strong>أُبيّّ حسن *
تجاهلت وسائل الإعلام السورية، الرسمية والخاصة، تجاهلاً كلياً، زيارة فريد الغادري إلى إسرائيل وإلقائه خطاباً في الكنيست الإسرائيلي بما في ذلك حضّه إسرائيل على عدم الخوض في أية عملية سلام مع النظام السوري، وذلك في إشارة منها على أنها لا تقيم وزناً أو أهمية تُذكر لفريد الغادري الذي ربما كانت غالبية الشارع السوري تجهله لولا زيارته إسرائيل وتقريعه من قبل بعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، وهو تقريع تناقلته وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء كما هو معروف.
وباستثناء بعض المواقع الإلكترونية المقرّبة من السلطات في دمشق كموقع «سيريا نيوز» أو المستقلة كموقع «الجمل» الإلكتروني، وصحيفة قاسيون الأسبوعية الناطقة باسم إحدى الفصائل الشيوعية، وسواها، وكلها اتفقت على إدانة الزيارة من دون أن تعطيها قيمة في الوقت نفسه، وذلك من خلال نقلها ما سمعه فريد الغادري من توبيخ وتقريع من قبل بعض النواب العرب في الكنيست، ولولا ذلك، ربما، لما كان للمواطن السوري «نعمة» المعرفة بالسيد فريد الغادري.
ولم يسبق أن صدر أي موقف رسمي أو حتى معارض (من المعارضة السورية في الخارج، حيث سجل أخيراً السيد المعارض حسن عبد العظيم موقفاً يدين زيارة الغادري في حوار له مع إحدى صحف الخليج) يدين زيارته وقت إعلانه لها الشهر الماضي، وفي ذلك دليل قاطع على موقف المعارضة السورية الرافض لمثل هذا الرخص ولفظها الارتهان للخارج أياً كان هذا الخارج، وفي الوقت نفسه هو مؤشر على عدم اكتراث المعارضة السورية (داخلاً وخارجاً) للسيد فريد الغادري!
ولعل الموقف الرسمي الوحيد الذي تحدث عن رأيه في زيارة فريد الغادري إبان الحديث عنها منذ قرابة الشهر هو للسيد عماد مصطفى سفير سوريا في الولايات المتحدة الأميركية الذي اكتفى حينذاك بالقول لإحدى صحف الخليج «إن الغادري عاد إلى جذوره وخاصة بعدما أصبح ورقة محروقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة»، ولهذا هو يطلب النجدة من إسرائيل.
في بداية صعود اسم فريد الغادري وظهوره معارضاً للنظام السوري في الخارج وتأسيس حزبه المسمى حزب «الإصلاح»، استغرب الكثير من السوريين وجود هذه الشخصية التي لم يكن يسمع بها أحد من قبل، وبعد قليل من الوقت وعندما تبين للرأي العام السوري أنه يعمل وفقاً للأجندة الأميركية بات هذا الرأي يلقّبه بـ«جلبي» سوريا، وذلك على غرار أحمد الجلبي في العراق الذي أتى العراق على ظهر الدبابة الأميركية. هذا على الأقل ما كانت تعبّر عنه ردود وتعليقات القرّاء على بعض المواقع الإلكترونية التي كانت تنقل أخباره بين حين وآخر كموقع «سيريا نيوز» وسواه.
وعلى الرغم من محاولة الغادري إنشاء فرع لحزبه «الإصلاح» داخل سوريا منذ قرابة العامين، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، ولم يكن مصيرها الفشل لكون الأجهزة المعنية في سوريا رفضت ذلك محاربةً بعضاً من أنصاره وعددهم لم يكن يتجاوز أصابع الكف الواحدة من طالبي الشهرة أياً كان مصدرها! وعملياً هي لم تعتقل أحداً ممن كانوا يحاولون تسويق الغادري داخلياً ذات يوم.. كان مصير محاولات الغادري الفشل، وآية ذلك، ببساطة، عجزه عن إقناع الشارع (الذي كان في معظمه يجهله) بنواياه، فضلاً عن وعي هذا الشارع أن الغادري يعمل وفقاً للأجندة الأميركية في المنطقة، وهذا بحد ذاته كفيل بجعله يفتقر إلى وجود أنصار له داخل بلد يعتبر شارعه إسرائيل والولايات المتحدة من ألدّ خصومه!
يلاحظ أن فريد الغادري كان قد قال في حواره الأخير في يديعوت أحرونوت إنه يزور إسرائيل منذ عام 1996، وهذا ما كان قد نفاه تماماً عندما صرّح الكاتب السوري المعروف نبيل فياض لإحدى الصحف العربية بأن الغادري يزور إسرائيل منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي وأنه عرّفه بعدد من الشخصيات الإسرائيلية أثناء زيارته ــ أي فياض ــ أميركا صيف 2005. وفي السياق عينه أكد لنا نبيل فياض أن الغادري ليس فقط يجهل أسماء المدن السورية، بل كذلك لا يعرف أن اسم الخليفة الأول للسيد الرسول هو أبو بكر لا عمر! وعلى الرغم من هذا كثيراً ما يعزف الغادري على الوتر الطائفي في سوريا!
وكتحصيل حاصل، نجد أن تجاهل السوريين، سواء كان على الصعيد الرسمي أو الشعبي، زيارة فريد الغادري لإسرائيل وحضّه الأخيرة على عدم إقامة عملية سلام مع النظام السوري، إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على أمرين:
أولهما: عدم وجود حاضنة مجتمعية لفريد الغادري في سوريا، فضلاً عن عدم الاكتراث له ولحزبه من قبل الشارع السوري بما فيه المعارضة السورية في الداخل والخارج.
وثانيهما هو انتهاء صلاحية فريد الغادري بالنسبة إلى الأميركيين الذين سبقوا أن قالوا له «نحن لا نراهن على حصان داخل الإسطبل»، وهو في زيارته تلك لإسرائيل يأمل أن تزكّيه الإدارة الإسرائيلية لدى الإدارة الأميركية من جديد، وهذا في حدّ ذاته تعبير عن سقوطه المريع، تماماً كما هو تعبير عن العودة إلى أصوله، وقديماً قيل: «كل إناء بما فيه ينضح».
* كاتب سوري