من يحمي من؟
  • د. جود حاتم حيدر

    ضربة معلم! لممسك بكل الخيوط السياسية والأمنية والمخابراتية اللبنانية والإقليمية والدولية، فإذا بالجيش اللبناني يقع في أيدي الغدر. عملية محسوبةومنفذة بإتقان، وضعت جميع الأطراف اللبنانية والفلسطينية في حالة حرج وإرباك وهلع. فإذا بالجيش يتفاعل بلحظتها ويتصدى بشكل تلقائي ودقيق وحاسم، راسماً خطوطاً حمراء لكل الأطراف المحلية والدولية، وحاصراً الأزمة بمنافذ مخيم نهر البارد. جيش ترسخت مبادئه في عقيدة الوحدة ورفض الطائفية، وقد أكسبته تجارب السنين الأخيرة حرصاً على الأمن القومي. قرار حازم راعى به كل معاهدات حقوق الإنسان والاتفقات الدولية، وتصرف لا يمكن أن يصدر إلا عن جهة حكيمة وقادرة. خلال هذا، علت الأصوات داعية إلى الحسم العسكري من كل اتجاه! فليرتبك المتواطئ خوفاً من الارتدادات المعاكسة، وكذلك المدافع خوفاً على البصرة من الخراب. فالتشابه شبه كامل بما جرى في 25 نيسان 2007، حين تلقف الجيش اللبناني الفتنة في صدور الجنود والضباط، ليفرض فوراً حالة طوارئ في بيروت فاسحاً المجال للحل السياسي.
    يجب حماية الجيش وهيبته! منطق يدل على انفصام حقيقي للذات، كمن يحمي ظاهرة غريبة عن ذاته، وفي الوقت نفسه يراها خشبة خلاص. تكمن الغرابة في وجود مجموعة لبنانية لا تتفاعل طائفياً وتؤكد أنها قادرة على العيش المشترك ولها المصير نفسه. وحدة الجيش لم تأت من فراغ، بل بنيت بوحدة الدم وجهد المسار، وترسخت صلابة مع اشتداد الأزمات، رسالة أخوة ليقتدي بها كل الناس. فالجيش من هذا الشعب، لا خوف يكتنفه، إن عاشوا عاش، وإن ماتوا مات. البرهان شاخص للعيان، فمنذ استشهاد رفيق الحريري، مروراً بكل الأزمات والحرب الشعواء، والجيش سترة الرصاص، والجيش يستغاث به ولا يستغيث. فالحرص على الجيش هو حرص على الذات والتحريض السياسي مكشوف المراد.
    واجب التضحية والفداء يتجلى بطهارته من دون انفصام، محبطاً كل محاولات التفرقة والتسلط، فاضحاً فجوات الطائفية وعيوبها واتفاقاتها، ومؤكداً لكل مواطن أن مثال الجيش هو المخرج، وذلك بصوغ آلية دستورية تضع لبنان على مسار موحد لشعبه يخرجه من طائفيته، ويمكِّنه من التصدي لكل التحولات الإقليمية والدولية. آن الأوان لتطبيق منطق الأمن القومي ومنع منطق الإدارة الذاتية وأمن الطوائف.


    فرصة انتظار إيجابية

  • د. جميل محمد محيدلة

    الحقيقة كيان ثابت. لكنها كالكرة الزجاجية لا تُطَوَّع ولا تطوى، وهي قابلة للكسر وتقرأ من وجهات نظر مختلفة، وكلٌّ من موقعها، والحل الوحيد لمعرفتها كاملة أن نطوف من حولها دورة كاملة. أما إذا أصررنا على إدارة هذه الكرة في اتجاهنا أو لعبنا بها، وبما أنها ثابتة وهشَّة فستتحطم وتتشظى بمن حولها جميعاً. وهذا للأسف ما يحدث في لبنان.
    ألم يعِ أقطاب السياسة أنَّ خلاص الوطن هو في ذهاب كل منهم إلى الطرف الآخر حتى يشهد ويبصر مخاوف ورؤى الجهة المقابلة بدلاً من أن يستبصر الحلول وفقاً لما يراه مناسباً لحقيقة مصالحه من زاويته الخاصة لمحور كرة الحقيقة. عندما نتنازل لشريكنا في الوطن ننتصر جميعاً، فلم لا تتنازل المعارضة عن موقع رئاسة الجمهورية وتتنازل الموالاة عن رئاسة الحكومة؟
    ألم يعِ الجميع أنّ أيّ مشروع سياسيّ (انتخابات) أو قضائيّ (المحكمة الدولية) يجب أن يقرأ من كتاب التسوية التوافقية (أسمى من الدستور وكتاب القانون) وهو كتاب وحدة اللغة التي يفهمها الجميع. إنَّ أي حلّ داخلي، بتوافق أو تسوية، يخرج بنسيم عليل ينعش هذا الوطن المخنوق الأقدار. وأي حلّ خارجي مستورد مهما علا شأنه لا يمكنه أن يفهم التوازنات الدقيقة التي يقوم عليها لبنان، وحتى إذا تنفس مشترعوه الصعداء من، فذلك سيكون مرحلياً حيث ستعصف لاحقاً رياح مدمرة تأتي على كلّ غرسة نصبت في جوِّ وفاق زائف ومصطنع في ظلّ خيمة لا عماد لها. وحتى لا نسير بركاب الهيمنة الخارجية، دعونا نقم برحلة السنتين، تبدأ بتعديل الدستور لصالح انتخابات رئاسية مبكرة مع رئيس للجمهورية ينتخب لمدة سنتين تنتهي صلاحيته مع حلول الانتخابات النيابية المقبلة (ربيع 2009) ممثلاً الموالاة واعتباره رباناً لسفينة النجاة وإلى جانبه رئيس للحكومة من المعارضة أو حياديّ (الرئيس الحصّ ـــــ الرئيس ميقاتي...) لإدارة دفَّة هذا الوطن وطاقم من الوزراء مناصفة بين الموالاة والمعارضة حتَى يبحروا جميعاً بهذا الوطن إلى أرض الخلاص ونحو زمن سياديّ خارج الارتهان ّ.