اعداد: سركيس أبو زيد ولين هاشم
مع صدور تقرير لجنة فينوغراد الذي يحمّل حكومة أولمرت مسؤولية الإخفاق في الحرب على لبنان، يبدو أن إسرائيل بحاجة إلى عملية عسكرية جديدة تعيد لها هيبتها، وتصرف الأنظار عن المأزق الداخلي الذي تعيشه هذه الحكومة.
إسرائيل تستعد...
شهدت اسرائيل مناورات عسكرية غير مسبوقة لـ«الجبهة الداخلية» وعلى الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان، وقد خرج رئيس أركان جيشها اللواء غابي أشكنازي ليقول إن تعزيز قواته في الجولان السوري المحتل سببه عدم معرفة اسرائيل بكل ما يجري في الهضبة، مضيفاً «لن نسمح بأن يحدث ثانية ما حدث في حرب لبنان الثانية»،ومشدداً على أن الجيش سيقضي أغلب وقته في الاستعداد للحرب.
وأشرك الجيش الإسرائيلي في المناورة الكبرى جنوداً من الاحتياط، ورجال الشرطة، ومؤسسة نجمة داوود الحمراء، إضافة إلى السلطات المحلية والوزارات، وبالأخص وزارة الداخلية والدفاع ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة «هآرتس» أن الجيش الإسرائيلي بلور خطة عملانية، لمواجهة احتمال اندلاع حرب على الجبهة الشمالية مع سوريا، تشمل تدريباً لمعظم قوات الاحتياط وفق خطة تمتد إلى صيف عام 2008.
وأفاد المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، أن الجيش الإسرائيلي ينوي تنفيذ كل التدريبات المطلوبة لوحدات الجيش الإسرائيلي هذا العام، و«كأن المواجهة ستنشب في الصيف المقبل».
من جهة أخرى، أجرت إسرائيل مناورات غير مسبوقة لاختبار القدرات الدفاعية والرد على هجمات واسعة النطاق وهجمات صاروخية على كل الجبهات، وقالت السلطات الاسرائيلية إن هذه التدريبات التي استمرت يومين وشملت 132 مدينة وبلدة، هي الأضخم من نوعها منذ قيام إسرائيل عام 1948.
ونصّت التدريبات على سيناريو التعرض لهجمات صواريخ مزودة رؤوساً كيميائيةً تطلقها سوريا على تل أبيب، وقذائف صاروخية فلسطينية على محطة كهربائية في عسقلان وهجوم على مدرسة ومطاردة انتحاري.
وتدرّبت المستشفيات على استقبال خمسة آلاف ضحية، بحسب ما أفاد جهاز الإسعاف الإسرائيلي «نجمة داوود الحمراء». وشمل السيناريو تظاهرات في باحة الأقصى في القدس الشرقية وتظاهرات لعرب إسرائيليين في يافا، إضافة إلى هجمات صاروخية على مطار بن غوريون في تل أبيب تشلّ حركة الملاحة فيه.
وضمّ السيناريو أيضاً هجوماً بصواريخ تقليدية على مستشفى حيفا، واختراق طائرة من دون طيار تابعة لحزب الله المجال الجوي الإسرائيلي انطلاقاً من لبنان.
وشارك في المناورات الثانية نحو خمسة آلاف شرطي وألف جندي، إضافة إلى 140 عربة إسعاف ومئات الأطباء والممرضين والمسعفين ورجال الإطفاء.
وعلّق الجنرال أبراهام بن ديفيد لإذاعة الجيش الإسرائيلي على هذه المناورات بأنها «جزء من الدروس المستخلصة من هذه الحرب».
وفي هذا السياق، أعلن المتحدث الرسمي للحكومة الإسرائيلية أن التدريبات كانت من أجل اختبار الدروس المستفادة خلال حرب الصيف الماضي ضد حزب الله في لبنان.
من جهة أخرى، أكد مصدر أمني إسرائيلي أن جداول التدريب المتسارعة الخطى للقوات الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي قد نُفّذت، وأن عملية التدريب غير مرتبطة بمواجهة حتمية مع سوريا، بل كانت استجابة للتحقيقات العسكرية الداخلية التي وجدت أن عناصر الاحتياط لم تتدرب بشكل سليم وصحيح من أجل حرب لبنان.
