كامل وزنة *
يواجه رئيس البنك الدولي ومهندس الحرب على العراق، بول وولفوفيتز، انتقادات واسعة وضغوطاً كبيرة من مجلس إدارة البنك الدولي للاستقالة، بسبب الفضيحة اللاأخلاقية التي فُرضَتْ من خلالها زيادة في الراتب لعشيقة وولفوفيتز شاها رضا، العاملة في البنك الدولي، والتوسط لها في الانتقال إلى وظيفة جديدة بأجر أعلى، ما دفع أمناء البنك إلى توجيه رسالة تحذيرية قاسية بطريقة غير اعتيادية لقيادته للمحافظة على قيم البنك وسمعة العاملين فيه.
تأسس البنك الدولي عام 1944 في برتين وود، وكان هدفه الأساسي تقديم المساعدات والدعم المالي للدول التي دُمِّرَت بنيتها التحتية خلال الحرب العالمية الثانية. لكن هذه المهمة تغيرت باتجاه تقديم مساعدات للدول النامية. تأتي هذه الأموال بدعم من الدول الصناعية عبر تسليف حوالى 24 مليار دولار كل عام من القروض لحكومات تابعة سياسياً للأنظمة العالمية. ويقول جوزف ستغليس في كتاب «خيبات العولمة»: يوم كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يقرضان مالاً لموبوتو رئيس زائير التي صارت اليوم جمهورية الكونغو الديموقراطية، كانت الدول الغربية تعلم أن تلك المبالغ لا تستخدم بالأساس لأجل مساعدة فقراء هذا البلد، بل لأجل إثراء موبوتو، فكانوا يغدقون المال على هذا الرئيس الفاسد لكي يبقى بلده وثيق الارتباط بالغرب.
تاريخياً لم يشهد البنك هذا الانقسام الحاد، فقد كانت قيادة وولفوفيتز محل مساءلة منذ تعيينه بسبب قيادته لحرب العراق. وانتقدت بعض الدول استراتيجية وولفوفيتز «الغامضة» لمكافحة الفساد، لأنها عرقلت وصول الأموال لدول فقيرة. ويعتقد كثيرون حسب ما ذكرت جريدة نيويورك تايمز بأن الدول الأوروبية تنظر إلى هذا الرمز «وولفوفيتز» على أنه يمثل الأحادية الأميركية المتغطرسة، وأن تعيينه في البنك الدولي منذ عامين كان محاولة من إدارة بوش للسيطرة على المراكز الدولية وإخضاعها للسياسة الأميريكية. فبالإضافة إلى وولفوفيتز في البنك الدولي، كان تعيين بولتون في الأمم المتحدة محاولة للسيطرة على مراكز القرار والنفوذ. وتأتي هذه التجاذبات في وقت يعيش فيه فقراء العالم حالة من التدهور المستمر. وتشير آخر الإحصاءات إلى أن هناك أكثر من 850 مليون شخص يعيشون دون مستوى الفقر ولا يتمتعون بالتغذية الكافية، ومعظمهم من البلدان النامية التي تفتقر إلى المياه الصالحة والصرف الصحي. كما أن هناك أكثر من مليار و 200 مليون شخص يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، إضافةً إلى 2,8 مليار يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، وهم يمثلون أكثر من 45 % من سكان العالم. هذا بالإضافة إلى انتشار الأمراض المستعصية، بحيث يتوفى أكثر من 3900 طفل كل يوم في البلدان النامية نتيجة أمراض يمكن تفاديها.
تشهد عواصم العالم تخوفاً من سياسة التمييز الأميركية التي بدأت تستخدم القروض لمكافأة أصدقاء واشنطن ومعاقبة خصومها. فقد أوقف وولفوفيتز برنامج دعم اقتصاد أوزبكستان بعدما رفضت الأخيرة السماح للطائرات الأميركية العسكرية باستعمال مجالها الجوي، إضافة إلى تخصيص مبالغ لمساعدة الدول التي وقَّعت مع الولايات المتحدة على برنامج مكافحة ما يسمى الإرهاب (نيويورك تايمز ــــــ 14ــــــ2007). وحسب مصادر موظفي البنك الدولي هناك احتجاجات على تجاهل وولفوفيتز خبرة موظفي البنك واعتماده على مساعدين استقدمهم من إدارته السابقة، وهي السياسة التي اتبعها عندما كان يقود سياسة الحروب الاستباقية التي اتسمت بإطار ضيق من المستشارين الذين خططوا ونفذوا سياسات الحرب بعيداً عن الشفافية والمحاسبة أمام الكونغرس والشعب الأميركي. وقد دفع العالم ثمناً باهظاً لهذه السياسات التي أتلفت البيئة ونشرت الفساد وعمّمت الفوضى.
فهل يستطيع من خطط ونفذ سياسة الحرب أن يكون شريكاً في بناء الاقتصاد وتنمية القدرات وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي في الدول التي ما زالت تعاني الفقر والحرمان بسبب السياسات المتبعة من الإدارة الأميركية التي يشكل وولفوفيتز أحد نجومها؟ ألا يستحق الفقراء في العالم قيادة أخرى تلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم وتنظر بصدقية وشفافية إلى مطالبهم؟ وهل سيكون اعتذار وولفوفيتز بمثابة اعتذار عن الجرائم التي اقترفها في حق المدنيين في العراق؟ وهل ستمضي السياسة الأحادية الأميركية في الوقوف ثانية في وجه المجتمع الدولي؟
فهل مهمة وولفوفيتز خدمة السياسة الأميركية وتطبيق سياسة بوش الأحادية، أم إنتاج سياسة اقتصادية إنمائية تخدم مصالح فقراء العالم؟
حان الوقت لقيادة جديدة للبنك الدولي لمواجهة المخاطر والتحديات الاقتصادية والإنمائية وتوزيع الثروات ومكافحة مخاطر البيئة والمجاعة والبطالة والجفاف وترويج سياسة التقارب بين الشعوب والابتعاد عن الأحادية وسياسة التسلط، فهل يسمع بوش نداء العالم ويرحل وولفوفيتز؟
* خبير في الشوؤن الأميركية