لم يكن المواطنون الفلسطينيون، ولا أخوتهم السوريون، من مهجّري مخيم اليرموك، بحاجة إلى مذبحة الأول من نيسان/ ابريل، لإعادة التذكير بحجم الكارثة التي ضربت مخيمهم، وحياتهم وممتلكاتهم واستقرارهم، في النصف الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2012 والتي أدت لسيطرة الجماعات المسلحة على المخيم وعلى مناطق عدة وبلدات مجاورة له. هذه السيطرة التي تقلصت في العديد من المواقع بعد الانسحابات المتتالية التي جاءت كنتيجة للهزيمة العسكرية التي لحقت بهم، وللغضب الشعبي الرافض لهيمنة تلك الجماعات، والذي عبّرت عنه التظاهرات الرافضة لوجودهم، والمصالحات الشعبية التي أدت لانسحابهم للإسراع في تراجعهم.
كارثة المخيم المتدحرجة

جاءت «غزوة» الأول من نيسان التي نفذها «داعش» انطلاقاً من أحياء منطقة «الحجر الأسود» الملاصقة للمخيم التي يسيطر عليها منذ أكثر من عام، لتكشف حجم التنسيق مع عناصر «النصرة» المهيمنة على أجزاء من المخيم مع حلفاء لها «محليين وغرباء» تتفاوت أحجامهم وعددهم وعدتهم، لكنهم يصطفون في تحالف واسع تحت شعارات متعددة، تنضوي تحت هدف محدد «قتال قوات الجيش السوري والقوى الحليفة له»، انطلاقاً من إيديولوجيا دينية/ مذهبية كما تؤكد مواقفهم المعلنة وإجراءاتهم الميدانية.
سلطة المقاطعة في رام الله تعاملت مع كارثة المخيم بتقديم بعض المساعدات «المهينة»

مرّ ثمانية وعشرون شهراً على احتلال المخيم ونهب ممتلكات المواطنين والمؤسسات الخاصة والعامة، وتهجير سكانه ودفعهم لمراكز الإيواء والمناطق السكنية في دمشق، وإلى الأقطار العربية المجاورة، وإلى اجتياز البحار في قوارب متهالكة لا تصلح لنقل تلك الأعداد البشرية ما أدى لغرق الآلاف منهم، ووصول بعضهم لشواطئ القارة الأوروبية من خلال مافيات منظمة امتدت نشاطاتها لتهجير آخرين، براً، عبر تركيا، في طريقهم لأوروبا. لقد أدت عملية احتلال المخيم لتهجير أكثر من مئة وستين ألف فلسطيني، بقي منهم قبل الـ»غزوة» الأخيرة، حوالى ثمانية عشر ألفاً، ومغادرة ما يقارب سبعمئة وخمسين ألف مواطن سوري، بقي منهم بضع مئات من العائلات داخل المخيم.

حماس... الأكناف

منذ نكبة المخيم أواخر عام 2012 تباينت مواقف القوى والفصائل الفلسطينية، فما بين «النأي بالنفس» و»الحياد الإيجابي» والانحياز لموقف الدولة _ كما عبرت عنه مواقف فصائل التحالف الوطني الفلسطيني_ والالتحاق بالقوى المسلحة التي اجتمعت تحت عناوين مختلفة بالتسميات، لكنها موحدة بالموقف الإيديولوجي والسياسي والميداني من الدولة وحلفائها، انقسم الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي. وإذا كانت بعض الفصائل قد استطاعت تمويه موقفها من خلال لغة ملتبسة «حمالة أوجه»، فإن «حماس» التي كانت تؤكد عبر الإعلام عدم مشاركة أعضائها وأنصارها في حمل السلاح والاصطفاف مع القوى المسلحة التي تقاتل الدولة، قد انكشف موقفها بعد سقوط السور الهش الذي كانت تحاول فيه الحركة حجب مشاركتها واصطفافها مع القوى التكفيرية المسلحة. لقد انهار الموقف الملتبس _الذي صدقه البعض _ كلياً مع تقدم «داعش» في أحياء المخيم. وهذا ما أكده اتصال قياداتها مع الجبهة الشعبية - القيادة العامة، من أجل توفير الدعم والمساندة لـ «أكناف بيت المقدس» التي كانت تنسق مع فصائل مسلحة تقاتل الدولة، وفي مقدمتها «جبهة النصرة».