... وسوريا ترد
يُعتبر الجيش السوري من أقوى الجيوش العربية، ومن المعروف أن تطوراً كبيراً طرأ على تدريب هذا الجيش وتسليحه منذ بدء التوتر في المنطقة. وباعتراف اسرائيلي بقدرات سوريا العسكرية، حذر أحد المسؤولين الرفيعي المستوى في وزارة الدفاع الإسرائيلية من نمو لم يسبق له مثيل في القدرات الحربية السورية، معتبراً أن الانتصار عليها لن يكون سهلاً كما يظن البعض.
وبحسب مصادر عسكرية، فقد لاحظت القوات الإسرائيلية، بعد حرب تموز، حدوث تغيير في القوات العسكرية السورية. فانتصار حزب الله في تلك الحرب عزّز مركز دمشق وجعلها تؤمن بأن في إمكانها استخدام تكتيكات حزب الله نفسها في مواجهتها المستقبلية مع إسرائيل، ومن الممكن أيضاً أن تلحق الهزيمة بما كان في يوم من الأيام يسمى القوات الإسرائيلية التي لا تقهر.
وفي اعتراف آخر، قال أحد المسؤولين المرموقين في القوات الإسرائيلية «خلال سنوات كثيرة كنا نعتقد أن القوات الإسرائيلية تفوق بقوتها وبشكل واضح قوات سوريا العسكرية، ولكن بعد الحرب على لبنان علمنا أن هذه الفرضية لم تكن صحيحة تماماً».
لقد قامت سوريا بتمكين عمليات تطوير الصواريخ لديها خلال الأشهر الأخيرة. وحسب ما ذكرته بعض المصادر الغربية فإن سوريا أصبحت قادرة بنفسها على تصنيع صواريخ سكود، وهناك 300 من هذه الصواريخ منتشرة شمالي المنطقة المنزوعة السلاح في الجزء السوري من مرتفعات الجولان.
وهناك فيلق مؤلف من 10 آلاف مسلح مسؤول عن تفعيل هذه الصواريخ التي تشمل بعضاً من صواريخ سكود دي ذات مدى يبلغ 700 كم، والتي يُقال بأنها قادرة على حمل أنواع مختلفة من الرؤوس الحربية. وأصبحت سوريا تمتلك نحو 30 قاذفة صواريخ لصواريخ السكود التي في جعبتها.
إن سوريا لديها قوة عسكرية هائلة مقسمة إلى 12 قسماً، ولديها نحو 400 ألف جندي مسلح بعتاد كامل. وأحد تلك الأقسام يتألف من نخبة من الجنود المغاوير يصل عددهم إلى 10 آلاف جندي، وهذا بحد ذاته يعتبر قوة مرعبة يمكن استخدامها كخط أول في شن هجوم على القوات الإسرائيلية.
منذ حرب تموز حتى الآن، قامت سوريا بتأسيس وحدات عسكرية جديدة، ويُقال إنها كثّفت التدريبات الخاصة بحرب العصابات وحرب المدن.
وقال أحد المصادر في القوات الإسرائيلية المتمركزة في الشمال «لقد راقبت سوريا الصعوبات التي واجهتها القوات الإسرائيلية في حربها داخل قرى لبنان الجنوبية، واليوم باتت لديها فكرة واضحة عن مراكز الضعف في القوات الإسرائيلية، وغداً ستكون لديها خبرة في التعامل معها واستغلالها».
خلال العام الماضي قامت سوريا بتطوير عدد من الأنظمة الروسية المضادة للطائرات التي تسمى ستريتليتس، ولكنها خلال عدد من السنوات لم تتلقَّ أياً من الطائرات المقاتلة أو الدبابات أو ناقلات الأفراد المسلحة.
ووفقاً لما ذكره يفتاح شابير، وهو باحث في معهد الدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب، فإن القوات السورية العسكرية تخطط لاستخدام صواريخ كاتيوشا القصيرة المدى مع صواريخ السكود البالستية البعيدة المدى في أي نزاع تواجه فيه إسرائيل في المستقبل.
ويقول شابير «لقد تأثرت سوريا بالنجاح الاستراتيجي الذي حققه حزب الله باستخدام القليل من الصواريخ وعدم قدرة إسرائيل على صدّها. فهذا السلاح لا يستخدم عادة في الحروب الدارجة، ولكن استخدامه كان له نتائج غير متوقعة».
كذلك في ردٍّ على تكثيف القوات الإسرائيلية أعداد الجنود في مرتفعات الجولان، قامت سوريا بتحريك وحدات وبنى تحتية عسكرية إلى الحدود مع فلسطين المحتلة.
من جهة أخرى، وكما هو متوقع وطبيعي من الحليف الأول إيران، أعلن عميد الكلية الوطنية للعلوم العسكرية الإيرانية إبراهيم حسن بيكي، أن الكلّيتين العسكريتين الدفاعيتين الإيرانية والسورية، وقّعتا عدداً من مذكرات التفاهم المشترك والتعاون خلال زيارة الوفد العسكري السوري لطهران.
