جورج إفرام... خالدٌ أنت في ذكراكأنطوان الخويري

في الحياة شهادتان: من يستشهد تمسّكاً بدين، دفاعاً عن عقيدة وإيمان، فيغيب بصمت وفرح وقد حقق الرسالة، ومن يستشهد في ميادين التضحية والشرف، دفاعاً عن قضية أو وطن، فيغيب بفخر واعتزاز، وقد أدى الواجب. وعشية السادس من أيار في ذكرى شهداء لبنان الأبرار، هناك شهيد غاب بصمت وفرح، بعدما حقق بإيمانه المسيحي العميق، أنبل واجب وأقدس رسالة، لأجل الله ولبنان واللبنانيين، هو الشهيد الحي في العقول والضمائر: جورج نعمة الله إفرام.
سنة مضت على غياب هذا اللبناني الكبير، وهو لا يزال حاضراً بين محبّيه وعارفيه، بابتسامته الرحبة، وقلبه الوسيع، وجبينه المتسامي إباء وكرامة، ولكن بتواضع المؤمنين وبساطة الزاهدين. ولا يزال الكل يتلفّت على اشتياق الى هدوء طباعه، وسمات رزانته في أحاديثه وتصرفاته، والى وسامة حضوره في خفر المشبعين من روح السمو والرصانة.
لقد كان جورج إفرام عقلاً منتجاً في جفاف السنين، ويداً عاملة في أشقى الأيام، وإرادة حازمة في أدق المواقف، وذا عزيمة صلبة في مواجهة الصعاب، وداعية ائتلاف ووئام، وساعية اتفاق ووفاق...، ولذلك يفتقده الجميع رجلاً، لا كالرجال، بل عظيماً من هذا الوطن، قام بالواجب وأدى الرسالة لخدمة كل اللبنانيين في كل لبنان.
عرفه محبّوه إنساناً تنوّرت الفضائل السمحاء على يديه عطاءات، تخفيها يساره عن يمينه، ومؤمناً تضج أعماقه بروح الإنجيل، ووطنياً يحمل ذخائر المحبة في عنقه، ويجمع شمولية الأخوة اللبنانية، والوحدة الوطنية في حناياه. ودعوته كانت دائماً الى الحوار البنّاء والتآخي والتفاهم والعيش المشترك واحترام الآخر، بصدق وإخلاص.
جورج إفرام، رجال المال والأعمال، رجل البرّ والخير، النائب والوزير، والسياسي الحكيم، والريادي القدير، لم يتجرثم طوال حياته بزائفات الدنيا وترّهات المدنية، وهو القادر بماله أن يمتلك ما يمتلكه الأغنياء الكبار، بل كان يفضّل الكفاف والعيش بتزهّد وتواضع، ويغدق على المحتاجين ما يكفيهم من إعانات على ضيق وتخفيف من ألم وهمّ، والفرح يملأ قلبه، والحب يفيض من عينيه، بقدر ما ينسكب خيراً بين يديه. ولذا عاش متزنبق الروح، متسنبل الفكر، متأجّج العاطفة والوجدان، ومتطهّراً بالبراءة والشفافية. قليلون هم الذين عرفوا جورج إفرام، رجلاً مكنوز المعرفة على ضياء، وعميق الاطلاع والثقافة على ذكاء، وإنه من المتنورين البعيدي الرؤى وذوي التوق الدائم الى الإبداع والعطاء، ومن العاملين على زرع الخير في الوطن، وتفجير المواهب والطاقات، وإعداد جيل من الشباب لإعلاء المداميك بعزم وشموخ، وهو الذي كان يردد دائماً أن الإنسان الحق لا يكون شاهد عصره، بل صانع عصره. ولذلك كان بينه وبين الصناعة في كل حقل ومجال، طموحات وريادات، إيماناً منه بأن الصناعة هي الأساس في نهوض لبنان وقيامته واستمرار وجوده. لقد كان حقاً مؤسسة قائمة بذاتها لبناء الوطن وصناعة المستقبل.
ويوم عهد إليه بوزارة الاتصالات، ثم الطاقة، وبعدها الصناعة، كان مثالاً للعمل الدؤوب مع فريق من الاختصاصيين اختارهم من مؤسساته الخاصة، وكان يدفع لهم أتعابهم ومكافآتهم من جيبه، ليقدم للدولة أهم الدراسات ويحقق المشاريع والإنجازات، بتجرّد ونزاهة نادرين، إذ لو اقتدى به كل مسؤول، لكان هناك حقاً دولة!
وبعدما عرف وزيراً قادراً ونشيطاً، اختاره الشعب نائباً عن منطقة كسروان ــ الفتوح وجبيل، فكان وفيّاً لهذا الاختيار، بحمل الأمانة والثقة تحت قبة المجلس النيابي، ممثلاً الإرادة الشعبية خير تمثيل، ومطالباً بحقوق الناس المشروعة بعدل وحق، وقد استطاع بفضل جهوده وعلاقاته المميزة بالحكمة والعزم والتصميم، على تحقيق مشاريع مهمة لمنطقته، وفي طليعتها سدّ شبروح الحيوي الذي يوفّر المياه للكسروانيين طوال عقود من السنين الآتية، وتوسيع مدخل أوتوستراد نهر الكلب ــ ذوق مصبح صعوداً الى الجبل، والعمل على تنفيذ ما بقي من أوتوستراد حريصا ــ عشقوت، والمطالبة بتنفيذ أوتوستراد الفتوح ــ فيطرون، هذا فضلاً عن المشاريع التنموية وبخاصة الاهتمام بمواسم الزراعة والإنتاج... ودفع الحكومة الى تبنّي الدراسات والمشاريع التي وضعها لحل مشكلة كهرباء لبنان، وهي التي لو أخذوا بها ولم يخضعوها لحل مشكلة كهرباء لبنان، وهي التي لو أخذوا بها ولم يخضعوها لسياسة السمسرة والمصالح الشخصية، لكان لبنان اليوم ينعم بالنور والطاقة بسهولة وارتياح!... والكل يعرف كم كان صوته مدوّياً على طاولة مجلس الوزراء في وقف الهدر والسرقات، ولكن لم يكن هناك سميع أو مجيب، في وطن غدا حراس حرمته بغاة وطغاة، في غياب عزة القضاء والقضاة.