كمال مساعد *
حذّر ألكسندر هاملتون، أحد الآباء المؤسسين للدستور الأميركي في عام ١٧٨٧، من تنامي المؤسسات العسكرية في زمن السّلم. وأشار إلى أن الحروب الدّامية اندلعت في أوروبا بسبب امتلاكها القدرات العسكرية والتفكير الأوروبي الموروث الذي نقله هؤلاء لبناء أميركا كوطن لهم، حيت كانت تحذيراته بمثابة إنذار إلى أن التسلح في أوقات السلم قد يدفع إلى الحرب.
الضغوط العسكرية والسياسية
وحسب مجلة «ديفنس نيوز» الدفاعية الأميركية، فإن الاستعدادات الأميركية لحرب محتملة مع إيران ما زالت قائمة على قدم وساق. فبالإضافة إلى حاملتي الطائرات الموجودتين حالياً في مياه الخليج العربي «ستينس» و«أيزنهاور»، فإن واشنطن أمرت القوة الضاربة التي تقودها حاملة الطائرات «رونالد ريغان» بالاتجاه إلى أقصى غرب المحيط الهاد، ما يضعها على مشارف المحيط الهندي وعلى مسافة قريبة جداً من إيران. كما إن واشنطن أرسلت قوة ضاربة تقودها حاملة الطائرات «نيميتز» للخليج لتحل مكان «أيزنهاور»، ما يعني وجود ثلاث حاملات طائرات في آن واحد في المنطقة، ولفترة من الزمن قد تطول إذا ما ارتأت القيادة الأميركية تأخير مغادرة الحاملة «أيزنهاور». وبالتالي، فإن الفترة المقبلة ستشهد حشد ما يقارب أربع حاملات طائرات قرب السواحل الإيرانية. وتجدر الإشارة إلى أن حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» موجودة أيضاً عند مدخل الخليج العربي لدعم عمليات «حلف شمال الأطلسي» في أفغانستان.
ولهذا، يعتقد الخبراء العسكريون أن استراتيجية «الاحتواء» المتبعة على المستوى الدولي والإقليمي ضد إيران تقوم على ثلاثة أنواع من الضغوط: الأوروبية والدولية بالدرجة الأولى، التي يراد منها عزل إيران، وإظهار تماسك الأسرة الدولية بما في ذلك روسيا والصين في منعها من الحصول على التكنولوجيا النووية العسكرية. والشكل الأوضح لهذا النوع من الضغوط يتمثل في العقوبات الدولية من جهة والعقوبات التي تمارسها واشنطن لحمل المؤسسات المالية الدولية على الامتناع عن التعاطي مع إيران. ويتمثل النوع الثاني من الضغوط بـ«الضغوط العسكرية» الأميركية التي يعتقد الخبراء أنه «مرحّب بها» لأنها تعني أن التهديد العسكري «حقيقي» وتدفع طهران إلى «التفكير ملياً» في النتائج المترتبة على الاستمرار في التحدي ورفض التعاون مع مجلس الأمن الدولي. أما النوع الثالث من الضغوط فهو خليجي ـــ عربي وقوامه «إفهام» طهران أن الدول الخليجية «تعارض الحرب على إيران» ولكن يتعيّن على طهران بالمقابل أن «تكفّ» عن السياسة التي تتبعها في لبنان والعراق والشرق الأوسط واللعب على العامل الطائفي.
وتجدر الإشارة إلى أن التورط العسكري الأميركي في العراق والمأزق الذي فيه، لم يمنع إدارة بوش من التخطيط للقيام بعمل عسكري جديد ضد إيران، في الوقت الذي يتحدث فيه محللون عسكريون وسياسيون عن استنزاف الطاقة البشرية ـــ العسكرية، وبالتحديد القوى البرية، الأمر الذي وصفه أعضاء في مجلس النواب الأميركي بحالة التأزّم القصوى.