ازدواجية المواقف

أما سلطة المقاطعة في رام الله المحتلة، فقد تعاملت مع كارثة المخيم، بتقديم بعض المساعدات المالية «المهينة» للمواطنين المهجّرين. فتات من بضع مئات من الليرات، لا تسد جوعاً ولا توفر مأوى. ووفود تتردد على سوريا، تزور مدخل المخيم (دوار البطيخة) وتلتقط الصور، وتناقضات واضحة يطلقها أعضاء الوفد ما بين الكلام المعلن في رام الله ودمشق. إن النهج والسلوك الذي أدارت فيهما ما يسمى باللجنة التنفيذية للمنظمة مقدمات ونتائج كارثة المخيم، لا تتجاوز الدور المتواضع لمنظمة إغاثية، تلقي بالمسؤولية على وكالة الغوث الدولية لتحملها الدور الأكبر، وهو ما حمله بيان اللجنة التنفيذية الصادر أثناء وجود أحد أعضائها الزائر لدمشق والمتناقض مع ما تم التصريح به في دمشق.
تحدث أحمد مجدلاني، عضو اللجنة المكلف بمتابعة الملف مع كل المعنيين بوضع المخيم في دمشق قائلاً: «إن هناك تعاوناً بين سوريا والفلسطينيين من أجل أي خطوات لاحقة تتخذ في مخيم اليرموك والقرار سيكون مشتركاً بين الجانبين لاستعادة المخيم من الإرهابيين الظلاميين الذين يسيطرون عليه الآن». أما عن خيارات المرحلة المقبلة، يضيف: «الخيارات التي كانت مطروحة سابقاً لإنجاز الحل السياسي قضى عليها المسلحون الإرهابيون نتيجة إجرامهم الذي مارسوه من قتل واختطاف واغتصاب الأمر الذي وضعنا أمام خيارات أخرى تذهب إلى حل أمني يراعي الشراكة مع الدولة السورية باعتبارها صاحبة السيادة على
أراضيها».
أما بيان اللجنة التنفيذية للمنظمة فقد شدد على رفض الحل الأمني/ العسكري، بالقول إن «منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الذي تحرص فيه على علاقاتها مع كل الأطراف، تؤكد رفضها الانجرار إلى أي عمل عسكري، مهما كان نوعه أو غطاؤه، وتدعو إلى اللجوء إلى وسائل أُخرى حقناً لدماء شعبنا، ومنعاً لمزيد من الخراب والتهجير لأبناء مخيم اليرموك». كما شدد البيان على «موقف المنظمة الدائم برفض زج شعبنا ومخيماته في أتون الصراع الدائر في سوريا الشقيقة، وترفض تماماً أن تكون طرفاً في صراع مسلح على أرض مخيم اليرموك، بحجة إنقاذ المخيم الجريح. كما ستعمل من أجل وقف كل أشكال العدوان والأعمال المسلحة، بالتعاون مع جميع الجهات المعنية، خاصة وكالة الغوث الدولية وكل الأطراف التي لها مصلحة في عدم جر المخيم إلى مزيد من الخراب والويلات».

موقف الجبهة الشعبية

لكن اللافت، كان موقف بعض الفصائل الأساسية المشاركة بالمنظمة، خاصة، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي دعت في «ضوء المستجد الميداني داخل المخيم وفشل كل محاولات التسوية لإخراج المسلحين من داخله... ومراوحة الأمور في مكانها... فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تدعو الفصائل الفلسطينية كافة إلى الوقفة الجادة والمسؤولة أمام هذا المستجد وأمام معاناة شعبنا على قاعدة أن هناك هدفاً واضحاً وبيّناً وهو تحرير المخيم من كل العصابات الإرهابية وفك الحصار عنه وقطع الطريق على تدميره. وعودة المهجّرين إلى بيوتهم داخل المخيم»، داعية إلى «تشكيل قوة مشتركة من الفصائل الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني... كذلك فإن الجبهة الشعبية تؤكد ضرورة ترجمة الموقف الفلسطيني الموحد السياسي والميداني بهدف تحرير المخيم وطرد العصابات الإرهابية وعودة أهله إليه».

خاتمة

إن موقفاً فلسطينياً موحداً، تنفذه القوى المؤمنة بضرورة تحرير المخيم وإعادته لأهله، ولدوره الوطني والسياسي التاريخي، كأبرز التجمعات الفلسطينية القابضة على حقها بالعودة لوطنها المحتل هو المعيار الحقيقي لدور القوى في تحرير المخيم.
هذا المخيم الذي شكل منذ لحظات تأسيسه خزاناً بشرياً تخرج منه آلاف الفدائيين والقادة والكوادر السياسية. إن ترجمة الأقوال إلى أفعال هي المعيار الحقيقي والترجمة الميدانية لعودة المخيم لوضعه السابق.
*كاتب فلسطيني