أول أيار
  • علي محي الدين :رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال

    أطل علينا الأول من أيار عيد العمال العالمي هذه السنة والعمال وسائر الفئات الشعبية في حالة يرثى لها من البؤس والحرمان والجوع والفقر والبطالة.
    في المقابل يزداد كبار أصحاب الأموال ثراء عبر شركاتهم عابرة القارات التي أصبحت، بموجب نظام العولمة مافيات عالمية مقوننة ومشروعة، تفتك بوحشية لا مثيل لها فاقت كل تصور، مصالح العمال والفقراء وتسخر لها المؤسسات العالمية، ولا سيما منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليان.
    أصبحت المعادلة: الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً، والمشهد الذي نعيشه اليوم في لبنان خير دليل على هذه الحالة، وقد فاقت الأزمة السياسية الأزمات التي أنتجتها سياسات الطبقة الحاكمة، فعززت ثقافة الفساد والفوضى وازدادت تفاقماً بعد انتصار المقاومة على العدو الصهيوني في عدوان تموز، حيث سقطت أهداف هذا العدو كما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية السيدة رايس راعية مشروع الشرق الأوسط الجديد.
    إن ما نعيشه اليوم يعبر عن أزمة بالغة الخطورة، انقسام مذهبي حاد بخيارات سياسية، الغائب الأول عنها المسألة الوطنية ومعيشة الناس.
    ويزيد في خطورة الموقف غياب أمرين مهمين ومتلازمين: الأمر الأول غياب تيار وطني ديموقراطي وازن يهدف إلى قيامة وطن وبناء دولة مدنية تضمن الحق والعدالة والديموقراطية.
    والأمر الثاني غياب الحركة النقابية التي أجهضت وقبض على قرارها فعطل دورها وألغيت فلسفتها وعناصر فعاليتها وفي طليعتها القرار المستقل والحرية الكاملة الملتزمة بالدفاع عن مصالح الناس، وشرطها أن تكون في موقع المعارضة.
    مفصل هذا الواقع الأليم ما أقدمت عليه السلطة عندما استخدمت كل أدواتها القانونية والإدارية والعسكرية في 24 نيسان 1997 وزجت بالسجن الرئيس الياس أبو رزق والأمين العام ياسر نعمة واستمرت المحاكمة عشر سنوات وصدر الحكم القضائي بتبرئتهم وبصحة الانتخابات التي جرت في حينها.
    وهــذه المحـــاكمة كانت محاكمة لنضال الحركة النقابية ومناضليها، فثبت الحق ولو بعد حين، لكن الحركة النقابية ضاعت معها حقوق ومكتسبات العمال، حيث أصبح العامل بلا مناصر ولا معين كما تعطل قانون العمل وملحقاته وتحول هذا القانون إلى سلعة تستثمر بأبخس الأثمان، كما أصبح عنواناً للاستغلال والقهر والذل.
    كذلك يتعرض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لهجمة شرسة من السلطة وزبانيتها بغية الانقضاض عليه وصولاً إلى إلغائه.
    هذان المكسبان المهمان هما من أهم المكاسب التي حققها نضال الطبقة العاملة وحركتها النقابية، وهما اليوم يتعرضان لأبشع محاولة إلغاء في ظل ضوضاء الأزمات السياسية الخانقة.
    وعندما يحل الأول من أيار نعود بالذاكرة لشهداء الطبقة العاملة، شهداء الحركة المطلبية ومناضليها الذين قضوا عمرهم بالكفاح والنضال.
    ما أحوجنا اليوم لنتذكر تظاهرة شيكاغو 1886 وعنوانها الأساسي ثماني ساعات عمل في اليوم التي حولت الحركة النقابية العالمية ذكراها إلى عيد نضالي سنوي. وبألم نقول إنه لا يحق لنا أن نحتفل بهذه الذكرى المجيدة لمجرد الذكرى، بل إن الواجب والضمير والوفاء تدعونا للعودة إلى مضمون الأول من أيار ومعانيه، وإلى جذرية الصراع الطبقي لحمل مشعل من ناضل واستشهد من أجل حقوق العمال، وإلى إعادة بناء حركة عمالية مناضلة بشعبية واسعة من خلال حركة نقابية جذرية ديموقراطية تطلق حركة مطلبية مناضلة تهدف إلى تأمين الخبز والعلم والحرية والتقدم.
    وأصبح من الواجب والمسؤولية أيضاً تلاقي القوى النقابية الثورية لبناء أممية جديدة لمقاومة خطر العولمة والمافيا المنظمة النضال بدأ بشيكاغو ــــــ أميركا، والداء هو هناك في أميركا، وأيضاً الدواء.