أسئلة لا بد منها
  • مروان جبران

    «إن الفلاسفة لم يفعلوا سوى تفسير العالم بينما ينبغي تغييره...»، من هذه المقولة الشهيرة لكارل ماركس، أعتقد أننا يجب أن نبدأ كي لا يتحول النقاش الفكري وهو يحاول طرح الأسئلة والإشكاليات الأساسية في مجتمعاتنا العربية، الى نوع من الترف أو كلام للتبرير.
    إن دور النخب الثقافية ليس ذا معنى إلا بمقدار تحوله الى قوة مادية، أو بمقدار تأثيره في الممارسة السياسية للقوى الاجتماعية والسياسية التي تحمل مشروع التغيير.
    ولتوضيح الأمور، سأحاول التحدث بشكل ملموس مذكّراً بما كان يقال في الغرب منذ حوالى عشر سنوات، أي قبل همروجة المحافظين الجدد و11 أيلول وبن لادن وغزو أفغانستان والعراق، وتحديداً ما كان زبغنيو بريجنسكي وغيره من كبار المحلّلين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة الذين ينتمون الى ما يعرف بالمدرسة الواقعية، يقولونه عن ضرورة شن حرب وقائية وضرورة السيطرة على أوراسيا كي تحافظ أميركا على تفوّقها وتمنع تطور أي قوة تنافسها استراتيجياً.
    وكان بريجنسكي يعتبر الشرق الأوسط المدخل الى المعركة الكبرى في شرق آسيا مع العملاق الصيني. اليوم وبعد عشر سنوات، تغيّر الوضع.
    بريجنسكي نفسه يعتبر أن الولايات المتحدة أضاعت فرصة قيادة العالم.
    هنري كيسنجر ومنذ أيام ألقى محاضرة في إحدى الجامعات الصينية اعترف خلالها بأنه لا أحد يستطيع منع تطور الصين... وأن الانتصار في العراق مستحيل...
    نعم، الولايات المتحدة انهزمت في العراق، وأحلام المحافظين الجدد اصطدمت بالواقع، ولكن السؤال الأساسي: من انتصر؟
    هل العودة الى المنهج الواقعي ــ البراغماتي في تحقيق المصالح الأميركية مع ما يعنيه ذلك من بقاء الأنظمة في المنطقة (من النظام المصري والأردني والسعودي الى النظام السوري والإيراني)، هو انتصار لقوى التحرر؟
    هل معادلة بوش أو بن لادن أو الأنظمة القائمة انتهت لمصلحة بقاء الأنظمة، أي لمصلحة تحقيق المصالح الأميركية من خلال تغذية وإدارة التناقضات، التناقضات المذهبية وتحديداً بين السنّة والشيعة، وتناقضات الأنظمة وتحديداً بين السعودية وإيران؟
    هناك أنظمة يصنّفها بوش معتدلة أي أكثر قبولاً بالطروحات الأميركية، وهناك أنظمة ممانعة أي أكثر اعتراضاًَ على تلك الطروحات. لكن السؤال المطروح، هل بقاء هذه الأنظمة وعلى رغم كل التمايزات في ما بينها يعني وجود مشروع نهضوي تحرري؟
    من المهم الرفض والاعتراض، لكن الأهم تقديم البديل على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتنموي...
    ومن هنا سأحاول طرح لبّ الموضوع من موقعي كيساري مع قناعتي بضرورة إعادة تحديد مفهوم اليسار، حيث يجب علينا تحديد ثلاث أولويات:
    أولاً: الحفاظ على الذات بالحد الأدنى، أي عدم الانهزام والتكيف مع المشروع الأميركي من جهة، وفي المقابل عدم الذوبان في الحركات الإسلامية.
    ثانياً: تفعيل التضامن اليساري وعلى الأقل فكرياً.
    ثالثاً: وعلى رغم أنه لا يمكننا الحديث عن صراع اجتماعي ونحن نتحدث عن وعي طائفي وعن إيديولوجيا دينية، أنا واحد من الأشخاص الذين يعبّرون عن وجود إمكانية تقاطع مع بعض الحركات الإسلامية (مثلاً مع حزب الله حول موضوع المقاومة)، ولكن يجب تحديد هذا التقاطع وحدوده. التقاطع هو بين مشروعين لا بين مشروع وهامش...
    وأخيراً أعتبر أنه علينا تقويم تقديرنا الخاطئ كماركسيين عموماً، للعامل الديني وتأثيره في البنى الاجتماعية والثقافية ودروها في تكوين الوعــــــــــي، وهذا ما حاول شهيدنا الكبير مهدي عامل القيام به.