثالثة والأخيرة، ‏فتتمثّل بالعائلات السياسية التي تعاقبت على تمثيل السنّة سياسياً. وقد ‏حاول التيار إقصاء هذه الفئة بعدّة وسائل.‏
‏وإذا كان اغتيال الشهيد الحريري وفّر أرضية خصبة للتيّار لتعزيز ‏نفوذه في الوسط السنّي الذي رأى في اغتيال الحريري إقصاءً ‏للوجود السنّي في لبنان، فإنّ الشيخ سعد، الوريث السياسي، لم يكن ‏ليدع هذا التعاطف الشعبي العارم يمرّ من دون أن يسخّره أملاً في أن ‏يتحوّل التيّار بشكل هادئ وسريع إلى الممثّل الأكبر، إن لم يكن ‏الوحيد، للطائفة السنّية في لبنان، على غرار ما يمثّله حزب الله ‏وحركة أمل داخل الطائفة الشيعية. وقد سهّل المناخ الذي عقب ‏رحيل الجيش السوري من لبنان، للتيار أداء هذا الدور. ‏
‏وما جرى في الانتخابات النيابية في عهد حكومة الرئيس ميقاتي ‏سابقاً، هو نفسه يتكرّر في الدائرة الثانية من بيروت حالياً. عزف ‏تمام سلام عن الترشّح تحت ستار «مرشّح وفاقي»، مؤخِّراً إعلان ‏عزوفه حتى اليوم الذي تقفل فيه أبواب الترشيحات. أمّا الجماعة ‏الإسلامية التي تعَدّ كبرى الحركات الإسلامية السنّية المنخرطة في ‏العمل السياسي في لبنان، فقد عزفت عن خوض الانتخابات في ‏الدائرة الثانية من بيروت تحت ستار «الرغبة في الوفاق»، في حين ‏أنها أحجمت عن خوض الانتخابات النيابية الأخيرة في عموم لبنان ‏تحت ستار آخر. وهي في الحقيقة تخفي تذمّراً واضحاً من تزايد ‏نفوذ التيّار داخل الطائفة على حساب قواعدها الشعبية. وهذا ما ظهر ‏على لسان رئيس المكتب السياسي السابق للجماعة أسعد هرموش ‏خلال حوار لي معه حين قال: «نحن مع المشاركة لا المغالبة، نحن ‏ندعو إلى قيام وحدة موقف سنّي إسلامي بين الجماعة الإسلامية ‏ودار الفتوى وتيار المستقبل وبقية المراجع والجمعيات»، معلّلاً ‏الإحجام عن خوض الانتخابات السابقة بالقول: «لم نستطع أن نتفاهم ‏مع تيار المستقبل، ورفضنا أن نكون في الموقع الآخر، أي مع من ‏كانوا يسمّون «قتلة الحريري». لقد كان الأقرب إلينا تيار المستقبل ‏وحزب الله، إلاّ أننا لم نستطع التفاهم معهم، فذهبوا إلى «الحلف ‏الرباعي». ‏
‏وهكذا رأينا سابقاً أنّ التيّار لم يكن راغباً في مشاركة الجماعة ‏الإسلامية النفوذ السياسي، وخصوصاً أنّه وجد الفرصة مؤاتيةً ‏لاحتكار التمثيل السنّي سياسياً بحيث بات قادراً على حصر ‏المرجعية السياسية السنّية فيه. وهكذا نرى حالياً أن الجماعة تعلن ‏عقب لقاء الشيخ سعد العائد من الرياض الأمينَ العامَّ للجماعة الشيخ ‏فيصل مولوي، أنها ترغب في مرشح وفاقي تاركة المجال للشيخ سعد ‏أن يختار مرشحه، لتخفي حقيقة ما وصلت إليه من حجم على صعيد ‏قواعدها الشعبية من جانب ولتوحي للطائفة السنية التي لا يزال ‏تعاطفها مع التيار ساخناً بأنها على انسجام وتوافق مع التيار، أملاً ‏في تحقيق رضا الشارع السنّي الناقم على كل من يختلف مع التيار، أو ‏رغبةً في تفاهم كامل مع التيار يمهد لحلف استراتيجي مقبل يترجم ‏بلائحة انتخابية واحدة بينهما في الانتخابات النيابية المقبلة، ولا سيما ‏أن الأمور قد تتّجه لانتخابات نيابية مبكرة، وما خسرته الجماعة ‏سابقاً من شرف دخول البرلمان، قد تحقّقه هذه المرّة من خلال ما ‏تقدّمه للشيخ سعد من تفاهمات. لكن هل سينزل التيار عند رغبتها ‏في حال استمرار نفوذه داخل الطائفة على ما هو عليه، أم سيعيد الدور ‏الذي أداه معها في المرة السابقة؟... هذا ما ستكشف عنه الأشهر ‏المقبلة.‏
* كاتب لبناني