حسين عطوي *
تثير التصرفات والمواقف الأميركية تساؤلات عديدة لدى كل مراقب، لِما تحمله من تناقض وعدم وضوح لناحية حقيقة التوجّه الذي ستسلكه واشنطن في المستقبل القريب.
ــ هل ستقدم على تغيير جوهري في سياستها وتقرر الدخول في الخطوات العملية من أجل التحضير لانسحابها من العراق؟
ــ أم تعتزم التحضير لحرب جديدة في المنطقة، بذريعة البرنامج النووي الإيراني، بهدف إيجاد تداعيات تعيد تعويم المشروع الأميركي الإسرائيلي الذي مني بهزيمة وانتكاسة خطيرة إثر انتصار المقاومة في حرب تموز عام 2006 والإخفاق في مواجهة المقاومة العراقية؟
ــ أم واشنطن وضعت استراتيجية جديدة لتوريط سوريا وإيران في العراق قبل أن تلجأ إلى التسليم بخيار الانسحاب؟
إذا ما دقّقنا في السياسات والممارسات الأميركية يتبين لنا أن كل احتمال من الاحتمالات تدعمه الكثير من الوقائع والمعطيات.
أولاً على صعيد الاحتمال الأول: تبدو الصورة معززة لاتجاه السياسة الأميركية نحو البحث عن مخارج لورطتها المتزايدة في العراق وهذا ما يظهر عبر الوقائع التالية:
1 ــ عقد مؤتمر بغداد الذي حضرته دول جوار العراق والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن حيث اعتبر جلوس المندوب الأميركي إلى الطاولة مع المندوبين السوري والإيراني أول علامة على بداية نزول إدارة بوش عن قمة التعالي والغطرسة، وبالتالي التخلي عن سياسات الإلغاء والإقصاء، التي كانت تسعى إلى فرضها، تجاه كل من يقف في وجه مشروعها الشرق أوسطي، منذ أقدمت على احتلال العراق.
ولم يكن مطلوباً في أول مؤتمر حول العراق أكثر من إزالة الحواجز واستكشاف معالم الطريق المقبلة، حيث عرض كل فريق رؤيته لتحقيق استقرار العراق، لكن الاعتقاد السائد بأن المؤتمر الذي سيعقد قريباً، على مستوى وزراء الخارجية، سوف يشكل المحطة الأساسية للبحث الجدي في مشاريع واقتراحات الحلول العملية، وهذا ما أشارت إليه المعلومات عن التحضير لاجتماع بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ونظيرها الإيراني منوشهر متكي على هامش الاجتماع، ودراسة طهران استقبال رئيسة الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي إذا طلبت زيارة إيران.
2 ــ توافد المسؤولين والنواب الأميركيين من الاتجاهين الجمهوري والديموقراطي على العاصمة السورية والاجتماع مع المسؤولين فيها والبحث والحوار معهم في سبل حل مشكلات المنطقة، ويعكس هذا الأمر تطوراً لافتاً في التوجه الأميركي نحو الحوار مع سوريا، منذ زيارة وزير الخارجية السابق كولن باول إثر احتلال العراق.
3 ــ الانفتاح الأوروبي على سوريا والذي بدأ بمبادرات من بعض الدول مثل إسبانيا وإيطاليا، وانتهى بمبادرة باسم الاتحاد الأوروبي تمثلت بزيارة خافيير سولانا، المنسق الأعلى لسياسة الاتحاد الخارجية، لدمشق واجتماعه مع الرئيس بشار الأسد وتأكيده أهمية دور سوريا في حل المشكلات في المنطقة.
وقد سبق هذا الموقف كلام يحمل دلالات مهمة لوزير الخارجية الإيرلندي الذي قال إن كل مشكلات المنطقة لا يمكن أن تحل من دون سورية.
ثانياً: أما احتمال التحضير للحرب فإن مؤشراته تبرز من خلال مواصلة حشد المزيد من الأساطيل في الخليج الذي تحول إلى ما يشبه ساحة لعرض القوة العسكرية من الجانبين الأميركي والإيراني عبر إجراء المناورات العسكرية بالذخيرة الحية، وكأن الحرب ستحصل في أية لحظة. واحتمال الحرب تعززه أيضاً تصريحات إدارة بوش المتواصلة حول مخاطر البرنامج النووي الإيراني ومحاولاتها المستمرة من أجل انتزاع قرار من مجلس الأمن يسمح باستخدام القوة، إذا ما رفضت إيران الخضوع لقرارات مجلس الأمن، غير أنها تصطدم بالموقف الروسي الصيني الرافض لاستخدام القوة والداعي إلى الحل السياسي للملف على الطريقة الكورية.
ثالثاً: غير أن هناك رأياً تدعمه العديد من المؤشرات والمعطيات، ويكمن في أن واشنطن قررت اعتماد استراتيجية جديدة تقوم على المزج بين التلويح باستخدام القوة والمرونة السياسية في الشكل، في محاولة لتطويع المواقف الإيرانية ــ السورية، من أجل تحقيق بعض الأهداف التي عجزت عن تحقيقها حتى الآن. وفي هذا الإطار وضعت الإدارة الأميركية استراتيجية جديدة تقوم على العناصر التالية:
العنصر الأول: ترتيب الوضع العراقي عبر محاولة استدراج كل من سوريا وإيران للغرق في العراق من خلال تحميلهما مسؤولية الوضع الأمني المتردي وإشراكهما في حل المشكلة الأمنية.
العنصر الثاني: العمل على تحقيق تسوية للصراع العربي الإسرائيلي على الجبهات السورية والفلسطينية واللبنانية، تنسحب إسرائيل بموجبها إلى حدود عام 67، وإيجاد «حل واقعي» لقضية اللاجئين.
العنصر الثالث: تحويل الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي، إلى صراع عربي إيراني.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية قد بُدئ في تنفيذها، لكنها تواجه المصاعب في الطريق، منذ البداية، حيث فشلت وزيرة الخارجية الأميركية رايس في مساعيها لتعديل المبادرة العربية، فيما الاختلاف في الرؤيتين السورية والأميركية إلى معالجة الملف العراقي برز واضحاً في مؤتمر بغداد، حيث في مقابل التركيز الأميركي على أولوية معالجة الملف الأمني، شددت سوريا على أن المدخل لتحقيق الاستقرار يكمن في وضع جدول لانسحاب قوات الاحتلال، وهو ما سيكون محور نقاشات مؤتمر وزراء الخارجية لدول جوار العراق.
* كاتب لبناني