خورشيد دلي *
لماذا فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التركية بهذا الشكل المدوّي؟ سؤال تقليدي ربما، لكنه يكتسب خصوصيته من أن الحزب الذي حقق هذا الفوز المدوّي والذي يقارب النصر هو حزب ذو هوية وجذور إسلامية في بلد تعدّ العلمانية فيه بمثابة خط أحمر، وفي أحيان كثيرة وضع الجيش الإسلام السياسي في المرتبة العليا من الخطر إلى جانب خطر الانفصال الكردي. عند البحث عن أسباب فوز حزب العدالة والتنمية ينبغي التوقف عند جملة من العوامل والأسباب ولعل أهمها:
1 ــــ كاريزما زعيم الحزب رجب طيب أردوغان، إذ لم يعد هذا الرجل مجرد زعيم حزب سياسي أو رئيس حكومة بل تحول إلى زعيم تركي بامتياز. فأردوغان الذي بدأ نجمه بالصعود منذ تسلّمه منصب رئيس بلدية إسطنبول في منتصف التسعينيات، مروراً بسجنه لأربعة أشهر بسبب تصريحات انتقد فيها النظام السياسي، وليس انتهاء بتسلّمه رئاسة الحكومة، تحوّل إلى شخصية محورية في تركيا إلى درجة ان البعض يشبّهه بأتاتورك نظراً إلى تأثيره الكبير في الحياة السياسية التركية.
2 ــــ قدرة حزب العدالة على استيعاب التحولات الاجتماعية والسياسية في البلاد. فالحزب الذي جاء على خلفية حزب الفضيلة بعد قرار حل الأخير من قبل المحكمة الدستورية العليا، تحوّل تدريجاً من حزب ذي ميول إسلامية إلى حزب اتخذ موقع اليمين المحافظ أو الديموقراطي كما يحبذه أردوغان وغول. وقد اعتمد في ذلك على استراتيجيته المفتوحة على كل فئات الشعب، بدءاً من قاعدته الشعبية الفقيرة، ومروراً بطبقة التجار والمال التي نشطت في عهد حكومة العدالة، ووصولاً إلى الفئات والشرائح التي لا تنسجم مع حزب العدالة أيديولوجياً. إذ يقول أحد أعضاء حزب العدالة: «لقد بحثنا حتى في الحانات والمراقص الليلية عن مؤيدين وأنصار».
3 ــــ الأداء الاقتصادي لحكومة حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية، إذ لا يخفى على أحد ان الحزب أنقذ البلاد من أزمة اقتصادية دفعته إلى الارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي. ونجح في دفع الديون الخارجية، الأمر الذي انعكس إيجاباً في الداخل على صعيد التنمية والاستقرار الاقتصادي، وبالتالي الوضع المعيشي. وقد جعل كلّ ذلك من الحزب بمثابة الأمل في تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي يدفع بتركيا إلى مواقع متقدمة إقليمياً وعالمياً.
4 ــــ قدرة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان على إدارة المعركة السياسية مع الجيش وفقاً لقواعد اللعبة الديموقراطية في البلاد. فقد نجح الحزب مراراً في تجاوز مقصلة الجيش الذي يعدّ نفسه حارساً للنظام العلماني في البلاد. فمن معركة الحجاب إلى معركة التعليم الديني في المدارس والمعاهد والجامعات، وصولاً إلى معركة انتخابات رئاسة الجمهورية، مارس حزب العدالة استراتيجية عدم الصدام مع الجيش، وفي الوقت نفسه، عدم التنازل في هذه القضايا، بما يسمح له ذلك من تحقيق انتصارات تكتيكية صغيرة سرعان ما ترجمها إلى انتصارات استراتيجية كبيرة، كما هي الحال في الانتخابات البرلمانية المبكرة.
