تجديد الثورة من أجل النصر (*)موفق آغا كحالة

هنالك عدة نظريات مختلفة حول طرق النضال والوسائل السلمية وغير السلمية، المسلحة وغير المسلحة. فهناك حوار بين الذين يريدون للثورة التقدم وبين الذين يفضّلون لها الركود والجمود. والجوهر الأساسي في ذلك الحوار هو: هل الطريق واحدة أم هنالك عدة طرق؟ مناسبة أم منافية؟ ولا يمكنني الجزم بأن هناك طريقاً واحدة بل طريق أساسية، وعلى المدى الطويل هي الطريق الوحيدة؟
ولكنني لا أعني بقولي أنه يجب أن نحمل البندقية غداً، في أي مكان، ونبدأ المعركة، بل أحاول الإشارة الى الكفاح العقائدي بين الذين يريدون الثورة وبين الذين يرفضونها ويزعمون أنها غير مناسبة. وأنا واثق بل مؤمن بأن هناك بلداً عربياً كبيراً لا يعني له هذا الواجب بكونه فورياً بل واجباً مقدساً على المدى الطويل. ومع أخطاء تلك الدولة التي حملت أخطاء العرب مدة طويلة، فنحن معها نساندها بكل ما أوتينا من قوة وإيمان، لأنه مهما كانت الأخطاء فإننا نعلم بأن موقفها هو موقف ثوري نبيل.
نطلب من الثوار العرب بناء فكرة ثورية جديدة ترتكز على أسس متينة حديثة. فهذه الأشهر يجب أن تعلّمنا، نحن جميعاً، بأن نفكر أكثر ونقدر المواقف أكثر وأكثر. فكل تلك اللوائح الثورية القديمة يجب أن تُباد وتفنى، حتى الأدب السياسي الثوري يجب ان يُعطى له ما يعيد قوته وشبابه. لا أريد القول بأن الحركة الثورية العربية قد عجزت عن توجيه الجموع وبَطُل عملها في دنيا الثورة العالمية، وفي كتابة تاريخ هذه البقعة الجغرافية من العالم، بل أحاول إبداء رأيي في أن شجرة الثورة العربية يجب نفضها وهزّها بقوة وعنف لتجريدها من أوراق الخريف الذابلة، وإعطائها الفرصة لكي تكتسي من جديد هذا الثوب الزاهي في ربيع مقبل لا محالة.
لقد دُفعنا الى القتال، ونحن شعب يحب السلام ككل الشعوب. ولم يعد في استطاعتنا إلا أن ندافع عن أنفسنا، فاستعملت شتى الوسائل حتى الآن، السياسية منها والسلمية، حتى باتت بالنسبة إلى أصحاب الحق عنوان الجبن والتزلّف والانصياع، وهذا أمر لا نرضاه نحن أصحاب التاريخ والكرامة. وليس أمامنا إلا الكفاح فنستعد له ونعيد به حقوقنا المسلوبة، فالقضية لم تعد قضية أرض ولا قضية كرامة فحسب، بل قضية مصير، وعلينا نحن العرب أن نكون أمثولة في الكفاح ودرساً قاسياً نلقّن به الأجيال من أبنائنا وأحفادنا. يجب أن نمضي بالكفاح إلى قلب العدو، حتى نحرمه لذة الحياة، وحتى لا تتاح له فرصة الراحة والتفكير، ويجب أن نمضي بالثورة الملتهبة الى المكان الذي يقيم فيه وأتباعه. ومن أجل ذلك وجب علينا تطوير ما لدينا من ماديات ومعنويات، وأن نجهّز جيشاً مكافحاً تكون رايته المقدسة تحرير الإنسانية من العبودية والقيود.
نحن نعلم بأن عواصف ورياح هوجاء تهبّ على العالم من كل صوب وناحية داعيةً الى الحرية والكرامة، فهذا ما نحس به طوال أيام حياتنا. ومع كل هذا فالعدو هنا، يضرب كل يوم، ويرهقنا بضرباته المتتالية، تلك الضربات التي ستوحدنا اليوم، أو غداً، أو بعد غد.
وخلاصة القول: تدمير الإمبريالية بضرب قلعتها الأكثر قوة هو تدمير الخطر على الشعوب المتحررة: الاستبداد الإمبريالي للولايات المتحدة الأميركية. ويجب أن نتبع الرسالة التي نؤمن بها: تحرير الشعوب تدريجاً، واحداً تلو الآخر، دولة تلو دولة، حتى نجبر العدو على توسيع رقعة القتال على أرض ليست بأرضه وطبيعة غير طبيعته، فننهك قواه ونلذع جسده بالنار والجروح الساخنة. وهذا يعني معركة نضالية طويلة الأمد.
ونحن نعيد على مسامع كل الشعوب مرة أخرى، بأنها معركة جبارة مدمرة، حتى لا تخطئ الجموع الثورية عند إعلانها، وحتى لا تتردد في القيام بها خوفاً من المصائب والدمار اللذين ستجرّهما على شعوبها المناضلة. فذلك هو أمل شعوبنا المتحررة وليس هنالك من أمل آخر.
وكما سبق أن قلنا فإن في استطاعتنا ترقّب فجر جديد، بإيجاد فيتنام أخرى، وأكثر، لكي نزهو على مجموع بقعة الكوكب الأرضي، ونصعد في العالم نداء الكراهية للإمبريالية الأميركية حتى في عقر دارها. حينذاك يمكننا تقريب الأمل المقدس الذي من أجله نعيش: حياة، حرية، كرامة.

(*) كتب هذا المقال عام 1967 بعد شهور قليلة من النكسة