إلى عزمي بشارة ــ آن الأوان!د.علي حمية

سمعتك، أمس، (وشاهدتك) على قناة «الجزيرة» تقدّم ما يشبه «جردة الحساب» عن تجربتك الطويلة في العمل السياسي في إطار «الدولة الإسرائيلية». ووجدتني مشدوداً، بكلّيتي، لحديثك، مع أنها لم تكن المرة الأولى التي أسمعك فيها، فقد سبق أن سمعتك، في غير مرة، وفي غير مناسبة.
وأعترف، هنا، أنني اكتشفت، بعد الاستماع إلى حديثك، ما كنت أتساءل عنه دوماً كما تساءل معي الملايين على امتداد العالم العربي، منذ دخولك وزملاء لك المعترك السياسي في «الكنيست الإسرائيلي»: كيف لفلسطيني ــ عزمي بشارة أو سواه ــ اغتُصبت أرضه، وشُرّد شعبه في أطراف الدنيا، أن ينخرط في لعبة «الديموقراطية الإسرائيلية»! هل هو اعتراف بشرعية «الكيان الإسرائيلي» الغاصب وتنازل عن فلسطين!
بعد استماعي إليك أمس، فهمت سر مغامرتك/تجربتك، على امتداد السنوات الماضية، وتفهّمتك! وتيقّنت من أنك استطعت أن تعرّي هذا الكيان المصطنع، بيهوده وصهاينته وإسرائيلييه، يمينيين كانوا أو يساريين، متطرفين أو معتدلين، حمائم أو صقوراً! لقد عرّيتهم جميعاً كما سبق أن عرّتهم وتعرّيهم كل يوم «مآثرهم» الكثيرة في عمليات الإبادة الجماعية، والتهجير الجماعي، والمجازر الدموية، ولقد اكتشفت أخيراً «مأثرة» ديموقراطيتهم الخادعة، وهذا ما غمرني بفرح عظيم!
نعم، لقد استطعت، خلال تجربتك الغنية، أن تعرّيهم أمام الرأي العام الدولي بوصفهم، على اختلاف انتماءاتهم، كياناً عنصرياً استيطانياً غاصباً، ولم يعد في استطاعتهم، بعد اليوم، ان يضلّلوا هذا الرأي العام بأكاذيبهم كما ضلّلوه في الماضي، ولم يعد في إمكانهم إخفاء عنصريتهم أو التغنّي بـ«ديموقراطيتهم» الزائفة!
مع هذا، لا أخفيك سروري عندما سمعتك تعلن انتهاء تلك المغامرة التي استنفدت غرضها، وأنك تعكف حالياً على تحديد خيارات جديدة، في ضوء التجربة الماضية.
الآن، وجدت تفسيراً لانشدادي، بقوة، الى حديثك، أمس، وأنا أسمعك تقوّم تلك التجربة بلغة واضحة، واثقة وبليغة!
وكم سررت باكتشافي سر تلك المغامرة التي طالما أرهقتني لسنوات، إذ لم أكن مقتنعاً بها، وكم سررت بوصولك الى نهاياتها وإعلانك عزمك الأكيد على متابعة مسيرتك ومسيرة شعبنا الى التحرر والسيادة والتقدم، وفق تصوّر جديد وقواعد جديدة.
عزمي بشارة، الوطن القومي كله وطنك، لا فلسطين فحسب! إن جوار فلسطين هو أيضاً، وطنك، بل حصنك، وستجد فيه قلاعاً لا تزال عصيّة على يشوع بن نون وعصابته حيث لن تقدر «أبواقه» على هدمها، فقد انتهت هذه الأسطورة في تموز 2006، مع أنها لم تجد سنداً تاريخياً لها!
عزمي بشارة: آن الأوان لترفس بقدمك هذا الكيان، بكل مؤسساته، وقد بدأت بالفعل.
هذا ما فهمته من مقابلتك.
أحيّيك!


مَن سينتصر؟
المحامي حسين محيدلي


إذا ما حلَّت الأزمة اللبنانية الداخلية، واستقرت الأوضاع السياسية في البلاد، ورجعت اللقاءات والتشاورات والحوارات بين الزعماء اللبنانين لحل كل نقطة خلافية، وشعر المواطن كأن لبنان ينهض من جديد من تحت ركام الحرب الهمجية الإسرائلية الماضية، فمن سيكون المنتصر؟ الجواب ــــــ بكل بساطة ــــــ الوطن الذي سعى العدو حتى إلى حرمانه فرحة الانتصار التي حققها في تموز الماضي عبر بث روح التفرقة والتعصب، وحتى الاقتتال بين أبناء البلد الواحد، سعياً منه إلى إخفاء معالم هزيمته التي لم تعد أسبابها وتوقيتها يخفى على أحد، والتي أرست نتائجها قواعد جديدة للتعامل معه رغم عدم الإفصاح عنها. ففي بلاد مثل لبنان لا يمكن فريقاً داخلياً أن ينتصر على الآخر، فوقائع حياتنا الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية تحتم علينا أن نعيش مع بعضنا، نتحاور ونختلف، لكن لا نفترق، لأن هذا البلد الذي هو أشبه بلوحة الفسيفساء الجميلة لا يمكن أن يدار إلا بالاتفاق الذي هو السبيل الوحيد لبقاء لبنان السيد الحر المستقل. فمعاني النصر والهزيمة تقف عند حدود لبنان الداخلية ولا تجد لها مكاناً في أروقته، لأن في تحقق أي منها يعني موت وطن.