رياض صوما *
في مطلع هذا الصيف، تبدو جبهات المواجهة بين الأميركيين وأخصامهم حامية رغم استمرار الحوارات في مختلف الاتجاهات. فشل مؤتمر بغداد الأول، ثم فشل مؤتمر شرم الشيخ في ضبط الحريق العراقي. وبلغت خسائر الجيش الأميركي خلال شهر أيار الماضي أكثر من من مئة وعشرين قتيلاً وهو من أعلى أرقام الخسائر منذ الغزو. ولوحظ كذلك في الفترة نفسها، ارتفاع خسائر الأطلسي في أفغانستان. واستمر تصاعد الأزمات على امتداد الشرق الأوسط الكبير. تعثرت التسوية التي كانت قد حققتها المملكة العربية السعودية، فلسطينياً ولبنانيا، إذ عاد الاقتتال الى شوارع غزة بين فتح وحماس، ولم يتوقف إلا خجلاً، بعد تصاعد العمليات الاسرائيلية سواء في غزة أو الضفة. ثم اندلع القتال العنيف بين الجيش اللبناني و«فتح الإسلام» في طرابلس ونهر البارد، بعد زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، السيد ولش الى لبنان. واستمر تصاعد التوتر بين الفريق الحاكم في بيروت والمعارضة، بعد إقرار المحكمة الدولية. ولم تؤدّ الاتصالات المعلنة وغير المعلنة بين السوريين والايرانيين من جهة، وإدارة بوش من جهة أخرى، بما فيها لقاء بغداد الأخير بين السفيرين الايراني والأميركي، الى إحراز أي تقدم ملموس. فقد تابع المسؤولون الايرانيون توجيه الاسئلة المحرجة لقادة الأطلسي: «لماذا يحق لكم أنتم وإسرائيل امتلاك الصواريخ النووية، ولا يحق لنا مجرد امتلاك التقنية النووية السلمية؟ والوضع على الصعيد الدولي ليس أفضل حالاً. فقد سمع العالم خلال الأشهر الماضية نبرة روسية، كاد ينساها. فقد سبق أن وصف الرئيس الروسي بوتين السياسة الاميركية بالسياسة العدوانية المهددة للسلم العالمي، وبعض المسؤولين الاميركيين بأنهم يشبهون القادة النازيين. ثم أكد أن موسكو ستردّ على الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا بالانسحاب من معاهدة الحدّ من القوات التقليدية في أوروبا، وبتطوير قدراتها الصاروخية الهجومية. ثم عاد وقال صراحة، لوزيرة الخارجية الأميركية غوندوليزا رايس خلال زيارتها الأخيرة لموسكو، وبعدها للمستشارة الألمانية خلال لقائهما الأخير: «لقد ولّى زمن الضياع الروسي. إن روسيا ستدافع عن حقوقها ومصالحها بالصلابة نفسها التي تدافعون بها انتم عن مصالحكم، فلماذا يحق لكم ما لا يحق لغيركم؟». وقد رد جورج بوش باتهام بوتين بإعادة أجواء الحرب الباردة. من الواضح أن استمرار التوترات الإقليمية والدولية يعود الى عدم تراجع ادارة بوش عن سياسة المجابهة، وسياسة «الفوضى البنّاءة»، رغم تعثرها وخسائرها الفادحة. لقد ردّت ادارة بوش على صمود أخصامها بقبول تحدي الاستنزاف المتبادل، مراهنة على قدرتها على إرهاقهم، وتشديد حصارها العسكري والسياسي والاقتصادي عليهم. وما يؤكد هذا الاستنتاج ، جولة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الأخيرة الى الخليج، والتي أعلن أن هدفها إقناع «أصدقاء» الولايات المتحدة بأنهم سيدفعون ثمناً لا يقل عن ذلك الذي ستدفعه الولايات المتحدة في حال الفشل، وبالتالي ضرورة المشاركة بنشاط في مواجهة قوى الاعتراض والممانعة في المنطقة. كذلك يؤكده إصرار ادارة بوش على المضي بإقامة الدرع الصاروخية في