ألبير فرحات *
الدعوة التي وجّهها اتحاد الكُتّاب اللبنانيين إلى بعض الهيئات الثقافية إلى موقف وطني جامع لإطلاق «ميثاق الحياة» الذي يريده الاتحاد شرعة للبنانيين الشرفاء الذين لم تلوّثهم أمراض الانقسام، ولم تجرفهم رياح الجنون إلى حيث الخراب والموت، هذه الدعوة قوبلت بتلبية واسعة تجلّت في الاجتماع الذي عقد عصر الخميس في 19 تموز الجاري في قاعة نقابة الصحافة وبحضور النقيب البعلبكي وممثل عن نقيب المحررين، وهو الاجتماع الذي ساهم فيه العديد من ممثلي تلك الهيئات في نقاش الورقة التي قدمها الاتحاد، أثاروا خلالها عدداً من القضايا والإشكالات الخاصة بالموضوع والجديرة بالمتابعة والبحث.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تحصل هذه المبادرة في أيام الذكرى السنوية الأولى لحدث بالغ الأهمية في تاريخنا المعاصر، ألا وهو دحر العدوان بقوى المقاومة والشعب، وتحطيم أسطورة ذلك العدو الذي لا يُغلب.
ذلك أن تلك القوى التي وجدت نفسها عارية حتى من ورقة التين إزاء ما حصل، لم ترَ من ردّ تواجه به التاريخ إلاّ في ذلك الزعم الكئيب القائل بأن مَن انتصر هو «ثقافة الموت»، وتنادت، أي هذه القوى، إلى عقد ندوات شارك فيها مثقفون من أبناء الردة وأيتام الهزيمة في محاولة منهم لتغطية الشمس الساطعة بمناخيل الظلام.
من هنا، في رأينا، عدم الوقوع في ذلك المفهوم النخبوي والنرجسي للمثقف الذي ينأى عن رؤية حقيقة أن هناك مثقفين يسعون إلى أهداف متعارضة ومتناقضة، وأن هناك مَن يضع مواهبه في سياق الدعوة إلى مبادئ الحق والخير والجمال، فيما يرضى آخرون لأنفسهم هدفاً أن يضعوا مواهبهم في خانة تضليل الناس عن حقيقة القيود التي يسعى أهل الظلم والشر والبشاعة تكبيل نفوسهم، قبل أيديهم، بها.
غير أن هذا لا يعني أنه ليس للمثقف دور، ودور متميز في مجتمعه لا يقتصر على ترداد ما يقوله أهل السياسة، حتى الأفاضل منهم، ولكن بأشكال للتعبير أرقى وأجمل. كلا، ليس شأن المثقف، كما قال البعض، أن يعبّر بلغة فصحى عمّا يقوله السياسي بالعامية، وأن يحاكم الحياة من برجٍ عاجيّ ما، بل عليه أن يكون، كما قال عمر فاخوري، «أديباً في السوق»، يتعاطف مع قضايا الناس والمجتمع، وينقد هذا المجتمع، ويطرح الإشكاليات الكبرى للحياة، بما فيها الحياة السياسية ولا شك، ولكن من تلك الزاوية التي تتعلق بمصير الإنسان في رحلته الطويلة بحثاً عمّا سبق أن أشرنا إليه: أي مبادئ الحق والخير والجمال، أو عليه أن يكون، كما قال غرامشي، «مثقفاً عضوياً».
وفي ظننا أن نجاح الدعوة التي أطلقها اتحاد الكُتّاب اللبنانيين يستلزم، بين ما يستلزم، السعي لكي لا يتحوّل التجمّع الذي دعا إليه إلى تكتّل سياسي جديد بين التكتّلات الموجودة في البلد، وما أكثرها، التي لا تتميّز بشيء مهم إحداها عن الأخرى، والتي لا تحمل صفة مميزة لها، بحيث يمكن أن تتحوّل إلى زيادة في العدد، من دون أن تشكل إضافة نوعية.
من هنا ضرورة التفتيش عن أشكال اجتماع وأساليب عمل غير مسبوقة، تتمتع بالمرونة، وبالقدرة على الحوار والنقاش، من دون الحطّ من قدر الرأي الآخر الملتزم بالهدف النهائي، ولكن الذي يتحفّظ على الأولويات والأشكال والأساليب.
على أن هناك مسألة أخيرة نودّ طرحها: هل المطلوب فقط جمع الهيئات الثقافية، أم المطلوب الذهاب إلى أبعد من ذلك، أي دعوة أهل الثقافة أفراداً قد لا يمثّلون هيئات، إلى المشاركة في هذه الورشة الثقافية التي لا غنى لها عنهم، والتي تغتني بهم؟
* محامٍ لبناني