واعتبر بيكي أن من أهم أهداف زيارة الوفد السوري الذي يتألف من لجنة متخصصة في مجال العلوم والأبحاث العسكرية تضم عدداً من الأساتذة والطلاب الجامعيين في الكلية العسكرية السورية برئاسة عميد الكلية اللواء يحيى سليمان، «إقامة ارتباط بين المراكز الأكاديمية العسكرية، وتبادل الخبرات».
ووصف بيكي العلاقات الإيرانية السورية بأنها «استراتيجية»، موضحاً ان الوفد العسكري السوري اطلع خلال زيارته للكلية العسكرية على القدرات العلمية للكلية وطريقة التدريس فيها.
من جهتها، أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية إلى أن سوريا حصلت خلال العام الماضي على عدد من الأنظمة الروسية المتطورة المضادة للطائرات من طراز «ستريليتس».
وفي سياق مماثل، ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن مراسلها كشف، من خلال الصور التي التقطت بواسطة الأقمار الصناعية وبثّتها شبكة «سي بي إن» الإخبارية الأميركية، أن لدى سوريا ثلاثة مواقع صواريخ رئيسية، أحدها يُشار إليه بأنه قلب البرنامج الصاروخي السوري، حيث تحيط بمصنع الأسلحة 30 خرسانة إسمنتية محصّنة تقع في داخلها منصّات الإطلاق المتعددة. وأضافت الصحيفة أنه في غضون دقائق تستطيع هذه المنصات إطلاق أكثر من طن من المتفجرات غير التقليدية على أي منطقة في داخل إسرائيل.
إن كل هذه المؤشرات لا تدل بالضرورة على تخطيط سوريا لشن اعتداءات على إسرائيل، ولكنها تبعث برسالة واضحة إلى القوات والقيادات الإسرائيلية: لا تستخفّوا بقدرات سوريا العسكرية.
سيناريو الحرب بثلاث جبهات
يجري الحديث عن أن الحرب المحتملة التي ستشنها اسرائيل على سوريا ستكون جبهة من الجبهات التي ستلدها الجبهة الأميركية الإيرانية الأم. وسيكون الدور الاسرائيلي في هذا السيناريو هو تقييد الدور السوري الذي قد يشكل خطراً على العمليات العسكرية الأميركية ضد إيران، وذلك من خلال أعمال عسكرية تطال الأراضي السورية وحتى حزب الله ومراكز ثقله.
وفي هذا الإطار، أشارت دراسة لإحدى المؤسسات العسكرية في وزارة الدفاع الاسرائيلية إلى أن القيادة العسكرية الاسرائيلية تخطط لحرب ثلاثية الرؤوس تشمل حزب الله وسوريا وإيران. هذه الحرب ستتم على ثلاث مراحل قبل نهاية هذا العام وتفصل فترة ثلاثة أشهر بين مرحلة وأخرى، لأن قدرتها العسكرية التقليدية قد لا تسمح لها بمواجهة الأطراف الثلاثة دفعة واحدة وفي وقت واحد، إذ سيكون حجم هذه الأطراف مجتمعة من القوة والضخامة، ما يجعلها أشد خطراً وقدرةً على تكبيد اسرائيل خسائر هائلة لن تحدث في حال تجزئة هذه الحرب إلى ثلاث مراحل:
ــ المرحلة الأولى: ستبدأ الصيف المقبل بمحاولة القضاء على حزب الله، ولكن هذه المرة بالاستعانة الواسعة بالقوات البرية التي أُسيء استخدامها في حرب تموز الماضي، بمعنى تدمير مواقع الحزب ثم احتلالها وهضمها من شمال نهر الليطاني حتى أقصى البقاع الشمالي، وهي المساحة الواقعة تحت سيطرة حزب الله وصواريخه، استناداً الى التحسينات التي أُدخلت على الدبابات والآليات لمواجهة القذائف الإيرانية.
وقدّرت مدة الانتهاء من هذه العملية الجديدة بستة أسابيع تبقى فيها القوات الاسرائيلية في الأماكن التي احتلتها والممتدة على طول الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا، استعداداً لبدء المرحلة الثانية بعد ستة أسابيع أخرى.
