المجلس النيابي وعيوب الرضى
  • المحامي الياس نهرا

    هل ما يشهده مجلس النواب طبيعي ومبرّر، أم أنه أمر غير مألوف ويخرج عن القواعد والأنظمة الديموقراطية في بلدٍ يعتمد دستوره النظام البرلماني الحرّ.
    خير جواب على ما تقدم، إن أردناه موضوعياً ومجرداً من العواطف السياسية والعصبيات الطائفية والمذهبية، نجده في العيوب القانونية التي شابت إرادة القوى السياسية عند موافقتها على قانون الانتخابات الذي ابتكرته سوريا أصلاً كأداة للتحكم بلبنان طوال زمن الوصاية.
    أما هذه العيوب، وإن تعدّدت وتوزعت على القوى السياسية، فإن مفعولها القانوني واحد: إبطال التوافق على قانون الانتخابات وإبطال نتائجه الانتخابية.
    وبما أنه لا وجود لمجلس دستوري كي يعلن هذا الإبطال، لذلك أصبحنا أمام مجلس نيابي معطل في مضمونه، ووجوده يقتصر على الناحية الشكلية فقط.
    يبـــــــقى أن نــــــــــتوقف أمام خــــــــريطة الـــــــــطريق التـــــــــــي سلكتها مفاوضات التسويق الماكر لقانون الانتخاب وما تبعها من قبول باطل.
    فــــــــــــبالنسبة إلى حركة أمــــــــــــل، يبــــــــــــدو أن قبولها بالاتفاق على القانون قـــــــــــد شابه عــــيب الغلط المفسد لــــــلرضى بعدما أدركت أن رأيها داخل الحـــــــــــلف الرباعي استشاري فـــــــــــقط لا يرتقي إلى مرتبة التقرير والــــــــــبت والفصل مـــــــــثل رأي النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط.
    أما حزب الله فلقد أدرك الجميع أنه وقع ضحية مؤامرة خداع من النوع المفسد للرضى أيضاً، حين وافق على القانون من مبدأ الدخول في حلف رباعي يؤمن له أغلبية حاكمة تقيه شرّ المتربصين به، وإذ استنتج في ما بعد أن المهمة الأساسية والوحيدة لهذه الأغلبية تطويقه وتكبيله داخلياً وخارجياً. أمــــــــا القوى المسيحية فقد شطرها الحـــــلف الرباعي قسمين:
    أول رفضه وعدّه غير موجود، لأنه غير ميثاقي وخاض الانتخابات النيابية في مواجهته، ومن باب التعامل مع القانون كأمر واقع أعلن رفضه المبدئي له، ونقصد التيار الوطني الحر برئاسة العماد ميشال عون الذي شكّل موقفه الرافض للحلف الرباعي القنبلة الموقوتة التي فجرته وحررت أسراه.
    وقسم ثانٍ تمثل في الكنيسة المارونية وسائر قوى قرنة شهوان وقتئذ.
    واللافت أن الكنيسة أصيبت إرادتها أيضاً بأحد عيوب الرضى، إذ وافقت على قانون الانتخابات بعد أن أعلنت رفضها القاطع له في جملة شهيرة صدرت عـن مجلس مطارنة استثنائي: «هذا القانون لن يمر وقد أعذر من أنذر».
    وفي الصباح الباكر عادت وقبلت به على وعد التعويض عن مساوئه عبر التعيينات الإدارية في ما بعد. ويبقى الشاهد على صدق هذا الوعد المركز الشاغر لمنصب المدير العام لوزارة التربية منذ أكثر من سنة.
    أما قوى قرنة شهوان فقد شاب قرار موافقتها على قانون الانتخابات عيب عدم الأهلية الذي أوقع المسيحيين في غبن ما بعده غبن كاد أن يمحوهم عن الخارطة السياسية لولا قدرة قادر أدت إلى انتزاع ما يقارب ثلث المقاعد النيابية المحفوظة لهم أصلاً في الدستور.
    وعليه، بعد استعراضنا للعيوب التي شابت إرادة التوافق على قانون الانتخابات الذي أراده اللبنانيون معبراً من زمن الوصاية إلى عهد الاستقلال الثاني، نستنتج أن ما يشهد المجلس النيابي اليوم من شلل وتعطيل لدوره أمر طبيعي ومنتظر لأن ما بني على باطل فهو باطل بالفعل.
    يبقى أن نلفت إلى مفهوم الكنيسة الكاثوليكية الخاص باحترام الإرادة البشرية وضرورة حمايتها، وهناك قول شهير للقديس أغسطينس فــــــي هذا المجال: «الله الــــــــذي خلق الإنسان احترم حريته».
    وإن هذا المبدأ السامي لاقى تأثيراً ومن ثم ترجمة له في ما بعد في القانون الوضعي عبر ما يعرف في عيوب الرضى.