عبدالزهرة الركابي*
أعلنت هيئة «النزاهة العامة» في العراق أخيراً أن القيمة التقديرية لأموال «الهدر» والفساد الإداري والمالي تبلغ ثمانية مليارات دولار.
ونقل بيان رسمي عن رئيس الهيئة العامة القاضي راضي الراضي قوله «إن القيمة التقديرية للمبالغ المهدورة بسبب حالات الفساد الإداري والمالي تبلغ ثمانية مليارات دولار»، ولم يحدِّد البيان هذه الحالات أو ما هي الوزارات أو الدوائر المتورطة.
وأكد أنه رفعت دعوى أمام المحكمة الدستورية لإلغاء المادة الرقم 136 التي وصفها بأنها معرقلة، مؤكداً أنها تنص على عدم إحالة المتهم إلا بموافقة المرجع، أي الوزير المختص. وأوضح أن قيمة الأموال التي أهدرت بسبب هذه المادة تبلغ سبعين مليار دينار (55 مليون دولار).
وفي السياق نفسه، أعلن الراضي أن التحقيق جار مع 180 موظفاً من وزارة النفط في محافظة البصرة، متهمين بقضايا فساد إداري ومالي.
من الواضح والأكيد أن السلطة السائدة في العراق، بصرف النظر عن سلطة الاحتلال وشكلية الحكومة القائمة، شهدت خلال مراحلها عمليات اقتتال واحتراب ناتجة من الصراع السياسي بين الجماعات السياسية على (المغانم الاقتصادية) وعمليات تهريب النفط. وحسب تقرير «لجنة النزاهة» العراقية الصادر في الفترة الأخيرة، فإن قيمة المبالغ التي سرقتها تلك الجماعات السياسية بلغت ثمانية مليارات دولار حسب البيان المذكور والمعلن، بينما الحجم الخافي هو أعظم من ذلك بلا شك، وقد أصبح طلب اللجنة المذكورة إلى البوليس الدولي (الإنتربول) بإلقاء القبض على المتهمين الذين هربوا إلى خارج العراق محل تندر وتهكم في الشارع العراقي، لأن هذه اللجنة لم تشر إلى المتهمين الموجودين داخل العراق، لا من قريب أو بعيد، مع التذكير بأن هؤلاء اللصوص لم يكونوا حديثي العهد بمهنة اللصوصية، وخصوصاً أنهم تربوا وترعرعوا عليها منذ سنوات المعارضة العراقية السابقة، كما أن من بينهم من قام بسرقة النظام العراقي السابق وانضم للمعارضة بدعوى أن ما قام به هو من متطلبات «النضال والمعارضة»، فضلاً عن اختلاط الحابل بالنابل في هذه المعارضة، عندما قام معارض بسرقة معارض آخر بذريعة أن هذه الأموال أميركية وبالتالي فإن سرقتها «حلال».
وفي سياق الفساد المستشري بين القوى السياسية الطافية في المشهد العراقي، طالب أعضاء في الكادر الوسطي لحزب الدعوة المكتب السياسي بتقديم إجابات وافية عن سر الثروة التي هبطت فجأة على أحد أعضائه الذي كان يعتاش حتى يوم إطاحة النظام العراقي السابق على الإعانة الاجتماعية في بريطانيا. وفي هذا الصدد قال متحدث باسم الائتلاف الموحد الحاكم في العراق المحتل، إن الائتلاف لا يمكنه تحمل أخطاء أي طرف مشارك فيه، وإنه غير مسؤول إلا عن التوجهات السياسية العامة. ولفت المتحدث الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، دفعاً للحرج في تصريح لوسائل الإعلام في بغداد، إلى أن «حزب الدعوة هو الجهة التي يمكن أن تتوجهوا بالاستفسار منها»، رافضاً التعليق على ما أبدته الأوساط السياسية في العراق من مخاوف أن يكون حزب الدعوة نفسه متورطاً بما وصفته أكبر عملية غسل أموال في تاريخه بالخارج قد تفتح ملفات.
يُذكر أن حزب الدعوة الذي يتصدر الحكم الآن في العراق المحتل كانت له جولات قتل متبادلة بينه وبين النظام العراقي السابق، حتى أن الأخير أرسل عدداً من أعضاء الحزب لمقر سري للحزب في أحد البلدان وهم في أكياس متقطعي الأوصال، رداً على عمليات اغتيال وتفجيرات قام بها الحزب ضد أعوان ومؤسسات النظام العراقي السابق في أكثر من بلد.
وبعد إخفاق حزب الدعوة في قتل صدام في موقعة الدجيل بداية الثمانينيات، قام النظام السابق بعملية كبيرة تجاهه أدت إلى تصفية المئات من أعضاء الحزب المذكور، بينما هرب من تسنت له النجاة من أعضاء هذا الحزب إلى خارج العراق. وبعد إطاحة نظام صدام ومجيء الاحتلال، دخل «الدعوة» أو ما بقي منه إلى جانب الأحزاب والجماعات الفئوية الأخرى إلى العراق ليستأثروا بالحكم.
أخيراً، نال حزب الدعوة من صدام من خلال «حفلة» الإعدام التي أُقيمت له في أول أيام عيد الأضحى على النحو الذي خدمه في مماته أكثر مما خدم ثأر «الدعوة» وانتقامه، وهو الذي لم يكن في الواقع في موقع قوة بين القوى الفئوية لو لم يتداركه في الدعم تيار مقتدى الصدر المعروف بميليشياه المرعبة (جيش المهدي).
وتبادل قياديون من الكادر الأعلى للدعوة الاتهامات بالتقصير وتوريط الحزب كله في فخ إحراق أوراقه السياسية بتخطيط محكم من منافسيه في الائتلاف الموحد الذين خسروا جولة من المنافسة لمصلحة حزب الدعوة عندما أزاح المالكي مرشح عبد العزيز الحكيم لرئاسة الحكومة عادل عبد المهدي.
وحسب مصدر مقرب من اجتماعات قيادة الدعوة، فإن سامي العسكري عضو المكتب السياسي تحدث بصراحة في الاجتماع عن انكشاف خطة إخراج حزب الدعوة من المعادلة السياسية عبر صفقة عبد العزيز الحكيم في واشنطن لضرب قواعد الميليشيات التابعة لمقتدى الصدر والمؤيدة للدعوة، ولا سيما بعد أن ظهرت اعترافات من وزارة الداخلية ذات الولاء المطلق للحكيم بأن ميليشيات مقتدى الصدر اخترقـــــــــت فريق الإعدام ونفذت بنفسها ترتيبات إعدام صدام حسب تصريح مسؤول كبير لوكالة رويترز، وهو التصريح الذي أحرج المالكي وعده المراقبون في بغداد رصاصة الرحمة التي أطلقها الحكيم على الائتلاف الموحد، وقد تضاعف أثر هذه الرصاصة بانشقاق حزب الفضيلة من هذا الائتلاف الذي تكاثرت مآزقه بالفشل الدراماتيكي لخطة أمن بغداد أو التي تُطلق عليها الإدارة الحكومية خطة (حفظ القانون). وما مشاهد الموت الـــــــــيومية في بغداد وباقي المحافظات العراقية إلا دليل مضاعف على أن الإدارة العراقية وسندها الاحتلال في واد، والقانون في واد آخر.
* كاتب عراقي