استمرار المأزق الأميركي
وللدلالة على حراجة وضع الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان، أرسل رئيس أركان الجيش الأميركي بيتر بايس تقريراً سرّياً إلى الكونغرس في الشهر الماضي، رفع فية درجة الخطر المحدق بهؤلاء الجنود من «معتدل» إلى «مهم جداً». وأشار قائد وحدة التجنبد في الجيش الأميركي اللواء مايكل روتشيل إلى «أن الجيش يمر بأوقات عصيبة في ما يتعلّق بتجنيد متطوعين جدد، ولا نستطيع أن ننكر أننا بحاجة ماسّة إلى المزيد من المتطوعين... وخاصة في الوقت الذي تخوض فيه أميركا حربين قي العراق وأفغانستان». وقد تراجع عدد المتطوعين بنحو ١٢% بين عامي 2003 و2006 وخاصة مع بدء العمليات العسكرية. وفي مبادرة منها لتجنيد متطوعين جدد عرضت وزارة الدفاع الأميركية ما يصل إلى ٢٠٫٠٠٠ دولار كمكافأة مالية إلى الراغبين في التطوع، كما تعهدت بتغطية مصاريف تعليمهم بما يصل إلى ٦٠٫٠٠٠ دولار. وإذا كان الرئيس بوش يعتقد أن الحرب المقبلة المحتملة ضد إيران ستقتصر على القوات الجوية والبحرية، لكن استراتيجيين وخبراء عسكريين يعتقدون أن القوات الإيرانية قد تستدرج الولايات المتحدة إلى حرب برية مستغلة انتشار وضعف القوى البرية المنهكة والمنتشرة في العالم.
ومع ذلك حددت القيادة المركزية الأميركية في فلوريدا سلسلة الأهداف المطلوب ضربها داخل إيران، وهي تشمل البنية التحتية ومنها: القواعد الجوية والبحرية ومنصّات الصّواريخ ومراكز القيادة والسيطرة والتحكم ـــ العسكرية. والأهم منها ـــ منشأة تخصيب الأورانيوم في ناتانز، ومنشآت في أصفهان وآراك وبوشهر» وإن الولايات المتحدة ستستخدم قاذفات الشبح «بي تو» البعيدة المدى لإلقاء قنابل خارقة للملاجئ في محاولة لاختراق مجمّع ناتانز على عمق ٢٥ متراً تحت الأرض.
لكن القلق الذي يساور القيادة المركزية الأميركية، هو إذا كانت إيران تخبّئ مفاجئة خلال الحرب وخاصة ان استعراض منظومة جديدة من الصواريخ ـــ المضادة للأهداف الجوية في عيد يوم الجيش، كانت رسالة ذات معنى في المفهوم الاستراتيجي لأية حرب مقبلة، ومنها صاروخ رعد، أرض ـــ جو، وصاروخ زوبين الموجه عن بعد، والصاروخ الراداري R72 ـــ R73 وصواريخ جو ـــ أرض ماوريك، وصواريخ جو ـــ جو الرادارية والحرارية فينيكس واسبارو ـــ وسايد وأنيدو، وراجمات صواريخ أرض ـــ جوهاك، ومنظومة صواريخ اسكاي كار وصواريخ أرض ـــ أرض نازعات وزلزال. هذا مع إمكانية مفاجأة أميركا في استخدام صواريخ روسية الصنع مضادة للسفن من طراز «اس اس ـــ ان ـــ ٢٢»؟ وهذا ما يقلق صنّاع القرار في واشنطن وخاصة البحرية الأميركية. وهناك تقارير تحدثت عن أن موسكو عرضت هذا الصاروخ الجوال المتطور للتصدير في أوساط التسعينات عندما كانت روسيا بحاجة لعملة صعبة، وأبدت إيران رغبة قوية في شرائه. إلا أنه لم يتضح للاستخبارات الأميركية ما إذا كانت روسيا باعت فعلاً هذا الصاروخ إلى إيران وما إذا كان أدخل الخدمة في البحرية الإيرانية بشكل سري. إلا أن تقارير أخرى تحدثت عن قدرة إيران على إغراق حاملتي طائرات أميركية على الأقل خلال الساعات الأولى من اندلاع القتال. وحسب مصادر أميركية مطلعة، فإن هذا الطراز من الصواريخ، والذي يعرف في الغرب باسم «Sunburn» وصممته موسكو خصيصاً