بولونيا وتشيكيا، رغم ردة الفعل الروسية القوية. وكذلك اعلان روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي رغبة ادارته في إنشاء قواعد عسكرية دائمة في العراق، مثلما هو قائم في كوريا الجنوبية. وأخيراً وليس آخراً استئناف المناورات البحرية قبالة السواحل الايرانية. وبالتالي، فإن جولات العنف المنتشرة حالياً على امتداد المنطقة، ستكون مرشحة للتصاعد في المدى القريب، اذا استمرّ التوجّه الأميركي المشار اليه. وستصل بالضرورة الى مستوى تصبح معه أكلافها مرهقة للجميع، مما سيفرض اعادة النظر بإيقاعها. ولعل اشارة جورج بوش الاخيرة إلى أنه يفكر بإعادة النظر بخططه في العراق والمنطقة، في أواخر الصيف، تعزز احتمالاً كهذا. فمنذ الخريف القادم سيكون الجمهوريون مجبرين على الاهتمام أكثر بمعركة الانتخابات الرئاسية في 2008، وستصبح انعكاسات الخسائر البشرية في القوات الأميركية كارثية بالنسبة إلى حظوظ المرشح الجمهوري. وكذلك روسيا، سيكون عليها في العام عينه، الاختيار بين التجديد لبوتين، الذي ارتفعت اسهمه كثيراً في الآونة الأخيرة على الصعيدين الروسي والعالمي، وبين انتخاب خلف له، يتابع نهجه بتدعيم الوضع الاقتصادي والعسكري لروسيا، وتعزيز عودتها الى صدارة القرار الدولي. وإيران من جهتها، ستكون مشغولة بتثبيت مكتسباتها السياسية في العراق والمنطقة، وفي اجهاض مناخ التوتر المذهبي التي أثير في وجهها، وفي تنظيم انتقال قدراتها النووية من الحيّز البحثي الى الحيز الصناعي. وسوريا بدورها، ستكون لها مصلحة بإعادة هيكلة سلطتها بعد التجديد للرئيس بشار الاسد، وتثبيت وضعها السياسي والاقتصادي، بعدما نجحت في كسر حدة الضغوط السياسية والعسكرية والاعلامية التي تعرضت لها طوال السنتين المنصرمتين. وحتى المملكة السعودية سيكون من مصلحتها وقف الانهيار الحاصل في النظام الاقليمي، لأنها ستكون من بين الخاسرين في حال استمرار التدهور. فقط اسرائيل، وبقايا المحافظين الجدد، والأصوليون العدميون، لهم مصلحة مشتركة بتواصل الانهيار، في النظامين الإقليمي والدولي. فهل تكون جولات العنف المندلعة من أفغانستان الى المغرب، والتي تهدد بانزلاق الشرق الاوسط الكبير الى الفوضى الشاملة، لا «الفوضى البنّاءة»؟ دافعاً للتفكير بضرورة التهدئة والتفكير بهدنة ما؟. انها هدنة صعبة بالتأكيد، انطلاقاً من حجم الرهانات وجذرية الخلافات. لكن المسارالراهن للأحداث بلغ الخطوط الحمراء. إن الكرة في ملعب بوش وإدارته، فإذا تابع الإصرار على الانتشار العسكري في المنطقة، والتدخل بتفاصيل شؤونها الداخلية، واللعب على توازناتها الإتنية والدينية والسياسية، باسم الديموقراطية تارة، وأمن النفط والحرب على الإرهاب تارة أخرى، فليس امامنا سوى انتظار المزيد من الكوارث، إذ ليس تفصيلاً أن يبلغ الغضب بشخصية أكاديمية وسياسية رصينة وهادئة، أي رئيس الهيئة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، حدّاً يدفعها إلى وصف رجال بوش ومعاونيه بالمجانين. لكن ليس أمامنا سوى الأمل بأن يقدم رئيس المجانين هؤلاء على اعادة نظر حقيقية في سياساته في أيلول المقبل، لا إعادة بيعنا البضاعة نفسها بغلاف جديد.
*عضو المجلس الوطني للحزب الشيوعي اللبناني