حسن المصطفى *
تقرير لجنة فينوغراد يقطع النزاع الدائر حول انتصار المقاومة اللبنانية من عدمه. فالفشل الذريع الذي منيت به إسرائيل في حرب تموز 2006، هو انتصار بمعان عدة لحزب الله ومنظومته الدفاعية، على الرغم من الجدل الذي استحكم بين الفرقاء في الساحة اللبنانية.
قبل أيام، كان النائب وليد جنبلاط يعلن هذا الانتصار، ويعلن أن ما يجمعه مع خصومه في حزب الله هو «المقاومة». حديث، على رغم وروده في سياق التهدئة، ينطوي على دلالات كثيرة عن التقاط سيد المختارة لمؤشرات تغيّر عديدة سبقت تقرير فينوغراد ومؤتمر شرم الشيخ.
إذاً، بدأت الأحجار في تل أبيب تتساقط، لكن تبقى إسرائيل الدولة القادرة والقوية التي تضحّي بـ«ألف أولمرت» من أجل بقائها ومصلحتها، على حد تعبير السيد حسن نصر الله.
لندع الموالاة وقواها جانباً، فهي لم تكن معنية بحرب لم تطلق فيها رصاصة واحدة. ولم تدّعِ أنها «أم الصبي»، ولنأت للمعارضة اللبنانية، المعنية الأساس بهذا النصر، هي وجمهورها، لنعرف مفاعيل هذا النصر عليها.
الفرحة والبهجة مشروعتان. والمرء يغتبط حين يرى خصماً عاتياً كإسرائيل، وهي تتوجع منذ ما يقارب العام، وأبوابها مفتوحة على احتمالات عدة. وجع إسرائيلي يجب أن لا يقود إلى «غرور سياسي» لدى المقاومة وجمهورها، بحيث تعتقد أن الهزيمة الأميركية ــ الإسرائيلية المدوّية باتت على الأبواب.
إن ما يمنح إسرائيل حيويتها، وقدرتها على المراجعة، والتحقيق، والمساءلة، وهي أمور غائبة عن الساحة اللبنانية برمّتها، بل عن الوطن العربي بأكمله، حيث لا سلطة للقانون والقضاء تحاسب من يتجاوز، صغيراً كان أو كبيراً.
المعارضة اللبنانية، طالبت، وتطالب برحيل حكومة فؤاد السنيورة، ولها حجّتها الوجيهة والبالغة في ذلك. وطالبت في الوقت عينه بتحقيق قضائي في تداعيات حرب تموز الماضي، وأعلنت استعدادها للمساءلة. لكنها في الوقت نفسه، لا تعدّ العدّة، ولا تهيّئ الأرضية التي تجعل المساءلة أمراً ممكناً. مساءلة يجب أن لا تقف عند حدود الحرب الأخيرة، بل يجب أن تتعداها إلى كل ما يمارس من هدر وفساد وانتهاك لحقوق الإنسان وحرياته العامة.
إن من الأسباب الرئيسة التي تعطل مبدأ المساءلة وتؤخّره، هو عدم ممارسة العديد من أحزاب وتشكيلات المعارضة للمساءلة الذاتية، والنقد الداخلي، والمراجعة التي تطوّر من بنياتها المهترئة، ما دفع إلى أن تصل المعارضة إلى مأزق عملاني، باتت فيه غير قادرة على ممارسة خطوات تصعيدية عملية على أرض الواقع، بحيث بات «العصيان المدني» وهو الورقة الرابحة التي لوّحت بها مراراً، أمراً غير ممكن التنفيذ، وربما، غير ذي جدوى.
في انتصار عام 2000، عندما حُرّر «الشريط الحدودي المحتل»، بلغ حزب الله ذروة انتصاراته المعنوية، والسياسية، والعسكرية، إلا أنه لم يستثمر هذا الانتصار، ولم يسيّله داخلياً، ليتحول من مخزون ورصيد رمزيين إلى وقائع ملموسة، يشعر بها على الأقل جمهور الحزب في الضاحية والجنوب والبقاع. لقد كان حزب الله أشبه بالصوفي المتجرّد الذي يمنح جبّته زاهداً بها. زهد كان نتيجته أن تأخر عن الانخراط في الدولة والحكومة، وبات الآن يغالب أخطاء الماضي، محاولاً تجاوزها. فيما لو كان منذ البدايات تعامل بوعي مع نصره، لما وصل هو، ولا لبنان، إلى الانسداد السياسي الحالي.
خطأ عام 2000، هل يتكرر في 2007. هل تمارس المعارضة ومعها حزب الله الخطأ عينه، وتبقى متراخية، منتظرة الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد سنتين، غير مستفيدة من تداعيات تقرير فينوغراد، مكتفية برقص «الدبكة»، وتوزيع الحلويات، وتذكّر الشهداء!
إن مساءلة المعارضة اللبنانية لنفسها، قبل مساءلتها للسنيورة ومن معه، هو شرط اكتمال النصر. وإن محاسبتها لقادتها، وللوعود التي قدّموها ولم تتحقق حتى اليوم، وجرأتها على الاعتراف بخطأ بعض خطواتها، وإعلانها لبرنامج عملي جديد، هو النموذج البديل الذي يفترض أن تقدمه لعموم الشعب اللبناني، لتقنعه بأنها الأصلح، والأقدر على تصحيح المسار، وقيادة دفة الدولة. وهي من دون ذلك، وحتى لو أسقطت حكومة السنيورة، فستقع في المشكلة نفسها، عندما ترى نفسها تتربّع على سدّة حكم لا تستطيع حلّ مشكلاته، وفق الفساد المستشري في أجهزة الدولة، ما يعني أن تكون الخيبة على الشعب خيبتين: خيبة ثورة الأرز، وخيبة انتصار أضاعه مُنجزوه!
* كاتب من السعودية