عقل حمية
«فجأة جاءت أحداث الشمال وخلال أيام قليلة تحوّل تيار المستقبل إلى شبيه للكتائب في منتصف السبعينيات وإلى شبيه لـ«أمل» في منتصف الثمانينيات، وها هو اليوم يضجّ بمواقف عنصرية ضدّ الفلسطينيين في مخيمات لبنان لأنهم لا يعرفون مصلحتهم ولأنهم يؤوون مخرّبين وإرهابيّين. وثمّة أوصاف نعت بها هؤلاء لم يكن هناك أقسى منها في قاموس ميليشيات لبنان...».
بدهشة كبيرة مرّت تلك الكلمات أمامي بقلم الأستاذ إبراهيم الأمين، وهو السيّد المحصّن ثوريّاً وجنوبيّاً. ورحت أكرّر القراءة وبقيت الكلمات ومعانيها «مواقف عنصرية ضد الفلسطينيين...؟»، ومن أيّ جهة أتت هذه المواقف في الثمانينيات!...
من أبناء الإمام موسى الصدر ومن الأفواج المقاومة التي أدخلت الجميع ــ بتصدّيها للسابع عشر من أيار ــ أدخلتهم الى عصر عولمة المقاومة والاستشهاد والتحرير. هنيئاً لمن يتشبّه بحركة الإمام موسى الصدر، فلا شك سيكون من الفائزين وهو على حق... هذا ما نعرفه وما نريد أن يعرفه غيرنا.
وبدهشة أكبر عند سماعنا بيان القاعدة في بلاد الشام بالمضمون نفسه.
وبالعودة الى تلك المرحلة، علينا أن نتذكر فقط سياق الأحداث حين قامت انتفاضة 28 آب 1983، وسيطرت الحركة على الضاحية الجنوبية... هنا عاد الحلم الفلسطيني بالعودة المسلحة الى بيروت وكنا نحرج كثيراً بعدم السماح لعدد كبير من الرموز الفلسطينية بالدخول الى بيروت وباعتقال البعض الآخر... وعلى ما أذكر في أول زيارة قمت بها الى دمشق مع الأخ نبيه بري بعد الانتفاضة، وبعد اجتماع مع قادة الفصائل الفلسطينية في الخارجية السورية بحضور نائب الرئيس عبد الحليم خدام، وقف الأخ نبيه وأدلى بتصريح أمام قادة الفصائل وقال بالحرف الواحد:
«المخيمات بحاجة الى بطانيات لا الى بطاريات وما يصيبنا يصيبكم». ولكن حساب البيدر لم يتطابق مع حساب الحقل، وكانت الضغوط علينا من قوى السلطة التي تدكّ مناطقنا. ومن دون تفصيل مملّ وإطالة، وصلنا إلى التاسع عشر من أيار 1985 حين فوجئنا بانتشار للمسلّحين الفلسطينيّين في محيط المدينة الرياضية وقصر حمادة والعاملية ومسجد الرسول الأعظم، وسقط العديد من الشهداء والمسؤولين العسكريين، المهندس علي الغضبان وعدنان حلباوي وعشرات غيرهم. فإذا بنا أمام حرب لم نخطط لها وأتت في وقت مواجهة عنيفة مع الإسرائيليين في الجنوب ومع قوى أخرى في السلطة اللبنانية. وتبيّن لنا في ما بعد أن السبب هو انتشار الصيت الطيب المقاوم الذي حققته مقاومتنا في الجنوب حيث فشل الآخرون لعشرات السنين على الرغم من تكديس السلاح والعتاد والأموال والشعارات. جُررنا الى حرب في الداخل لتشويه صورتنا حتى نبدو جماعة تقتل جارها وتستقوي على اللاجئين ويضيع بذلك انتصارنا على الصهاينة.
وهكذا أدخلونا في النفق المظلم وعشنا آلام الأيام السوداء. حرب من دون قناعة ولا مبرر لها على الأقل من طرفنا. لكننا في النهاية نقول لو لم نتصدَّ في تلك المرحلة، لكانت الفاكهاني بدل رام الله وما كان هنالك من سلطة داخل فلسطين المحتلة.
فتحيّة الى شهداء أمل الذين رسموا بدمائهم الزكية حدود الوطن وأرسوا قيام الدولة اللبنانية الحالية.
كل ما أردت قوله هو أننا ظلمنا عام 1985 وما بعدها، ولم نكن عنصريين ولم نحاصر المخيمات ولم نكن البادئين. وما زالت قناعتنا بأنّ «المخيّمات بحاجة الى بطانيات لا الى بطاريات». ونتساءل هل التاريخ يعيد نفسه ونبقى نحن الضمانة للناس نحمي الوطن والدولة ونحفظ حقوق المحرومين في أرضهم والمحرومين من أرضهم...
ولأجل كلّ هــــــــــذا يجـــــــــب أن نحمي الجيش والقوى الأمنية. فــــــــبثبات مواقف قـــــــــيادته وضباطه وأفــــــــراده والتفافنا حوله عملياً لا خطابياً نبقي على القدس عاصمةً لفلسطين ونحمي أجيال ثـــــــــــورة تلهب الأرض في الداخل بوجه المحتلين ونصون وطننا لبنان ليبقى شامخاً بفضل بسالة جيشه ومقاومته وشعبه... وسنبقى صدريّين حتى العودة.
* عن لسان شهداء «أمل» الذين رُفعت اللوحات التي تحمل أسماءهم وغُيِّب دورهم كما غُيِّب إمامهم.