ــ المرحلة الثانية: ستبدأ بضرب سوريا من جنوب وغرب لبنان جواً مع احتمال كبير للجوء الى غزو بري على محورين في اتجاه دمشق: من الجولان شمالاً ومن البقاع اللبناني شرقاً إذا تمكّن الجيش السوري من استيعاب العملية الجوية لسببين تحتسب لهما القيادة العسكرية الاسرائيلية: الأول، التغيير الاستراتيجي في توزيع مواقع الصورايخ السورية وقواعدها، حيث أُنزل ٩٠ في المئة منها تحت الأرض. والثاني، الأخذ في الاعتبار إنشاء جسر جوي إيراني منذ اللحظة الأولى لشن الحرب الاسرائيلية على سوريا لنقل آلاف الجنود والصواريخ والمعدات.
ستدوم الحرب مع سوريا أسبوعاً واحداً إذا اقتصرت على القصفين الجوي والصاروخي، وستة أسابيع إذا تحوّلت الى احتلال بري محدود حول العاصمة دمشق وامتداداً الى الجولان من دون التوغّل في اتجاهي الشمال والشرق، في محاولة هادفة الى محاصرة العاصمة دمشق حتى الاستسلام أو السقوط. ويبدو، بحسب الدراسة، أن المعركتين مع لبنان وسوريا ستكونان بصيغة الاستفراد بكل بلد على حدة استعداداً «للحرب الأم» مع إيران.
ــ المرحلة الثالثة: ستبدأ مطلع الشتاء المقبل بشن حرب على إيران بعد هضم الحربين على لبنان وسوريا، سواء اضطرت الى خوضها منفردة لإزالة الخطر النووي الإيراني، أو دخلتها الولايات المتحدة متأخرة. وأشارت الدراسة الى ثمن باهظ سيدفعه الشعب الاسرائيلي في مستوطناته ومدنه وقراه، إذ سيتمكن سلاحا الجو والصواريخ الإيرانيان والسوريان وصواريخ حزب الله من القيام بعمليات تدمير واسعة للمدن الاسرائيلية قبل القضاء عليهم.
سيناريو المفاوضات المشروطة
هذا الحديث عن الحرب يقابله حديث آخر عن التهدئة والمفاوضات المحتملة والمرجوّة. فقد أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت في كلمة ألقاها أمام لجنة الخارجية أنه حمّل رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في زيارتها لدمشق «رسالة تهدئة» إلى سوريا، أكد فيها أنه ليست لدى اسرائيل أية نية لشن هجوم عسكري عليها. وأضاف انه بعث بالرسالة لتفادي تدهور الأوضاع في المنطقة «في أعقاب تقويمات خاطئة لما يجري على الحدود بين اسرائيل وسوريا». ونفى ان تكون لديه معلومات عن نية أميركية لمهاجمة إيران تستغلّها إسرائيل لضرب سوريا وحزب الله. وأشار من جديد الى ان تقديرات أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تقول إن سوريا لا تعدّ لهجوم عسكري على اسرائيل، لكن مع هذا فإن سوريا تجري استعدادات على الحدود لمواجهة احتمال هجوم اسرائيلي، وعليه تتخد اسرائيل الخطوات اللازمة تحسباً لوقوع مفاجأة من الجانب السوري.
إنه حوار مشروط إذاً، فماذا إن فشلت التسوية؟ هل ستتجه سوريا الى تحرير الجولان بالقوة، كما صرح مسؤول سوري أخيراً؟ لا شك في أن الحرب، إن وقعت بين سوريا واسرائيل، لن تكون حرباً كلاسيكية بين جيشين، لأن التوازن العسكري بينهما مفقود منذ أن توقف الدعم السوفياتي عن التدفق الى دمشق. فهل تولد مقاومة سورية يتناغم فيها دور المجتمع المقاوم والدولة الداعمة، على نموذج مقاومة حزب الله التي كانت مدعومة من الحكومات اللبنانية السابقة، ولا سيما بعد النجاح الذي حققه حزب الله وانتصار تكتيكاته في حرب تموز؟ هل تتجه سوريا الى بناء صيغة «مجتمع المقاومة»؟
السيناريوهات المتداولة حول طبول الحرب التي تُقرع، هل هي طبول حرب حقيقية أم حرب نفسية لتحريك التسوية؟ وهل يأخذ مروّجو هذه السيناريوهات بعين الاعتبار ردّ فعل الشعوب العربية والإسلامية التي فاض بها الكيل ولم تعد تقبل بالخرس القسري بعد تفشّي عدوى المقاومة بينها بعد انتصار تموز؟ هل تكون الحرب الإقليمية شرارة انطلاق المقاومة مجدداً؟ أم تؤدي إلى تسويات بالجملة والمفرق؟