ناصر الأتات *
1 ــ مدخل تحليلي:
بتاريخ 30/5/2007 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار الرقم 1757 المتضمن إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ولمعرفة الآثار القانونية لهذا القرار على صعيد المحكمة ذات الطابع الدولي لا بد من تعريف هذا الفصل وما يتضمن من بنود أو مواد قانونية وإجراء دراسة قانونية لهذا القرار.
في البداية جاء قرار مجلس الأمن الرقم 1664 تاريخ 29 آذار 2006 بالموافقة على إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتورطين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. وقد نص البند الرقم (1) من هذا القرار على تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بالتفاوض مع الحكومة اللبنانية لعقد اتفاق معها وتحديد الأسس (النظام الأساسي) والتفصيلات (النظام الإجرائي) المتعلقين بهذه المحكمة.
وقد نص البند الثالث من القرار الرقم 1664 على أن مجلس الأمن يطلب من الأمين العام إبلاغه في الوقت الملائم بتقدم المفاوضات مع الدولة اللبنانية في موضوع المحكمة وتقديم مسودة اتفاق تم التفاوض عليها مع الحكومة اللبنانية مع الحرص، وكما جاء في الفقرة الثانية من هذا القرار (1664) وفي مقدمته، على تأكيد احترام استقلال لبنان وسيادته.
هذا الحرص على احترام السيادة يستتبع حتماً وجوب عمل إجراءات دستورية تسبق الموافقة على الاتفاق هذا الذي تشكل هذه الإجراءات جزءاً أساسياً من سيادة الدولة اللبنانية وفقاً للمادة 52 من الدستور اللبناني، وبمعنى آخر فإنه لا بد من إصدار قانون يوافق عليه مجلس النواب في شأن اتفاق المحكمة ذات الطابع الدولي.
ومن العودة الى قواعد القانون الدولي العام نجد أن هذه القواعد لا تسمح لأية جهة خارجية بانتهاك سيادة دولة ما من خلال فرض اتفاق عليها لم يتم إقراره وفقاً لدساتيرها، وقد نصت المادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يسوّغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما».
ومن العودة للقرار الرقم 1664 لا يستطيع مجلس الأمن وفقاً لهذا القرار أن يتجاوز موافقة الدولة اللبنانية الصادرة وفقاً للإجراءات التي يحددها دستورها، ويُجري اتفاقاً على النصوص مع نفسه، ويحل مكان لبنان في هذا الأمر، بل عليه ووفقاً لقواعد القانون الدولي أن ينتظر حتى يصله قرار من الدولة اللبنانية مستكمل لإجراءاته الدستورية أي توافق إرادتي كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وفقاً للمادة 52 من الدستور اللبناني.
لم ينتظر مجلس الأمن الدولي توافق هاتين الإرادتين فأصدر القرار الرقم 1757 المستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
يتألف الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من 13 مادة مرقمة من المادة 39 الى المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة، وقد عنون هذا الفصل على الشكل التالي (في ما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان)، بمعنى أنه ينبغي بالضرورة أن تدخل تحت مدلول الوصف الوارد فيه أي حالة تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين أو إخلالاً بهما أو عدواناً من دولة على أخرى، بمعنى انه إذا لم يتوافر هذا الوصف في حالة ما فإنه لا يمكن قانوناً إدراج هذه الحالة ضمن الفصل السابع، مع الإشارة الى أن مجلس الأمن يضع يده عفواً على أي مسألة تتوافر فيها حالات تهديد السلم والأمن الدوليين أو عدوان من دولة على أخرى، عندئذ يتمتع مجلس الأمن بسلطة اتخاذ القرارات والتدابير التي يراها مناسبة (هذا يعود لسلطته التقديرية المطلقة) مثل وقف العلاقات الاقتصادية، المواصلات الجوية ـــــ البحرية ـــــ البرية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، أو اتخاذ تدابير عسكرية، إضافة إلى أن مجلس الأمن، وهذا هو المهم ووفقاً للمادتين 43 و48/2، عندما يصدر القرار بالاستناد الى الفصل السابع فإن هذا القرار يسري على جميع الدول ولا يمكن أية دولة أن تتنصّل منه بحجة أنها لم تكن فريقاً أو شريكاً في الاتفاق أو أنها لم تكن موافقة على هذا القرار.
ووفقاً لعنوان الفصل السابع (في ما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان) نسأل: هل الحالة اللبنانية (المحكمة ذات الطابع الدولي) تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين أو إخلالاً بهما أو عدواناً من دولة على أخرى؟
في الفقرة 25 من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول المحكمة، استبعد أن تكون هذه المحكمة قد أُنشئت استناداً الى القانون الدولي الإنساني والجرائم ضد الإنسانية حيث جاء في هذه الفقرة «غير أنه باعتبار الآراء التي أعرب عنها أعضاء مجلس الأمن المهتمون بالأمر لا توجد حجج كافية لإدراج الجرائم ضد الإنسانية ضمن موضوع اختصاص المحكمة ولهذا السبب اقتصر تعريف الجرائم على الجرائم العامة ضمن قانون العقوبات اللبناني».
