محمد خواجه *
ما إن وضعت الحرب الإسرائيلية على لبنان أوزارها، حتى بدأ الكلام على حرب جديدة، قد لا تتوقف عند حدود لبنان، لتشمل هذه المرة سوريا. وبدأت التساؤلات تتردد على ألسنة المواطن العادي، والسياسي، والمثقف، والإعلامي والمستثمر... عمّا إذا كان الصيف المقبل سيحمل حرباً جديدة؟ وكأن الحرب والصيف فعلان متلازمان، أو أن الأخير هو «كلمة سر» الحروب الإسرائيلية. والتوقيت الصيفي يضفي على الخبر المتداول الصدقية اللازمة، فمعظم حروب إسرائيل ضد العرب، شُنّت في فصل الصيف (حزيران 1967، حزيران 1982، تموز 2006). يبدو أن الحديث عن تجدد الحرب، لم يقتصر على الجانب اللبناني وحده، فقد ترددت معلومات صحافية إسرائيلية، تتنبّأ بصيف حار! ومنها، ما ذكره أليكس فيشمان ــ المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 7/5/2007 ــ قائلاً: «إن الجيش السوري يكثف استعداداته، لمواجهة محتملة مع إسرائيل في الصيف المقبل». وفي سياق متصل، ينقل المحلل العسكري زئيف شيف ــ عبر صحيفة هآرتس الإسرائيلية، 18/5/2007 ــ تسريبات مفادها توقّع بعض الإسرائيليين نشوب الحرب في الصيف. ويتسائل هل هم على حق؟
إذاً الحرب الإسرائيلية واردة في أي وقت، إلا أن تحديد توقيتها في فصل الصيف الآتي، أو غيره من الفصول، ليس بالأمر المحتوم. فالحرب كظاهرة اجتماعية، تحكمها جملة من العوامل، وأهمها الظروف السياسية المؤاتية، وجهوزية أطراف النزاع، بعيداً من رغبات القادة ونزواتهم. لذا للإجابة عن السؤال المطروح عن احتمال اندلاع الحرب في الصيف المقبل، لا بدّ من استعراض سريع لمدى جهوزية كل من أطراف الصراع المحتملين.
بخصوص المقاومة اللبنانية، فمن المرجح قيامها بدراسة معمقة، تناولت فيها مجريات الحرب الإسرائيلية على لبنان ونتائجها، وما تخللها من إنجازات وإخفاقات. وليس سراً أن المقاومة قد رمّمت قدرتها الدفاعية ــ على صعيد التسلح وتأهيل القوات ــ التي تضررت نسبياً في حرب تموز. وباتت اليوم في حالة جهوزية عالية، حسب تصريحات قادة المقاومة، والتقارير الإسرائيلية. وبما أن المقاومة لم تبادر يوماً الى شن حرب واسعة على إسرائيل، بل كانت في موقع الدفاع عن النفس والوطن. فهي ليست بوارد الإقدام على عمل يؤدي الى تفجير واسع على الحدود مع فلسطين المحتلة. وتضع في حساباتها المتغيرات التي طرأت بعد حرب تموز، ومنها صدور القرار الدولي 1701، وما تضمنه من انتشار للجيش اللبناني، وقوات الطوارئ الدولية، على كل الحدود الجنوبية. هذا الأمر قلّل من احتمالات الاحتكاك المباشر بين الإسرائيليين من جهة، والمقاومة اللبنانية من جهة أخرى. وبالتالي تحول عمل المقاومة من الدفاع المباشر عن الحدود إلى عامل مؤازرة للجيش اللبناني، مع الاحتفاظ بالجهوزية الكاملة لملء أي فراغ قد ينتج عن وضع ما. هذا على الجانب اللبناني.
تجهد سوريا لتطوير قواتها العسكرية، وتحديث أنظمة التسلح لديها، وقد تعاطت مع معطيات حرب تموز ونتائجها باهتمام بالغ، ويبدو أنها استخلصت العبر التي تمخضت عنها، ولا سيما ما يختص بأساليب القتال والأسلحة المستخدمة من قبل طرفي النزاع، وكذلك مكامن القوة والضعف لدى الفريقين.