لاختراق نظام «ايجس» (Aegis)، وهو من أهم الأنظمة الدفاعية في البحرية الأميركية لدى التعامل مع الصواريخ المضادة للسفن، علماً بأن مدى الصاروخ يبلغ ٩٠ كلم، وميزته أنه سريع جداً، وخصوصاً في المرحلة النهائية عند اقترابه من الهدف بحيث يقوم بالمناورة وهو بسرعة تبلغ ضعفي سرعة الصوت لتفادي القذائف أو الصواريخ المضادة. ويبلغ حجم الرأس الحربي للصاروخ حوالى ٣٠٠ كلغ، كما يمكن تزويده برأس نووي تكتيكي. وقامت روسيا بتطوير الصاروخ في أواخر التسعينات وزادت من مداه ليصل حتى ١٥٠ كلم. وتعمل موسكو منذ مطلع الألفية الجديدة بالتعاون مع بكين على تطوير هذا الصاروخ الذي تسلمت البحرية الصينية كميات منه. وأجرت البحرية الأميركية في السنوات الأخيرة تجارب عدة على أنظمة للتعامل مع هذا الصاروخ تحديداً وأضافت تعديلات على نظام «أيجس»، إلا أنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت قد تمكنت من إبعاد هذا التهديد، إذ إن هذا الأمر يعدّ من الأسرار العسكرية التي يتم كشفها عادة بعد الأعمال العسكرية.
ومن الأسلحة الأميركية الأساسية الجديدة التي قد يتم تدشينها في حرب مع إيران: المقاتلة المتعددة المهمات «اف ـــ٢٢ رابتور»، التي بدأت قبل أكثر من سنة الخدمة في سلاح الجو الأميركي لتحل مكان طائرات «اف ـــ١٦». وتتميز «رابتور» بمداها الطويل وقدرتها على تجنب الرادارات وقصف أهداف من علو مرتفع واستخدام أنواع عديدة من الأسلحة الذكية. وهي مزودة برادار يمكّنها من كشف أهداف جوية معادية من مسافات بعيدة والتعامل معها بسرعة وفعالية. ويتوقع غالبية المراقبين والمحللين أن تشهد أي حرب مع إيران تكراراً للحرب الجوية التي شنّتها أميركا ضد العراق، لكن مع إمكان تمكن الدفاعات الجوية الإيرانية والمعززة حديثاً بنظام صواريخ «ثور أم ـــ١» الروسي ونظام 300 ss المتطور والمضاد للأهداف الجوية، من استحالة تحقيق معظم الأهداف، ومن إسقاط عدد من الطائرات الحربية الأميركية التي تنطلق من قواعد جوية في أذربيجان والعراق ودول أخرى تقيم قواعد عسكرية أميركية على أراضيها، إضافة إلى أفغانستان، في حين ستوفر أربع حاملات طائرات ما لا يقل عن ٣٠٠ طائرة هجومية، بالإضافة إلى القاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى، ما سيمكن أميركا من توجيه ضربات جوية قاسية، ربما تعوق البرنامج النووي الإيراني فقط.
لكن المواجهة الكبرى، إذا حصلت، وهي الأكبر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، فستشهدها مياه الخليج. إذ ستركز البحرية الأميركية على تدمير البحرية الإيرانية ودفاعاتها الساحلية بشكل كامل لمنعها من تهديد الملاحة في مياه الخليج أو إغلاق مضيق هرمز. وهذا الأمر تحضّر له البحرية الأميركية منذ العام الماضي بعدما أجرت البحرية الأميركية ـــ حرباً بواسطة الكومبيوتر، وتلك تسمى الحرب الافتراضية.
وخلصت إلى أن إيران قادرة على تدمير البحرية الأميركية. لذا سيكون على البحرية المذكورة تحقيق أهدافها بسرعة وفي وقت قياسي للحدّ من الخسائر المتوقع أن تلحقها الزوارق السريعة والمتفجرة والغواصات التي يقودها الانتحاريون، والألغام المضادة للسفن الأميركية وناقلات النفط... هذا إذا وقعت الحرب.
* باحث لبناني في الشؤون الاستراتيجية