وجاء في مقدمة الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية النص التالي «بما أن مجلس الأمن في قراره الرقم 1664 المؤرخ في 29 آذار 2006 الذي استجاب فيه طلب حكومة لبنان إنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع المسؤولين عن الجريمة الإرهابية التي أودت برئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وآخرين... إلخ»، حيث لم تشر تسمية الجريمة إلى أنها ضد الإنسانية بل جريمة إرهابية، ما يعني، ومع ضخامة وهول الجريمة التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تركت من آثار كارثية بكل معنى الكلمة، أنها لم تصل الى حد تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال بهما، والدليل على ذلك كما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في الفقرة 25 وفي مقدمة الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية، فضلاً عن أن لبنان كان قد شهد حرباً أهلية قُتل فيها الآلاف بينهم قادة ورؤساء جمهورية ورؤساء وزراء وشنّت إسرائيل على لبنان عدة حروب مدمرة من دون أن يعتبر مجلس الأمن أن في ذلك عدواناً أو إخلالاً بالسلم والأمن الدوليين؟؟!!
والآن وبعد صدور القرار الرقم 1757، قرر مجلس الأمن ضمناً أن الحالات الثلاث (تهديد الأمن والسلم العالميين والعدوان) متوافرة مع العلم بأنه لا بد من ذكرها صراحة في قراره الأخير وهذه مخالفة جوهرية وقع فيها مجلس الأمن للمادة 39 التي نصت على وجوب أن يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين (41) و(42) لحفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما الى نصابهما، وفي ضوء ذلك وإذا أراد مجلس الأمن تحديد شروط التدابير التي سوف يقررها فإنه ينبغي عليه أن يصدر قراراً يعتبر فيه أن الحالة اللبنانية تهدد السلم والأمن الدوليين أو فيها إخلال بالسلم والأمن الدوليين أو تشكل عملاً من أعمال العدوان أو تتوافر فيها هذه الحالات الثلاث مجتمعة.
لكن أياً من هذه الحالات، كما أوضحنا، لا تتوافر في الحالة اللبنانية وهذا ما جعل مجلس الأمن يصدر القرار الرقم 1757 من دون ذكر هذه الحالات.
2 ــ الآثار القانونية للقرار 1757:
1 ــ الإلغاء الضمني للقرار 1664 تاريخ 29 آذار 2006، بمعنى أنه لم تعد التسمية للمحكمة (ذات الطابع الدولي)، بل أصبحت محكمة دولية إذ إن المحكمة ذات الطابع الدولي هي محكمة مختلطة بين الأمم المتحدة ولبنان، وأما عندما تصدر هذه المحكمة بموجب الفصل السابع (القرار 1757) فلا تعود محكمة مختلطة بل تصبح محكمة دولية لأنها أصبحت محكمة صادرة من قبل طرف واحد وهو الأمم المتحدة (مجلس الأمن) وتسمى بعد صدور القرار محكمة دولية خاصة.
2 ــ استبعاد أي دور للقضاة اللبنانيين بحيث لم يعد تنظيم هذه المحكمة متوافقاً مع المادة الثامنة بفقرتيْها باء وجيم، لأن المحكمة لم تعد محكمة مختلطة بل محكمة دولية خاصة، وبالتالي لم يعد ملزماً وجود قاض لبناني في دائرة المحاكمة وقاضيين لبنانيين في دائرة الاستئناف.
3 ــ استبعاد الحكم بموجب قانون العقوبات اللبناني.
4 ــ قبل صدور القرار 1757 كان الاتفاق بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة وفقاً للقرار 1664 يدخل ضمن الإطار التعاقدي الذي لا يمكن أن يندرج ضمن اتخاذ تدابير قمعية تؤدي حكماً في حال حصولها الى بطلان أي اتفاق أو إجراء قانوني ينتج منه مهما كان نوعه على أساس أن الرضى شرط أساسي لصحة انعقاد الاتفاقات، ولكن بعد صدور القرار لم تعد موافقة الدولة اللبنانية لازمة في أي تدبير تتخذه الأمم المتحدة، ما يشكل انتقاصاً فاضحاً وإلغاءً لأي دور للسيادة اللبنانية ضمن الإطار التعاقدي.
5 ــ لجوء مجلس الأمن الى التدابير المنصوص عليها في المادتين 41 و42 من الفصل السابع، وهذا ما يُتخوّف منه مستقبلاً على لبنان بشكل خطير ويجعل لبنان مكشوفاً وفقاً لهاتين المادتين لكل أنواع التدخلات وغيرها.
في خلاصة الأمر أن القرار 1757 جاء مخالفاً لعنوان الفصل السابع وجاء مخالفاً لنصوصه ولغاياته وأهدافه.
* خبير في القانون الدولي الإنساني