5 ــــ اتباع سياسة إيجابية تجاه الخارج، سواء تجاه الدول العربية والإسلامية أو الدول الأخرى، مع الحفاظ على الخيار الأوروبي والسعي إلى تحقيق الإصلاحات المطلوبة لتحقيق الشروط المطلوبة في إطار مفاوضات العضوية. وقد جلب هذا النهج تأييداً وارتياحاً في الخارج نظراً إلى قدرة هذا النهج على الحوار وتجاوز المشكلات التي كانت قائمة بين تركيا والعديد من دول الجوار، ولا سيّما اليونان وسوريا، والدخول في علاقات إيجابية.
معركة ما بعد الانتخابات
بغضّ النظر عن الفوز الكبير الذي حقّقه حزب العدالة والذي يوفّر له أغلبية برلمانية من 340 عضواً بعد فوزه بما يقارب 47 في المئة من الأصوات، فإنّ معركة حزب العدالة تظلّ مستمرّة نظراً إلى مجموعة من الاستحقاقات المصيريّة في المرحلة المقبلة. ولعل من أهم هذه الاستحقاقات:
1 ــــ إنّ الحزب، وبغية توفير النسبة اللازمة لتمرير قراراته في البرلمان، بحاجة إلى ما يقارب أصوات 27 عضواً في البرلمان. وهو في هذه الحالة إمّا سيتحالف مع الأصوات الكردية، ويبدو أنّ هذا ممنوع عليه كي لا يصطدم مع الجيش والقوميين، وإمّا أن يتحالف مع الحزبين العلمانيين اللذين دخلا البرلمان. والاتفاق مع الحزبين يعني الاتفاق مع الجيش مسبقاً، ويبدو أنّ مثل هذا الاتفاق لم ينضج بعد، وهو بحاجة إلى تجاوز العديد من القضايا والإشكاليات التي قد تصل إلى مستوى تقديم التنازلات من قبل حزب العدالة والتنمية.
2 ـــــ أزمة رئاسة الجمهورية. والتحدي هنا هو هل سيعيد ترشيح عبد الله غول إلى منصب الرئاسة الأزمة السياسية إلى المربع الأول، بما يعني ذلك مجدداً حل البرلمان والتوجه إلى انتخابات مبكرة من جديد؟
3 ـــــ التحدي الثالث يتعلق بكيفية التعامل مع المشكلة الكردية. فتركيا التي حشدت قرابة مئتي ألف جندي بالقرب من الحدود العراقية باتت أمام عدة خيارات لجهة التعامل مع المسألة الكردية، على نحو: هل تجتاح شمال العراق لضرب قواعد حزب العمال الكردستاني هناك؟ أم ينبغي الضغط على حليفتها الولايات المتحدة والحكومة العراقية للتحرك بهذا الشأن؟ وفي العمق هل يتعلّق التحرّك العسكريّ التركي تجاه شمال العراق بحزب العمال الكردستاني أم بولادة الدولة الكردية هناك والمخاوف التركية من هذه الدولة؟ أردوغان يدرك قبل غيره وقد تحدث قبل أسابيع عن أن المقاتلين الأكراد الأتراك موجودون بشكل أساسي في تركيا وأن عددهم في شمال العراق لا يتجاوز 500 شخص، وبالتالي فإن التحدي هنا هو في الداخل، وخاصة بعد دخول 24 نائباً كردياً البرلمان حيث من المقرر أن يشكلوا معاً كتلة برلمانية تابعة لحزب المجتمع الديموقراطي القريب من حزب العمال الكردستاني. والتحدي هنا هل يكون دخول هؤلاء النواب البرلمان فرصة لوضع المشكلة الكردية في إطار الحل السلمي وإنهاء فصول القتل والدم التي بلغت ضحاياها عشرات آلاف القتلى والجرحى خلال السنوات الماضية؟ تحد كبير، لكن ليس في تركيا أقدر من أردوغان على مواجهته والدفع به نحو بوابات الحل، وخاصة أن ذلك بات جزءاً من مسيرة السير نحو العضوية الأوروبية.
الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية نقله إلى مرحلة جديدة من قيادة البلاد، والتحدي في هذه المرحلة ليس في كيفية الحفاظ على هذا الفوز بل في كيفية الاستمرار في مسيرة الصعود وسط التحديات والاستحقاقات
المصيرية.
* كاتب سوري