تدرك سوريا أن الخلل الرئيس في ميزان القوى بينها وبين إسرائيل، يكمن في سلاح الجو. فالقوات البرية السورية لا تقل كفاءة عن نظيرتها الإسرائيلية، بل قد تتخطاها في العديد من المجالات، والتقديرات تشير الى أن الجيش السوري قد عدّل في استراتيجيته العسكرية، والتكتيكات اللازمة لها، بما يتلاءم مع الدروس المستقاة من حرب لبنان. ويسعى الى تحسين قدراته القتالية والتسليحية. وفي هذا السياق، تشير المصادر الإسرائيلية الى أن السوريين سعوا في الأشهر الماضية للحصول على الأسلحة المتطورة كالصواريخ البالستية (أرض ــ أرض) والصواريخ المضادة على أنواعها. وكانت الصحف العبرية قد نشرت أنباءً عن حصول سوريا على صاروخ روسي مضاد للدروع من طراز «كريزنتما»، وهو يضاهي صاروخ كورنت الروسي، الذي استخدمته المقاومة في حرب تموز، وأبلى بلاءً حسناً، وتحدثت المصادر عينها عن صفقات سلاح أبرمت بين الجيش السوري وبين مجمع الصناعات العسكرية الروسية، لشراء عشرات بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، من طراز «إس 300» و«إس أي 17» المتطورين. وتشير تصريحات المسؤولين السوريين ــ على قلّتها ــ الى أن الجيش السوري قد تضاعفت ثقته بنفسه، بعدما تيقن أن للقدرة الإسرائيلية حدوداً، وأنه يمكن أن تمس بالصميم، متى توافرت إرادة القتال. هذا ما برهنته المقاومة اللبنانية في مواجهتها للحرب الإسرائيلية الأخيرة.
إلا أن توافر هذه العوامل لا يكفي لكي تبادر سوريا الى شن حرب على إسرائيل في الصيف المقبل. فتقديرات الخبراء الإسرائيليين تشير الى ان السوريين يحتاجون الى 3 سنوات لاستيعاب الأسلحة الحديثة. وكان الجنرال يوسي بايدتس ــ رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية ــ قد صرح أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي بـ«أن سوريا لن تبادر الى الحرب في السنة المقبلة».
لذا تتصف الإجراءات السورية المكثفة على صعيديْ التدريب والتسليح بالطابع الدفاعي، وتندرج ضمن عملية الاستعداد لصدّ أي هجوم إسرائيلي مباغت.
بالمقابل، باشر الإسرائيليون العمل بتوجيهات تقرير لجنة فينوغراد التي حققت في إخفاقات حرب لبنان الثانية. وكان التقرير قد ركز على نقص الاستعدادات في مجال الحرب البرية. وأخيراً تحدثت صحيفة معاريف عن خطة يعدّها الجيش الإسرائيلي لتنشيط القوات البرية التي عانت في السنوات الأخيرة من تقليص في موازناتها بنسبة 30%، وتسريح بعض وحداتها القتالية.
لقد انقضت عشرة أشهر على توقف الحرب، وما زالت الأسئلة الصعبة التي واجهت القيادة الإسرائيلية من دون أجوبة حاسمة حتى الآن، ومنها: ما العمل للرد على الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى التي طالت العمق الإسرائيلي على مدار 33 يوماً؟ وماذا سيفعل الجيش الإسرائيلي لإبطال فعالية الصواريخ المضادة للدروع، بعدما نجحت المقاومة في شل سلاح المدرعات الإسرائيلي أثناء الحرب الأخيرة؟ علماً بأن إسرائيل تبذل جهداً حثيثاً لحل هذه المعضلات الميدانية التي واجهتها في حرب لبنان الثانية، عبر محاولات تصنيع منظومات مضادة لهذه الأسلحة، إلا أن الأمر ما زال في إطار الرغبة والتجارب النظرية.
ويسعى الجنرال غابي أشكنازي ــ رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية ــ لإعادة تأهيل الجيش، وبخاصة القوات البرية التي تخضع لبرنامج تدريبات ومناورات مكثفة، وهو الذي يدرك أن الحرب المقبلة على لبنان وسوريا، لن تكون نزهة صيفية، وأن الجيش الإسرائيلي بحاجة الى الوقت ليتعافى من آثار الهزيمة التي لحقت به.
ويبدو أن القوات الإسرائيلية تركز جهودها المباشرة، في هذه المرحلة، على الجبهة الفلسطينية «لمعالجة» تساقط صواريخ القسام على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة النقب. وتدور المناقشات داخل الأطر الأمنية الإسرائيلية حول احتمال شن عملية برية واسعة تستهدف قطاع غزة، بعدما اقترب سلاح الجو الإسرائيلي من استنفاد أهدافه من دون تحقيق نتائج حاسمة.
والاستنتاج الأوّلي لا يدل على رغبة أي من أطراف الصراع في شن حرب كبرى في الصيف المقبل. والمعطيات المتوافرة لا تشير الى حرب إسرائيلية قريبة على الجبهة الشمالية، إلا إذا طرأ تطور إقليمي كبير، كإقدام الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية للجمهورية الإسلامية في إيران، عندها يمكن أن تقدم إسرائيل على فتح جبهتيْ لبنان وسوريا لشلّ حركتهما.
* كاتب لبناني
إنسرت