بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين محمد خليل رضا (لبنان)

إن النيكوتين هو المسؤول عن التعلق بالسيجارة. لقد كانت منظمة «الصحة العالمية» السبّاقة في إعطاء تعريف علمي طبي دقيق للتعلق بالمادة: «هي حالة نفسية، وأحياناً جسدية، ناتجة من تفاعل بين جسم حي ومادة تتميز باستجابات سلوكية وأخرى، وتشتمل دائماً على إكراه «إجبار» على تناول المادة بطريقة منظمة أو مرحلية من أجل الشعور بتأثيراتها النفسية. وأحياناً، لتحاشي عدم الراحة في غيابها (الفطام) التحمل يكون حاضراً أو لا يكون».
دخان السجائر يحتوي على آلاف المواد: أربعة الآف مادة، ومنهم من يعطي رقماً قاسياً، مئة ألف، ضمنها 481 مادة سرطانية، مع وجود لأربع مجموعات رئيسية: النيكوتين، أحادي أوكسيد الكربون «25» المواد المهيّجة، المواد السرطانية.
لا بد من الإشارة إلى أن مخاطر التدخين من سرطانات وأمراض وسواها أصبحت متداولة ومعروفة شعبياً من مدخنين وغير مدخنين، لكن لا بأس في أن نذكِّر الباحثين من باب (ذكِّر إن نفعت الذكرى)... إن نفعت؟! بخصوص السرطانات: سرطان المعدة والمريء (إذا كان مصحوباً بتناول الكحول) والرئة، والقصبات الهوائية، الدماغ، الخصية، الدم، الفم، اللسان، الشفة، الحنجرة، الكلية، المثانة، المبيض، الثدي، عنق الرحم والبنكرياس و...، بالنسبة إلى الأمراض، فالتدخين يضخ فيها عوارض وعللاً، واضطرابات بدون شفقة، ورأفة، ورحمة وبقسوة لا مثيل لها على الجهاز الهضمي، والتنفسي، والعصبي، وعلى العين، والفم ومحتوياته، بما فيها الأسنان. وماذا عن الأمراض النفسية والقلب والأوعية الدموية، وضغط الدم؟ وكذلك يرفع من نسبة السكر في الدم، والشحميات بالدم، وفاريس الأطراف السفلى، وسماكة جدار الشريان الذي صنف حديثاً عامل خطورة، وعلى الشخير و«الصلع» والألم المزمن للفقرات القطنية للظهر «LOMBALGIE»... لكن ماذا عن التدخين خلال فترة الحمل ومخاطره على الأم والجنين، وترقق العظام، وتقدم سن اليأس 4 أشهر مقارنة بالنساء اللواتي لم يدخن؟
لا بد من ترك فسحة متواضعة للتحدث عن آلية الإقلاع عن التدخين ومكافحته. للتذكير بمكافحة التدخين في السابق، الأساليب كانت قاسية، صارمة، مؤذية. مثلاً في إيران في عهد الشاه عباس الأول كان يقطع أنف من يتنشق السعوط وشفاه من يدخن. أما في القسطنطينية فالسلطان عميرات الرابع كان يجبر المدخن بين الشنق والغليون في فمه أو أن يحرق بأوراق التبغ؟! عام 1604 كان ملك إنكلترا جاك الأول ينفي المدخنين إلى الساحات، وكان البابا أوربان السابع «URBAIN VII» يحرم المدخن كنسياً. عام 1670 ملك فرنسا لويس الرابع عشر منع التدخين في حضوره.
أما في عصرنا الحديث فهناك آلية أكثر حضارية، وعلمية بامتياز من خلال معاينة المدخن عند طبيب متخصص في أمراض التدخين «TABACDOGIE»، يتعرف إلى ماضيه الطبي الشامل والتدخين من كل جوانبه، وكذلك المخدرات والكحول... وبالتالي توجد اختبارات نفسية عديدة، هي عبارة عن أسئلة قصيرة جداً ومحدودة تتعلق بالقلق، والاكتئاب، يجيب عنها المدخن فوراً، والأهم من ذلك اختبار أساسي ومهم جداً هو اختبار التعلق بالنيكوتين، مع قياس معدل أحادي أوكسيد الكربون «CO» في هواء الزفير، إلى جانب فحوص النيكوتين في الدم، التبول، الريق، وصورة شعاعية للصدر، وتخطيط القلب وفحوص أخرى... ويتعرف الطبيب المعالج إلى سير التعليل «MOTIVATION» (الحافز)، وما دفع مريضه إلى التفكير بالأسباب للتوقف عن التدخين، وعليه توجد أسئلة التعليل بحسب البروفسور الفرنسي «LAGRUE» عبارة عن ثماني اسباب وحجج وبراهين: 1 ـــــ أخشى على صحتي. 2 ـــــ أريد التحرر من هذه العبودية، 3 ـــــ أرتعب من كل من يتحدث عن التدخين، 4 ـــــ السجائر غالية جداً، 5 ـــــ لا أريد تقديم هذه العادة لأولادي، 6 ـــــ أنا مذنب تجاه محيطي، 7 ـــــ أريد أن أكون بأفضل وأحسن حال، 8 ـــــ لدي أطفال أعمارهم صغيرة.
وعليه يتكيف الطبيب المعالج باستراتيجية العلاج من خلال التقييم الشامل لوضعية كل مدخن على حدة وليس بالجملة.
أختم المقالة المختصرة جداً «بطلب عاجل» للدولة اللبنانية. أنا الدكتور محمد خليل رضا من خلال موقعي العلمي المتواضع جداً أطلب بأن ترفع سعر السجائر وأخواتها، وتدريس مادة أمراض التدخين في الجامعات والمؤسسات الدراسية تماشياً مع توصيات منظمة الصحة العالمية «OMS» في بندها التاسع: «إدراج مخاطر التدخين في برامج المؤسسات التعليمية والمدارس ودور المعلمين والمعلمات والجامعات»، فحدا يسمعنا... اللهم إني قد بلغت؟!